نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مواكب الحج قديماً بين دمشق الفيحاء وحلب الشهباء, اليوم الخميس 5 يونيو 2025 02:00 مساءً
دمشق-سانا
دمشق الفيحاء وحلب الشهباء توءما سوريا الأثير، وروحها وقلبها، تصدرتا قائمة أقدم المدن في التاريخ، وتنافستا في الماضي والحاضر، بصناعة المجد والحضارة وتصدير العلم وبناء الاقتصاد ونقل التراث والتفنن بالعمارة، وتنافستا حتى في التقاليد العريقة في استقبال الحجاج من أرجاء العالم الإسلامي، وتوفير مستلزماتهم للانطلاق في مواكب إلى مكة المكرمة.
ولأن كلا المدينتين تقعان على طريق الحرير التاريخي وكانتا تستقبلان في كل عام قوافل الحجيج والعمّار الساعين إلى بيت الله الحرام، والقاصدين أداء الفريضة من مختلف أرجاء العالم الإسلامي، فكان هناك طريق الحج الحلبي وطريق الحج الشامي.
وفي القصيدة الرائية للرحالة الأندلسي ابن جبير التي نشرها المستودع الرقمي لمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، يصف الرحالة رحلته إلى الحج قبل ألف عام، حيث بدأت من مدينة البيرة بإسبانيا إلى حلب، حيث اجتمعت وفود الحجيج استعداداً للمسير، ثم الانطلاق إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة، وما مر عليه من منازل الحجيج ومواقيته.
وفي كتابه موسوعة حلب المقارنة يخبرنا العلامة خير الدين الأسدي أن المسلمين القادمين من الغرب عبر البحر أي الأندلس والمغرب الأقصى، ومن الشمال تركيا والبلقان كانوا يفدون إلى حلب ليتزودوا بالأطعمة والأمتعة من أسواقها.
أما الباحثة أماني خليل الرحال في كتابها طريق الحج وعمائره الخدمية في سوريا في الفترة العثمانية، فتوضح أن قوافل الحجيج الداخلة إلى حلب كانت تتوقف عند الجامع الأموي، فإذا ضمت جماعات كبيرة كانت تتجمع في حي الحاضر السليماني، الذي كان يقع خارج السور ويحيط بحلب من باب قنسرين حتى حي الفردوس، أما الأفراد والجماعات الصغيرة فيتجمعون في خانات المدينة، استعداداً للسفر في رحلة كانت تستغرق بين الستة والثلاثة أشهر حسب البعد وطريقة التنقل مشياً على الأقدام أو على الدواب، قبل أن يشيد العثمانيون خط الحديد الحجازي.
وتبين الرحال أن حجاج مدينة حلب كانوا ينطلقون من منطقة جسر الحج، والذي سمي بذلك لتجمع الحجاج فيه، ويتوجهون إلى مدينة دمشق مركز التجمع الرئيسي، حيث تلتقي قافلتهم مع القافلة الشامية ويصطحبهم والي حلب وكبار القوم من العلماء والأئمة وأصحاب الحرف وغيرهم لمسافة عدة أميال، كما كان يرافق الحجاج أسرهم وأقاربهم إلى مسافة بعيدة.
وعن دمشق التي كانت تحتضن أكبر محمل للحج يخبرنا المؤرخ الدمشقي الراحل منير كيال في كتابه سهرات النسوان في الشام أيام زمان، أن الفيحاء كانت أشبه بخلية نحل تعمل فيها طوائف الحرفيين ليلاً نهاراً، من أجل تحضير متطلبات الحجاج القادمين إليها من بلاد الترك والعجم والأناضول والبلقان، فضلاً عن حجيج الشام وحلب والجزيرة، ومن أجل ذلك أطلق هؤلاء القادمون من أقاصي البلاد إلى دمشق اسم شام شريف لما كانت توفّره لهم، من أمان ومواكبة لقافلة الحج إلى الحجاز، والسير في ركابها إلى الحرمين الشريفين.
ويبين كيال أن سنجق”راية” الحج كانت تنصب تحت قبة النسر بالجامع الأموي، للإعلام بانطلاق القافلة، وتأمين جميع متطلباتها من تجهيز الجمال والخيول والطعام، وإعداد الجند المرافقين للحماية والدفاع، والاستعدادات الخيمية “أصحاب الخيم” والمقوفين “المختصين بالمواقيت” والعكامة “الذين يقودون الدواب” والمهاترة “قارعي الطبول” والمشاعلجية والسقائين، من أجل ضمان أكبر قدر من الراحة والاطمئنان للحجيج في ذهابهم وإيابهم وإقامتهم وترحالهم.
وكانت رحلة الحج الشامي تبدأ مع عيد الفطر كما يؤكد كيال، أي يوم خروج السنجق من القلعة، حيث كان ينقل معها في ثاني أيام العيد الزيت اللازم لإنارة الحرمين الشريفين، في ضروف “حقائب من الجلد” على ظهور الجمال، ضمن موكب كبير يشارك فيه العلماء والمشايخ والوجهاء والعراضات وألعاب السيف والترس.
وكانت قوافل الحجيج الشامي تحمل معها ماء الزهر والورد من المزّة التي كانت تشتهر بورودها وأزاهيرها، لتعطير الحرمين الشريفين، حيث كانت النساء يقفن على الأسطح لوداع القوافل، وأصحاب المحال ينثرون ماء الزهر على الحجيج، وهم يهللون ويكبرون.
تابعوا أخبار سانا على التلغرام والواتساب
0 تعليق