جاءت توقعات أسعار الهيدروجين الأخضر بمثابة ضربة جديدة للصناعة، في توقيت تودّع خلاله عامًا صعبًا ومليئًا بالتحديات.
وبحسب تحديثات قطاع الهيدروجين العالمي لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تعرضت الصناعة لهزّة عنيفة دفعت خطط ومشروعات الشركات نحو هاوية الإرجاءات والإلغاءات.
ورغم التوقعات بانخفاض شديد في مستويات الأسعار والتكلفة خلال السنوات المقبلة حتى منتصف القرن 2050، فإن تقديرات حديثة كشفت أن الانخفاض لن يكون بالقدر المأمول، وستبقى أسعار هذا الوقود النظيف مرتفعة.
ويبدو أن الفجوة بين سعر الهيدروجين الأزرق والأخضر ستظل مستمرة لصالح الأول، في حين يحتفظ الهيدروجين الرمادي بحالة من الثبات في تقديرات الأسعار.
ويستعمل المعنيون بالصناعة الألوان لوصف أنواع الهيدروجين وفق طريقة إنتاجه، إذ يوصف بـ"الأخضر" مع استعمال الكهرباء المتجددة في تشغيل المحللات الكهربائية.
ويُطلق عليه "الأزرق" حال إنتاجه باستعمال الغاز الطبيعي واحتجاز الكربون، في حين يوصف بـ"الرمادي" إذا اُنتِج من مصادر الوقود الأحفوري مباشرة دون احتجاز الانبعاثات.
توقعات أسعار الهيدروجين الأخضر في 2050
تُشير توقعات أسعار الهيدروجين الأخضر في 2050 إلى تسجيله ما يتراوح بين 1.60 و5.09 دولارًا/كيلوغرام.
وجاءت هذه التقديرات المرتفعة رغم التوقعات السابقة بتسجيل أسعاره انخفاضات حادة بحلول منتصف القرن، مقارنة بمستويات الأسعار الحالية.
وتتجاوز هذه التقديرات التوقعات السابقة بنحو قد يصل إلى 3 أضعاف، وفق منصة أبحاث بلومبرغ نيو إنرجي فايننس (BNEF).
وحمّلت "بلومبرغ نيو إنرجي فايننس" أجهزة التحليل الكهربائي (اللازمة لفصل المياه إلى هيدروجين وأكسجين، مع تشغيلها المحللات بالكهرباء المتجددة) مسؤولية رفع تكلفة أسعار الهيدروجين الأخضر المستقبلية.
يُشار إلى أن أسعار الوقود الأخضر الحالية تتراوح بين 3.74 و11.70 دولارًا/كيلوغرام.
ويقارن بذلك الهيدروجين الأزرق المستعمل بكثرة في الآونة الحالية، إذ تدور تكلفته بين 1.11 و2.35 دولارًا/كيلوغرام، وتحافظ أسعار الهيدروجين الرمادي على ثباتها وفق المستويات الحالية حتى 2050.
وتعدّ مستويات الأسعار شديدة التقلب حسب السوق المطورة للوقود النظيف، إذ قيّمت التوقعات تقديرات إدارة الرئيس جو بايدن لأسعار الهيدروجين في أميركا مقارنة بتوقعات الأسعار في ظل إدارة "دونالد ترمب" المرتقبة.
ومن جانب آخر، وقع الاختيار على الصين والهند بصفتهما أكثر الأسواق تنافسًا في تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر.
الهيدروجين في أميركا بين بايدن وترمب
كان قطاع الهيدروجين في أميركا أحد أبرز المتضررين من تحديات الصناعة المحلية، وعلى رأسها تباطؤ إدارة الرئيس الحالي جو بايدن في إصدار قانون يُلزم بتعديلات ضريبية تدعم الإنتاج؛ ما تسبَّب في إلغاء مشروعات باستثمارات تصل إلى مليارات الدولارات.
ووصفت التوقعات الحديثة تقديرات إدارة بايدن لسعر الكيلوغرام بحلول عام 2031 (بما يعادل دولارًا أميركيًا واحدًا فقط) بأنها غير قابلة للتحقيق، وأن الإدارة الأميركية استعملت هذا التقدير للترويج للوقود وإقناع المطورين والعملاء باستعماله.
وشملت التوقعات فرص أفضل لولاية تكساس في إنتاج الهيدروجين بأسعار مخفضة، مقارنة بأسعاره في ولايات: نيويورك، وتكساس، ويوتا.
وفي ظل انخفاض متوقع من 7.22 إلى 4.82 دولارًا/كيلوغرام، أشارت توقعات بلومبرغ إلى أن تطبيق الدعم الضريبي قد يهبط بالأسعار إلى 3 دولارات/كيلوغرام، بحلول عام 2040.
وفي ولاية تكساس وحدها، قد تهبط أسعار الهيدروجين الأخضر إلى ما دون دولارًا واحدًا/كيلوغرام، شريطة إقرار الإعفاءات الضريبية.
وفي ظل تحوّل مرتقب مع تولّي الرئيس الجديد "دونالد ترمب" مهام منصبه في 20 يناير/كانون الثاني 2025، تبدو طموحات إقرار قانون الإعفاءات الضريبية وسياسات الهيدروجين في أميركا مغلّفة بحالة من عدم اليقين.
ويعوّل المطورون على اهتمام شركات النفط بالاستثمار في قطاع الهيدروجين، سواء خلال المدة المتبقية من حكم إدارة بايدن أو خلال مدة حكم ترمب.
ويخشى المعنيون بالصناعة من تنفيذ "ترمب" تهديداته بفرض رسوم جمركية على الواردات؛ ما قد يؤدي إلى رفع أسعار المحللات الكهربائية المستوردة.
واللافت للنظر أن توقعات "بلومبرغ نيو إنرجي فايننس" لأسعار الهيدروجين الأخضر في أميركا لم تتضمن الرسوم الجمركية المتوقعة من إدارة "ترمب".
أسعار الهيدروجين الأخضر
سلّطت المحللة لدى "بلومبرغ نيو إنرجي فايننس"، بايال كور، الضوء على دور دعم أسعار الهيدروجين الأخضر بالحوافز والإعفاءات، لضمان خفض تكلفة الإنتاج المرتفعة.
وقالت كور، إن استمرار ارتفاع أسعار الوقود الأخضر يشكّل عائقًا جديدًا أمام تخلص بعض الصناعات من الكربون، مثل: تكرير النفط والكيماويات، وصناعة الصلب، ومحطات الكهرباء.
وفي ظل تفاقم التحديات الأخرى -مثل: ضعف الطلب، وفشل الشركات في تأمين اتفاقيات شراء طويلة الأجل، وتباطؤ تطوير السياسات واللوائح التنظيمية، وغيرها-، اضطرت شركات عالمية إلى تعديل خططها ومستهدفاتها الزمنية.
وبجانب ذلك، لجأت شركات عدّة خلال العام الجاري 2024 إلى إلغاء مشروعات إنتاج الوقود النظيف، من بينها مشروعات شركة: إكوينور النرويجية، وشل العالمية، وأوريغين إنرجي الأسترالية.
وتحاول الشركات العالمية العاملة في قطاع الهيدروجين التغلب على التحديات والمستويات الضعيفة للطلب، واضطرارها لإلغاء المشروعات.
وفي الوقت ذاته، يتمسك داعمو المناخ (من الساسة، وصنّاع القرار، والحكومات، ونشطاء البيئة) بالهيدروجين الأخضر بوصفه أحد المسارات الرئيسة للانتقال إلى الطاقة النظيفة، والتخلص من الكربون.
ومقابل ذلك، كانت هذه الفئات تترقب تحول توقعات أسعار الهيدروجين الأخضر باتجاه الانخفاض إلى واقع، غير أن التقديرات الحديثة لاستمرار مستويات الأسعار في الارتفاع جاءت بمثابة صدمة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
0 تعليق