بقلم | الدكتور حمدي سعد أستاذ الجهاز الهضمي والكبد
الخميس 02 يناير 2025 | 11:07 صباحاً
الدكتور حمدي سعد أستاذ الجهاز الهضمي والكبد
لم تعد قوانين المسؤولية الطبية تشغلني بشكل شخصي، فلم يعد في العمر الكثير، لكنني اتكلم كأب لاثنين من أطباء المستقبل، أحدهما تخرج منذ أشهر معدودة، والآخر يدرس في السنة الثانية، بل للآلاف من أبنائي الخريجين من شباب الأطباء الذين درست لهم فى الكلية ومشاعري وقلبي وعقلي معهم وأعتبرهم مثل أبنائي تمامًا.
أتوجه إلى نواب الشعب، وإلى معالي وزير الصحة - وهو شخصية مرموقة مرنة متفاهم شديدة الذكاء وتعاملت معه شخصيا فى أثناء مناقشات قانون المستشفيات الجامعية - أتوجه إليهم جميعا وإلى كل من يهمه مستقبلة المهنة فى هذا البلد الرائد طبيا فى المنطقة رغم الإمكانيات الشحيحة للغاية، أرجو من النواب ومن الوزير، أن ينظروا للموضوع من كل زواياه، فليس الهدف من اعتراضنا على حبس الأطباء فى الأخطاء المهنية ناتج من تغليب روح القبيلة ومبدأ أنصر أخاك ظالما أو مظلوما.
لقد تكلمت النقابة فى مصطلحات فنية لتعريف الخطأ المهنى والخطأ الجسيم وإلغاء الحبس الاحتياطى ومطالبتها بتعريف محدد للخطأ الجسيم وإلغاء الحبس كعقوبة نتيجة الأخطاء غير الجسيمة، وغير ذلك من الاعتراضات التى لاقى بعضها قبولا عن البرلمان، وبعضها لم يلقى قبولا، وتخوض النقابة حاليا تحديا قانونيا ومهنيا ربما هو الأكثر خطورة فى تاريخها.
لكننى أرجو أن يتساءل النواب قبل إقرار حبس الطبيب، هل تم تعليم الطبيب فى كليات الطب وفق المتعارف عليه عالميا؟ هل المقررات العلمية التى يضعها احيانا مدرس حديث الحصول على الدكتوراه فى بعض الأقسام خصوصا فى الجامعات الإقليمية، هل هذه المقررات والملازم تصلح لتعليم طبيب المستقبل بشكل يجعله محترفا فى مهنته ومتجنبا للأخطاء الطبية؟ هل نظام الدراسة والامتحانات وطرق التقويم تفرز طبيبا متخرجا ملما بأساسيات الممارسة المهنية الصحيحة؟ هل التدريب الإكلينيكى قبل التخرج وبعده يتم وفق القواعد المتبعة عالميا ووفق ضوابط تضمن استفادة جميع الأطباء من التدريب؟
وكذلك، هل الطبيب الخريج يتلقى نفس فرص التدريب كما يتلقاها أى طبيب حديث التخرج فى أى دولة أخرى؟ هل مستشفياتنا لديها نفس الإمكانيات ومعايير الجودة وبها الحد الأدنى من متطلبات التدريب للاطباء سواءا كانوا نواب أو متدربين زمالة؟ هل نظامنا الصحى الذى يشمل مستشفيات جامعية وعامة ومركزية وتعليمية وأمانة وتأمين صحى؟ هل يتلقى الأطباء في هذه المنظومات الطبية المختلفة الإمكانيات والسياسات والمقومات المادية والبشرية؟ هل يتلقى الأطباء فيها نفس التدريب ونفس المهارات حتى يخضعوا لنفس القانون ويحاكمهم نفس القاضى؟ هل وفرت للطبيب راتبا يستره ويغنيه عن اللف على المستوصفات والمراكز الخاصة ليكسب بعض الجنيهات التى تعينه على هذه الحياة الصعبة؟
إن لم تعلم الطبيب كما يجب، ولم تدربه كما يجب، وأعطيته راتبا لا يكاد يكفى أساسيات حياته ومصاريف دراسته العليا، فكيف بالله عليك أن تضع له قانونا يحبسه؟
أنا مع حبس الطبيب طبعا إذا أهمل وتسبب فى قتل إنسان، لكن كم طبيبا يفعل ذلك؟ أكاد أجزم أنه لا يوجد طبيب يفعل ذلك، ومن واقع الخبرة الطويلة فى معايشة شكاوى الإهمال الطبى ضد الأطباء، فإننى أقول إن جميع الأخطاء تقريبا كانت لم تخرج عن مضاعفات واردة فى مثل حالة المريض الشاكى، أو ضعف إمكانيات فى مكان حدوث الواقعة أو خطأ غير مقصود نتيجة قصور فى التعليم والتدريب.
يا سادة، الإسكندر الأكبر له مقولة شهيرة، حيث قال: "من الصعب أن تكون إمبراطورًا بين يدي الطبيب"، لذلك، أرجو أن يتأمل كل واحد من أولى الأمر فى هذا الشأن حاله، فربما لا قدر الله وضعته الظروف فى وضع يحتاج إلى قرار شجاع من طبيب شجاع لا يهدده السجن فيتخذ القرار الذى ينقذ روحه، وينقلب حزنه وخوفه على حياته فرحا له ولأهله.
انقذوا أبنائي من خوف الحبس، فهم الأمناء بتوفيق الله على حياتكم.
0 تعليق