نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في ذكرى الاستقلال المجيد تحديات عظيمة وآمال كبيرة, اليوم الأربعاء 19 مارس 2025 02:48 مساءً
نشر في الشروق يوم 19 - 03 - 2025
تأتي الذكرى 69 للاستقلال في ظرفية وطنية ودولية دقيقة تستدعي أقصى درجات الحيطة لصون المكتسبات الوطنية والمضي قدما في مراكمة متطلبات القطع مع التخلّف وترسيخ شعار «لا للعودة إلى عشرية الخراب».
هذه الذكرى المجيدة تحمّل أجيال الحاضر مسؤولية التفاني في الحفاظ على إرث شهداء معركة التحرر الوطني الأولى وبناة الدولة الوطنية الذين شيدوا صرحا عظيما بالدم والعرق والصدق وذلك بتجذير ثقافة الاعتراف في المجتمع عبر إعلاء مكانة أعلام وأبطال تونس الذين ضحّوا بالغالي والنفيس حتى تعيش الأجيال المتعاقبة في كنف الحرية والكرامة والسيادة الوطنية.
وبالتالي يحتاج الشعب التونسي إلى وقفة تأمّل في ذكرى الاستقلال لتشخيص مكامن الضعف التي أربكت مسار المشروع الوطني لدولة الاستقلال وأبّدت بذرة الارتداد إلى التخلف فالمشهد الراهن الذي خلفته عشرية الخراب يبدو متخلفا بمقدار نصف قرن على أقل تقدير مقارنة بواقع التونسيين في ستينات وسبعينات القرن الماضي فقد كانت تونس مضرب الأمثال في النظافة والتحضّر وكان القادة العرب يحلمون بناقلة وطنية مثل الخطوط التونسية.
والواضح أن غايات بناة الدولة الوطنية لم تبلغ مداها بسبب عدم اكتمال الثورة الثقافية لا سيما في ظل عدم تجذر ثقافة الاعتراف لمن ضحوا في سبيل تونس وعدم وضوح التلازم بين الجهد والرفاه وبين الجزاء والعقاب.
وعلى خلفية أن معركة التحرّر الوطني الراهنة تمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء المشروع الوطني على أسس صلبة ومستديمة تتحمّل أجيال الحاضر مسؤولية الذهاب إلى أبعد مدى في تحقيق الثورة الثقافية التي تقطع مع عقلية الخنوع ومسايرة السائد وتستلهم من النقاط المضيئة في تاريخ تونس المجيد الممتد على ثلاثة آلاف عام لاكتساب الدافع الحضاري فالتخلف والرضوخ للهيمنة هو في المقام الأول عقلية ونمط حياة.
وفي خضم هذه الحرب الكونية غير المسبوقة في التاريخ البشري من حيث أدواتها وأبعادها تبدو تونس قد حققت الأهم من خلال الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ والتشبث بسيادتها المطلقة على خياراتها بما يكفل تحقيق المصالحة التاريخية بين الواقع والقدرات الخلاقة للشعب التونسي وينأى ببلادنا عن السقوط في مستنقعات الصراع.
وينبغي الإقرار في المقابل بأن هذا التموقع الجيد القائم على السيادة الوطنية تطلب تضحيات جسام خلال الأعوام الأخيرة يجب أن تتجسّد في منجزات راسخة على الأرض عبر ترسيخ ثقافة التعويل على الذات في وجدان الشعب وتجذير مفهوم «مجتمع القانون» حتى تتفتّق القدرات الخلاقة لشباب تونس الذي بمقدوره أن يبني صرحا عظيما متى استشعر وجود دولة قوية لا ينازعها أحد في مسؤولياتها التحكمية الحصرية.
والواضح في هذا الصدد أن ثمار السيادة الوطنية بدأت تتبلور في مشروع وطني واعد من خلال تواتر الإصلاحات الاستراتيجية مثل قانون الشيكات الذي جاء لترسيخ «الثقة» في المجتمع كبديل عن التدافع الاجتماعي المدمّر وإلغاء المناولة تثبيتا لقيم المساواة والعدل والحرية بوصفها روح النظام الجمهوري الذي سالت من أجله دماء المقاومين الأبرار.
وعلى هذا الأساس تبدو المرحلة القادمة حبلى بالآمال وهو ما يحمّل المؤسسات السيادية وسائر أطياف الشعب مسؤولية التفاني في الذود عن تونس لتحصين البناء الجديد ضد الأخطار المتعاظمة التي تتربص به فالعالم القديم سائر إلى الاندثار لكنه في الأثناء لن يقبل بسهولة أن تكتسب دولة من الجنوب عناصر القوة والتأثير.
ويجب الانتباه في المقابل إلى أن نصرة الشعب الفلسطيني الشقيق الصامد أمام أبشع كيان عرفه التاريخ الانساني تعبر عن وعي تونس العميق بأن سيادة أي شعب في العالم ستظل مهددة ما لم تتحرّر فلسطين من الاحتلال وعلى هذا الأساس جاء دستور 2022 وفيا لوجدان الشعب التونسي من خلال تكريس سياسة عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني وهو ما يؤكد أن تونس تقف مع أحرار العالم وتدفع نحو انتصار المجتمع الانساني على النظام الدولي القائم الذي اهترأ تماما بمعيار المصداقية.
الأولى
.
0 تعليق