مع الشروق : خطوة أخرى نحو التفتّت

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق : خطوة أخرى نحو التفتّت, اليوم الأربعاء 16 أبريل 2025 10:28 مساءً

مع الشروق : خطوة أخرى نحو التفتّت

نشر في الشروق يوم 16 - 04 - 2025

2350769
في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، التي دخلت عامها الثاني تتصاعد الأصوات الداخلية في إسرائيل لتكشف عن انقسامات عميقة تهدّد استقرار الكيان الصهيوني من الداخل، ففي تقرير حديث نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية كشف عن قرار الجيش الإسرائيلي بالاستعاضة عن قوات الاحتياط في جبهات القتال بجنود نظاميين، في خطوة تعكس حجم الأزمة التي يواجهها الجيش جراء احتجاجات مئات من جنود الاحتياط المطالبين بإنهاء الحرب، حتى لو كان ذلك على حساب وقف العمليات العسكرية في غزة، وهو تحرّك لا يشكّل مجرد تعبير عن رفض فردي، بل يعكس في عمقه أزمة وجودية تهدد بتفكيك المجتمع الإسرائيلي وتكشف عن هشاشة المشروع الصهيوني نفسه.
فقد أشار تقرير "هآرتس" إلى أن قادة الجيش الإسرائيلي أنفسهم يدركون أن "عدم ثقة جنود الاحتياط بالمهمة التي تنتظرهم قد يضر بالخطط العملياتية"، وأن هناك "صعوبة واضحة في تنفيذ خطط القتال في غزة ولبنان وسوريا والضفة الغربية"، ويأتي هذا الاعتراف من داخل المؤسسة العسكرية، التي طالما شكلت العمود الفقري للكيان الغاصب، ليعكس حالة من الإرباك والتخبط التي باتت تهيمن على القرار السياسي والعسكري، فالجنود الذين وقّعوا على عرائض الاحتجاج لم يعودوا يرون في هذه الحرب هدفا أمنيا يخدم مصلحة إسرائيل، بل يرونها أداة سياسية تُستخدم لخدمة مصالح شخصية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته الفاشية الإجرامية.
ولا يُعدّ رفض الجنود الإسرائيليين مواصلة الحرب ظاهرة جديدة، لكنه اتخذ في الآونة الأخيرة منحى غير مسبوق من حيث الحجم والتأثير، فمنذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023، واجه الجيش الصهيوني موجات متتالية من الاحتجاجات، بدءاً من الطيارين في سلاح الجو، مرورا بوحدات الاستخبارات النخبوية مثل وحدة 8200 وصولا إلى جنود البحرية والمظليين وحتى الأطباء العسكريين، وهؤلاء الجنود، الذين يشكلون العمود الفقري لقوات الاحتياط، أعربوا عن رفضهم لاستمرار الحرب التي باتت تهدّد حياة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، وتستنزف الموارد البشرية والاقتصادية للكيان دون تحقيق أي من الأهداف المعلنة من حكومة نتنياهو الإجرامية للداخل الإسرائيلي.
وما من شكّ أن ما يجعل هذه الاحتجاجات أكثر خطورة على الكيان المحتل هو أنها تأتي في سياق أزمة داخلية متفاقمة، فالمجتمع الإسرائيلي الذي طالما تم تسويقه كمجتمع متماسك موحّد خلف أهدافه "الأمنية"، بدأ يشهد انقسامات غير مسبوقة، وعائلات الأسرى التي تدعم تحركات الجنود، باتت تتهم نتنياهو علناً بتعريض حياة أبنائها للخطر من أجل أهداف سياسية شخصية، مثل تعزيز موقفه السياسي وتجنب الملاحقات القضائية التي تطارده بتهم الفساد، وهذا الاتهام الذي أصبح شعارا متكرّرا في الاحتجاجات الشعبية والعسكرية يكشف عن فقدان الثقة بين الشعب والقيادة السياسية، وهو ما يهدّد بانهيار النسيج الاجتماعي الإسرائيلي.
أما على المستوى العسكري، فإن قرار استبدال قوات الاحتياط بالجنود النظاميين ليس حلاّ مستداما، فالجيش الصهيوني الذي يعاني بالفعل من نقص في القوى البشرية بسبب عزوف اليهود المتدينين (الحريديم) عن التجنيد، سيجد نفسه مضطرا لتحميل الجنود النظاميين أعباء إضافية، مما قد يؤدي إلى استنزافهم وتفاقم الأزمة، علاوة على أن هذا القرار يعكس حالة من عدم الثقة بين المؤسسة العسكرية وجنود الاحتياط، الذين يشكّلون نسبة كبيرة من القوة القتالية للجيش وهو ما ينذر بتصدع داخلي قد يؤثر على قدرة إسرائيل على مواصلة حروبها المتعددة.
وبات يقينا أن احتجاجات الجنود الصهاينة ليست مجرد ردّ فعل على حرب بعينها، بل هي تعبير عن أزمة وجودية تهدد بتفكيك الكيان الصهيوني من الداخل، فالمجتمع الذي بُني على أسس العسكرة والاحتلال بدأ يواجه تناقضاته الداخلية، ويجد نفسه عاجزا عن تحقيق الأمن أو الاستقرار الذي وعد به، والاستمرار المرتقب لهذه الاحتجاجات، واتساع رقعتها، سيكون حتما بداية النهاية لمشروع قائم على الإجرام والإبادة الجماعية والاحتلال، مشروع لم يعد قادرا على مواجهة مقاومة شعب يقاتل من أجل حريته، ولا حتى على احتواء انهياره الداخلي.
هاشم بوعزيز

.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق