ضربة استخباراتية فرنسية تُربك جماعة الإخوان الإرهابية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ضربة استخباراتية فرنسية تُربك جماعة الإخوان الإرهابية, اليوم السبت 31 مايو 2025 09:29 مساءً

هيكل إخواني معقد في شوارع ليون ومارسيليا.. وشبكات تنشط تحت مظلة الجمعيات والمدارس

الأمن الفرنسي يكشف تفاصيل "نظام موازى" للجماعة داخل وزارات التعليم والرياضة والخارجية والمالية

مجلس الدفاع الفرنسي يرصد القنوات المالية المستخدمة لتمويل أنشطة الجماعة.. ويحذر من ثغرات تشكل بيئة خصبة للتمدد الإخواني

 

 

 

تعيش فرنسا على وقع قلق متزايد من تنامي نفوذ جماعة الإخوان الإرهابية، داخل النسيج الاجتماعي والمؤسسي، في سياق يُعاد فيه طرح سؤال العلاقة بين الدين والدولة، وحدود التسامح في مواجهة مشاريع أيديولوجية عابرة للحدود، فبعد سنوات من الرصد والتحقيق، جاء التقرير الاستخباراتي الأخير، الذي ناقشه مجلس الدفاع الفرنسي في مايو الماضى، ليُسلّط الضوء على ما اعتبره "نظامًا موازيًا" تُعيد الجماعة تشكيله بهدوء داخل المدن الفرنسية الكبرى، بعيدًا عن الأضواء، وعبر أدوات ناعمة ومراكمة نفوذ تدريجي.

التقرير، الذي تزامن مع لحظة سياسية دقيقة في البلاد، لا يكتفي بالتحذير من تغلغل إخواني في قطاعات التعليم والثقافة والتمويل، بل يقدّم خرائط دقيقة للانتشار، وهويات الشخصيات المحورية، وآليات التمكين المحلي، وبينما تتباين المواقف السياسية حيال مضمونه، يبقى الثابت أن فرنسا تجد نفسها أمام اختبار مزدوج: كيف تحصّن جمهوريتها دون الانزلاق نحو الاستهداف الجماعي، وكيف تواجه مشروعًا طويل النفس لا يعتمد على العنف، بل على اختراق الهوية والاندماج والثقة العامة.

 

تقرير خطير يربك الحسابات

 

في 21 مايو، ناقش مجلس الدفاع الفرنسي تقريرًا استخباراتيًا وصف بـ"الخطير"، يُحمّل جماعة الإخوان المسلمين مسؤولية "تسلل قاعدي" إلى هياكل الدولة والمجتمع في فرنسا. التقرير، الذي أعدّه خبراء أمنيون، اعتبر أن هذا التغلغل يمثّل تهديدًا مباشرًا للتماسك الوطني، مع تحذيرات من مشروع طويل الأمد لتغيير التوازنات المجتمعية والقيم الجمهورية من الداخل.

 

وفي أعقاب التقرير، طلب الرئيس إيمانويل ماكرون من الحكومة صياغة "مقترحات جديدة" للتعامل مع هذا الخطر، بعدما اعتبر أن الحلول المطروحة لا ترقى إلى مستوى التحديات المطروحة. واستدعى ماكرون وزراء من قطاعات التعليم، والرياضة، والخارجية، والمالية، وهي الوزارات التي أشار التقرير إلى أنها أكثر عرضة لاختراق الجماعة.

 

وزير الداخلية برونو ريتيلو استعرض أمام مجلس الشيوخ الفرنسي حزمة أولية من الإجراءات، من بينها تعزيز صلاحيات الدولة في مجال الاستخبارات، وإنشاء "نيابة إدارية" مختصة داخل وزارة الداخلية، إضافة إلى برامج تدريبية تستهدف الموظفين الحكوميين والمسؤولين المحليين، كما ركز ريتيلو على ضرورة تتبع القنوات المالية التي تُستخدم لتمويل أنشطة الجماعة، محذرًا من أن هذه الثغرات تشكل بيئة خصبة للتمدد الإخواني.

 

أحد محاور التقرير الأساسية هو تأكيده على أن مشروع الإخوان في فرنسا لا يعتمد على المواجهة العنيفة، بل على النفوذ المتراكم محليًا، من خلال الجمعيات الثقافية والدينية والتعليمية، والمراكز المجتمعية، والمحتوى الموجه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. واعتبر أن هذا النشاط "من الأسفل"، رغم كونه تدريجيًا وغير مباشر، إلا أنه يشكّل تهديدًا بالغًا في المدى القصير والمتوسط.

 

وتضمنت بيانات التقرير أرقامًا دقيقة، من بينها وجود 139 مكانًا للعبادة مرتبطًا بالاتحاد المحسوب على الإخوان، و68 موقعًا آخر يُعد قريبًا منه فكريًا، موزعة على 55 مقاطعة، ويمثل ذلك حوالي 7% من مجمل أماكن العبادة الإسلامية في فرنسا، البالغ عددها 2800، كما قدّر متوسط عدد المصلين يوم الجمعة في هذه المساجد بنحو 91 ألف مصلٍّ، وهو ما يكشف حجم التأثير المجتمعي الذي باتت تحوزه الجماعة.

 

وإلى جانب التركيز المحلي، يشير التقرير إلى تحول استراتيجي في نهج الإخوان المسلمين، يتمثل في تراجع نفوذهم في العالم العربي، مقابل تكثيف نشاطهم داخل أوروبا، مستفيدين من الحريات العامة والفراغات المؤسسية في بعض الأحياء الهشة. وهو ما يدفع نحو ضرورة توسيع التعاون مع المفوضية الأوروبية، وصياغة خطاب علماني متجدد يواكب هذا التحدي، دون أن ينزلق إلى شيطنة المجتمعات المسلمة.

 

انقسام سياسي ومجتمعي حاد 

 

ردود الفعل السياسية كانت حادة، ففي حين طالب جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني، بحظر جماعة الإخوان ومحاربة جميع مؤيديها إداريًا، بادر غابرييل أتال، أمين عام حزب "عصر النهضة"، باقتراح حظر ارتداء النقاب للقاصرات دون سن 15 عامًا، رغم أن هذا الاقتراح لم يحظَ بإجماع داخل البرلمان. أما جان لوك ميلينشون، زعيم "فرنسا الأبية"، فقد هاجم التقرير ووصفه بأنه تعبير عن "إسلاموفوبيا مؤسساتية"، محذرًا من انزلاق فرنسا نحو ما سماه "محاكم تفتيش جديدة".

 

انتشار إخواني منظم وهيكلة مرنة

 

ويتشكل مشهد جديد على هامش الدولة الفرنسية، تتخلله شبكات متماسكة تنشط تحت مظلة جمعيات ومدارس ومساجد، وتغذيه أيديولوجيا الإسلام السياسي في نسختيه الإخوانية والسلفية، ولا يعلن هذا المشهد عن نفسه بالصدام أو الشعارات، بل يتسلل بهدوء عبر منافذ الهوية والخدمة المجتمعية، مشكّلًا نظامًا موازياً يرسّخ حضوره في الهامش المحلي، بينما تنشغل الدولة بمركزية القرار.

 

ونشرت صحيفة «لوفيجارو» تقرير في مايو 2024 مقتطفات من تقرير استخباراتي، كشف تفاصيل مثيرة عن خريطة الانتشار الدقيق لهذه الشبكات في المدن الفرنسية الكبرى، قدّم تصورًا مركبًا لهذا النظام الموازي، الذي يُوصف بأنه أكثر تماسكًا وهيكلية من أي وقت مضى، بفعل اعتماده على أدوات محلية مرنة وشبكات عابرة للوظائف الدينية والتعليمية والاجتماعية.

 

في منطقة ليل شمال فرنسا، وثّق التقرير وجود منظومة إخوانية محلية مكتملة الأركان، تتصدرها كيانات مثل مسجد ليل الكبير (GML)، الذي يترأسه مسؤول سابق في المجلس الإقليمي للشؤون الإسلامية، وتحظى بدعم من الرابطة الإسلامية الشمالية (LIN) ومركز المدينة الإسلامي (CIV)، إلى جانب شبكة RAMN بين مسلمي الشمال، كما يبرز اسم مدرسة "ابن رشد" الخاصة، التي تستقبل نحو 800 طالب، وتديرها شخصيات مرتبطة بتنظيم "مسلمو فرنسا"، ما يعكس تنسيقًا مؤسساتيًا متينًا بين البنية التربوية والدينية.

 

التقرير لا يكتفي برصد البنية، بل يشير إلى نحو 30 شخصية محلية تُصنّف كقيادات داخل هذه الشبكة، وتحتل مواقع مؤثرة في المؤسسات البلدية، ما يفتح باب التساؤل حول طبيعة التأثير السياسي الذي تمارسه هذه الكيانات بصمت، ومن دون اصطدام مباشر مع الدولة.

 

أما في ليون، فالحالة تبدو أكثر تجذّرًا تاريخيًا، هناك، تمتد جذور التنظيمات ذات التوجه الإخواني إلى الثمانينات، كما هو الحال مع اتحاد الشباب المسلمين (UJM)، المتأثر بأفكار طارق رمضان، ومسجد عثمان الكبير في فيلوربان، ومجمع ديسين الثقافي الذي يضم مدرسة ومسجدًا، ويشير التقرير إلى وجود 94 جمعية تنشط في المنطقة، بعضها يُدار من قبل شخصيات ذات خلفية فكرية إخوانية أو تتقاطع مع توجهاتها، رغم غياب العلاقة التنظيمية المباشرة.

 

ويلفت التقرير إلى تصاعد مظاهر التدين المحافظ في أوساط الفتيات الصغيرات، من بينها ارتداء العباءة والحجاب منذ سن الخامسة، ما يخلق نوعًا من التوتر داخل مراكز اجتماعية تتبنى مبدأ "تعال كما أنت"، لكنها تواجه ما يسميه التقرير بـ"ضغط الهوية المتنامي".

 

في مرسيليا، تتخذ الظاهرة شكلًا أكثر تنظيمًا وارتباطًا بالمشهد السياسي المحلي. «المركز الإسلامي لمرسيليا» (CMM) يشكل محور النشاط، ويضم مسجد مريم، ومدرسة ابن خلدون التي تستقبل نحو 370 طالبًا، إلى جانب جمعيات مثل “شباب المسلمين في فرنسا” التي يديرها محسن نقزو، رئيس منظمة "مسلمو فرنسا".

 

ويوازي هذا المشهد ظهور هيكل سلفي جديد حول معهد «مسلم دي بلوه»، الذي يتخذ من مركز تجاري سابق مقرًا له، ويقدم خدمات دعم تعليمي ونقل للمصلين، ويضم مدرسة قرآنية لأكثر من 500 طفل، يقوده شخص يُدعى إسماعيل، ذو توجه سلفي، لكنه يوظف رموز الخطاب الإخواني، ويملك تأثيرًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي عام 2023، تمكن من جمع تمويلات لشراء محلات تجارية تُستخدم للدعوة والتعليم، في مؤشر على استثمار ذكي ومركّب للأدوات الاقتصادية في خدمة المشروع الفكري.

 

ويسلط التقرير الضوء كذلك على ظاهرة مقلقة – وفقاً للمجتمع الفرنسي - تتكرر في مدن عدّة، تتمثل في تغطية الفتيات الصغيرات بالحجاب، وهو سلوك تُغذيه وفق التقرير تيارات وهابية وسلفية، تتقاطع مع أنشطة الإخوان في بعض المواقع، مما يوسع من دائرة التأثير على النشء، ويعيد إنتاج بنية ذهنية طويلة الأمد.

 

معركة ناعمة تتجاوز العنف

 

كل ذلك يأتي في لحظة سياسية حساسة بالنسبة لفرنسا، عقب قرار حل الجمعية الوطنية، وقبيل انتخابات تشريعية مبكرة. ويُنظر إلى التقرير كأداة استراتيجية لتحديد بؤر التأثير التي تتجاوز الطابع الديني نحو بناء نفوذ محلي غير مباشر، لكنه فعّال على مستوى الهُوية والاندماج والأمن.

في ظل هذا المشهد، تواجه الدولة الفرنسية تحديًا مركبًا: كيف ترد على مشروع سياسي ديني لا يُظهر عداءً مباشرًا، لكنه يبني واقعًا موازيًا على الأرض؟ وهل يمكن صياغة سياسات فعالة تحافظ على التماسك الوطني، دون الانزلاق إلى وصم الجاليات أو المسّ بالحريات الأساسية؟ تبقى الإجابة مرهونة بقدرة باريس على الموازنة بين الأمن والاندماج، وبين الحزم والانفتاح.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق