الجيو-حرب والجيو-نووية.. حين تتبدل فصول الصراع من الخنادق إلى الظلال النووية!

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الجيو-حرب والجيو-نووية.. حين تتبدل فصول الصراع من الخنادق إلى الظلال النووية!, اليوم الاثنين 16 يونيو 2025 10:50 مساءً

محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية

في الشرق الأوسط، حيث تُرسم الخرائط غالبًا بدماء التاريخ ومفاجآت الجغرافيا، لا يمكن قراءة الحرب بمعزل عن الأدوات التي تتبدل باستمرار، وفقًا لمعادلة الردع والتكلفة السياسية.

الضربة الأخيرة، التي وُصفت بأنها "قسمت ظهر" المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، لم تكن مجرد هجوم تقني على منشأة عسكرية، بل هزّة عميقة في بنية الردع، وضعت الكيان في مواجهة تساؤلات وجودية عن عمق الاختراق الأمني لمؤسساته الاستراتيجية.

ورغم التعتيم الرسمي على طبيعة الموقع المستهدف، فإن حجم الصدمة وسرعة التحرك الأمني الداخلي يشير بأن الأمر يتجاوز سقف العمليات التقليدية. لم تكن ضربة في صحراء أو حدود، بل في العمق العصبي لمنظومة التصنيع العسكري والتقني.

في المقابل، جاء رد إيران بهدوء محسوب. وكأن طهران، رغم امتلاكها ترسانة واسعة من "أدوات الردع"، لا تزال تقرأ الخارطة الدولية بعين الجغرافيا السياسية، لا بالعاطفة الثورية. فالبحر الأحمر لا يزال مفتوحًا، ومضيق هرمز لم يُغلق، وناقلات النفط تمر رغم التصعيد.

فهل تخشى إيران من مواجهة مباشرة مع الغرب.. .؟ أم أنها تدرك أن خنق شرايين التجارة العالمية قد يمنح القوى الكبرى مبررًا للانخراط العسكري المباشر تحت مظلة "حماية الاقتصاد العالمي"؟

الراجح أن إيران تفضّل، في هذه المرحلة، الحروب غير المتماثلة: حرب الميليشيات، والمسيّرات، والسفن الغامضة. إنها تؤمن بأن "الردع الذكي" لا يكون بالصوت العالي، بل بإدارة إيقاع الحرب، وتجزئة الرد، وتوسيع الضربات الرمزية الموجعة.. .،

{من الجغرافيا النووية إلى الجيو-حرب}

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، طُرحت تساؤلات جديدة عن مفاهيم الردع، وحدود الاشتباك، وخرائط الحماية.

وفي هذا السياق، كنتُ قد قدمت، كباحث في الجغرافيا السياسية، منذ سنوات، مصطلحًا جديدًا هو:

"الجغرافيا النووية" (Geo-Nuclearity)، وذلك من رحم وقلب معارك أوراسيا، حيث بدأت تتشكل مناطق تحت "مظلات ردع نووي" غير معلنة. وقد رُفع هذا المفهوم ضمن دراسات مقدمة إلى "مركز سنتر جيوغرافيك للدراسات الجيوسياسية" و"مركز كارتر للدراسات الاستراتيجية".

وكان الهدف هو لفت النظر إلى أن مناطق كثيرة باتت تتحرك ضمن هندسة الردع النووي، لا بالتصريحات السياسية ولا بالتحالفات التقليدية فقط، بل بالوجود السيادي لمفهوم "الحماية النووية الجغرافية" غير المباشرة، كما هو الحال في شرق أوروبا، واليابان، وكوريا الجنوبية.

واليوم، ومن رحم التصعيد في الشرق الأوسط، أقدّم مفهومًا جديدًا أضعه بين يدي الباحثين في الجغرافيا السياسية ودوائر التفكير الاستراتيجي، وهو:

"الجيو-حرب" (Geo-Warfare)

وهو مفهوم يتجاوز ثنائية الحرب التقليدية واللا تقليدية، ليتحدث عن نمط جديد من الصراعات، يجمع بين استخدام الجغرافيا الذكية (الفضاء، المياه، الموانئ، الطرق العابرة) والتقنيات الحديثة (السايبر، الذكاء الاصطناعي، المسيّرات، السلاح الاقتصادي).

لم تعد الحروب تُخاض بالخنادق، بل تُدار من خلف الشاشات، ولم تعد الدول تُغزى بالدبابات، بل بالهجمات الإلكترونية، وحرب الرواية، وحصار الشرايين.

قراءة جديدة للردع والصراع

"الجيو-حرب" و"الجغرافيا النووية" هما اليوم مصطلحان متداخلان في تفسير مشهد عالمي لم يعد يُدار وفق مفاهيم القرن العشرين.

إنه زمن الردع غير المتكافئ، حيث تُعاد صياغة السيادة من جديد، ليس فقط على الأرض، بل في الفضاء، وفي الطاقة، وفي المعلومات.

فالدول التي لا تملك قنبلة نووية قد تملك قنبلة سيبرانية، والدول المحاصرة جغرافيًا قد تمتلك امتدادات رقمية تقلب المعادلات.

وفي هذا السياق، تصبح العمليات "الرمزية" جزءًا من معركة إرادة طويلة، لا تقوم على الرد السريع، بل على إعادة رسم المشهد بالكامل.

فالسؤال الآن لم يعد: "من يملك الأرض؟"، بل: "من يملك رواية الأرض.. ؟ ومن يتحكم في دورتها السيادية، وفي خرائط ردعها.. ؟"

وحين يتداخل الموقع الاستراتيجي مع ظل المظلة النووية، وتتحرك المسيّرات فوق خطوط الطاقة لا فوق خطوط النار فقط، نكون فعليًا أمام عصر الجيو-حرب، حيث تُدار الصراعات عن بعد، لكن آثارها تظل محفورة في تضاريس التاريخ.. .. ، ، !

كاتب وباحث في الجغرافيا السياسية والصراعات الدولية، ، ، !!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق