ميزانية الدولة تحت قبضة حاكم لا يعرف النوم

بعد نقاشات طويلة مع مثقفين عرب في المهجر، زارني في بيتي بتركيا ضيف عراقي صديق تابع حواراتي. وهو الدكتور محمود عزاوي، صاحب دكتوراه أوروبية في الشؤون السياسية وسألني بابتسامة: من تحسب من حكام العالم قبل أن ينام الليل يفكر كيف يجعل حياة المواطن أفضل في اليوم التالي؟ حتى في البلاد المتقدمة يفكر الحاكم أولاً في حزبه وحكمه وحملاته الانتخابية. أما عند من يناقشك فأنت هنا تخدم بلدك بلاد الحرمين وتعود إليها وتراها كل يوم أجمل. فيما هم مهجرين، متغربين، تعود بلدانهم إلى الوراء بلا حتى كهرباء. ثم يرون شابا في الأربعين يقود أمة الإسلام والمسلمين عن أسرته، ومعه خيرة المواطنين. ولا ينام قبل أن يتم الإجابة على السؤال: كيف يكون غداً لهذه الأمة وهذا البلد وهذا المواطن أفضل.. الا يحسدونك؟

نشرت ذلك في منصة اكس قبل صدور الميزانية ونسخة المواطن والتركيز الواضح على خدمته وتعليمات ولي العهد لوزرائه بالتركيز أولا وآخراً على مصلحته. “من أنت؟ لمن أنت؟ تحدد هويتك”. قالها لي ملك القلوب، الملك سلمان، في لقاء بمكتبه عام 2013 في جدة أثناء اطلاعه على كتبي عن تاريخ البلاد، ان الكتاب لم يعد الوسيلة الوحيدة للوصول إلى قلوب الشباب وعقولهم. فقد يكون هناك من لا يعرف ان البلد ليست شقة مفروشة. بل دارك، بناها آباؤك وأجدادك. وكل ما تغرسه فيها هو لك ولولدك. طلب مني مبادرة فقدمتها، وكلف معالي وزير الإعلام وقتها الدكتور عبدالعزيز خوجه بتنفيذها.

شاهدنا هنا ما كان يقوله كل ولي امر، وما يذكر العالم به، الأمير سعود الفيصل، في لقاء أميركي شهير: ان هذه الدولة قامت على جذور عريقة، وأسر متجذرة، وقيادة همها الأول والأخير خدمة بلادها، وتوفير أفضل الخدمات لمن يقيم عليها.

ولعل مؤسس الدولة السعودية، الملك عبدالعزيز، لخصها لنا عندما قال لمن نصحه بالترشيد في ظروف اقتصادية مرت بها البلاد: عاهدت الله ان أكرم خلقه وان يكرمني بعونه. واخشى ان تخلفت عن عهدي تخلف عن عهده. فكان، كما يروي عبدالله بلخير، في ذكرياته التي ناقشني فيها ملك الثقافة، سلمان، يصرف الطعام والخبز بالمجان لمن لا يستطيع في ظروف الحرب العالمية الثانية، ويحرص على متابعة راديو عدن لمتابعة شحنات القمح على سفن الحلفاء في مينائها، فلا يفوت بلدنا نصيب. وكان يقول لابنه فيصل قل لروزفلت وتشرشل حيادنا الإيجابي حرم المحور من أراضينا وبحارنا عليكم. فنحن نطلب حقا لا مساعدة. وهكذا كان، فعبرنا الأزمة، كما في كل الأزمات، وآخرها كوفيد، بأمان.

نعم، من حق ابني فيصل الذي يعمل في حديقة الملك سلمان بالرياض أن يفخر ببلده، وأن يتمنى اليوم الذي يشهد العالم هذا الإنجاز العظيم، وأن يشكر قيادة لم تنم قبل أن تحل له مشكلة الإسكان.

ومن حق كل من خدمني في المدينة الطبية بجامعة المؤسس بجدة، جراحين وأطقم أطباء وموظفين، أن يعتزوا بأنهم تخرجوا من الوطن أو ابتعثوا لأفضل الجامعات العالمية ليعودوا بأفضل العلوم إليه. ومن حق أطفال المدارس أن يحملوا الأعلام ويغنوا لأجمل البلدان، ويرسموا الدرعية والقديه وبوابة الملك سلمان في دفاترهم وقلوبهم والعيون.

لم أكن ببعيد عن هذه الصور الجميلة، بأزمتي الصحية الأخيرة بل في قلبها. وتحدثت إلى كل من التقيت بهم، ومنهم ابني عبدالعزيز الذي أتم بعثته على حساب الدولة في باريس وعمل في البعثة السعودية في اليونسكو، وهرع ليكون معي.

إن لهذه الدار علينا فضلًا عظيمًا، لن يقدر على سداد دينه جيلنا وحده، وعليهم أن يواصلوا الطريق. وأن لا ننتظر حتى يدلنا أحد. فكلنا صغيرًا وكبيرًا نقتدي ولا ننام، قبل أن نسأل أنفسنا ماذا سنساهم به لصناعة غد أفضل لكل خلق الله، بهيمة ونبات وبشر. فالإنسان لم يخلق عبثًا، بل أنزله إلى الأرض ليعمرها ويخدم عباد الله فيها. وهذه بلاد الحرمين أولى بقاع الأرض بقيادتها، وهؤلاء خدام الحرمين أولى بريادتها.

قال لي الدكتور العراقي التركي عثمان العاني، بعد الحج الماضي، لقد كنت أحسب أننا في العالم الأول أو الثاني أفضل. فلما شهدت كيف وقفت بلد بحكامها ومحكوميها لخدمة الملايين في أيام معدودة، ثم بطول العام، علمت بأننا سنكون جميعًا، عربًا ومسلمين، بخير .. ما دمتم، أيها السعوديون، بخير. X: @Kbatarfi

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى