الفنان الكاريكاتوري علي عبيد: رسام التفاصيل الصغيرة في وطن كبير

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الفنان الكاريكاتوري علي عبيد: رسام التفاصيل الصغيرة في وطن كبير, اليوم الخميس 10 أبريل 2025 11:07 مساءً

الفنان الكاريكاتوري علي عبيد: رسام التفاصيل الصغيرة في وطن كبير

نشر في باب نات يوم 10 - 04 - 2025

306300
2025 (وات / تحرير سارة بلغيث)- بخط أنيق يعبر عن الواقع بكلّ تفاصيله، رسم علي عبيد الذي يُعتبر أحد أبرز وجوه الكاريكاتور والرسم في الصحافة التونسية والعالم العربي، العالم من حوله مصورا شخصيات ومشاهد من الحياة برقة أو بسخرية بدقة ونظرة ثاقبة للحياة.
وتكريما للفنان علي عبيد، تحتفي الدورة 39 لمعرض تونس الدولي للكتاب (25 أفريل - 4 ماي 2025)، بهذا الرسام الكاريكاتوري من خلال تنظيم معرض استعادي لمسيرة زاخرة بالأعمال تضمّ نحو 4 آلاف رسم أنجزها هذا الفنان على مدى أكثر من 60 عاما، فوثّق من خلالها تفاصيل الحياة المجتمعية وتحولاتها في عالم دائم الحركة والتقلبات.
وعن أعمال علي عبيد، كتب الرسام والناقد الثقافي ناصر بن الشيخ في مقدمة كتاب "كاريكاتور علي عبيد"، الذي أنجزه الفنان بنفسه سنة 1978، قائلا: "من العبث إرفاق الرسائل البصرية المباشرة والصريحة التي تحملها رسومات علي عبيد بخطاب أدبي، إذ أن رسومه الكاريكاتورية الساخرة لا تحتاج إلى تعليق أو شرح". ويضم هذا الكتاب أكثر من 150 رسما كاريكاتوريا لشخصيات سياسية وثقافية ورياضية من تونس والعالم، ومشاهد من الحياة اليومية والشأنين الوطني والدولي،عالم بدأ في اكتشافه منذ صغره حتى أصبح من أعمدة الرسم الصحفي في تونس ورائدا لهذا الفن في العالم العربي.
وبين السخرية اللاذعة والسرد البصري الملتزم، تبعث رسوماته على التساؤل وتحرك ملكة التفكير فضلا عن طابعها الهزلي الساخر. ومع اقتراب موعد المعرض الذي سيكون محوره القضية الفلسطينية، وفق الهيئة المديرة للمعرض، أجرت وكالة تونس افريقيا للأنباء (وات) لقاء صحفيا مع علي عبيد هذا المبدع الذي يستخدم ريشته بحرية وحرفية ومشاعر مستفاضة ليرصد واقع المجتمع التونسي والعالم بريشته.
يقول علي عبيد، البالغ من العمر اليوم 87 سنة: "أنا سعيد من ناحيتين اثنين: أولا، لأن هذا المعرض جاء استجابة لدعوة صادقة من رئيس الجمهورية، قيس سعيّد الذي التقيته العام الماضي في قصر المعارض بالكرم بمناسبة التكريم الذي حظيت به في الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب. وقد وشجعني على عرض أعمالي ليكتشف الجيل الجديد من خلالها جزءا من تاريخ وذاكرة تونس. أما الناحية الثانية، فهي تمثل فرصة لأدعو الشباب إلى اكتشاف عالم ظلّ يلازمني طيلة حياتي وفن يسري في عروقي منذ نعومة أظافري".
// مسيرة من الحلم إلى الحبر في زمن التيليكس
وُلد علي عبيد يوم 15 ديسمبر 1938 في مدينة تونس العتيقة حيث وترعرع في "باب الأقواس"، وهناك قضّى طفولته بين باب سعدون والحلفاوين وباب سويقة. التحق أولا بالكتاب لحفظ القرآن الكريم ثم بالمدرسة الصادقية وبعدها بالمدرسة التقنية "إميل لوبيه" (حاليا: معهد 9 أفريل)، قبل أن ينقطع عن الدراسة في سن 16.
كان الرجل مولعا بالرسم. وحلم طويلا بالالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة لكن حلمه لم يتحقق. امتهن عدّة أنشطة لتأمين لقمة العيش قبل أن يتفرغ بالكامل لفن الكاريكاتور، وهو فن لم يكن يعرف اسمه حينها، إذ كان يرسم فقط للإضحك والتسلية على الجدران والأبواب والأرضيات المبلطة والكراسات والكتب. كما كان يرسم أصدقاءه وجيرانه في مواقف ساخرة. ويُضيف ضاحكا: "إنهم غالبا ما كانوا غير معجبين بما أفعله".
بدأت مسيرته الفنية بطريقة غير متوقعة: "بعد نجاحي في مناظرة بوزارة الداخلية، تم تعييني الحارس الشخصي للرئيس بورقيبة... وهذا يعود بلا شك إلى دقة ملاحظتي وقامتي المنتصبة". وكان يستغل أوقات الفراغ لرسم وجوه الشخصيات التي يصادفها، ثم شيئا فشيئا، تراكمت رسوماته كاشفة عن موهبة فريدة ونظرة حادة. وبذلك انتقل من الحرس الرئاسي إلى قاعات التحرير بعد ان حظي بتشجيعات كل من حوله. ونُشر له بين 1957 و1958 عندما كان في ال 20 من عمره، أول كاريكاتور في الصحيفة الهزلية "العفريت" باللغة العربية، ثم في "كل شيء بالمكشوف". بعد ذلك اشتغل جريدة "لاكسيون" عام 1967، ثم في جريدة "الحوار" بين 1976 و1988.
// شاهد على عصره
يقول علي عبيد: "عندما أنغمس في الرسم، كنت أحرص دوما على الإبداع والصدق والتأثير، بدافع دائم من حب الإتقان والدقة في العمل". ومنذ حوالي 20 سنة، توقف عن الرسم بسبب ضعف بصره الذي لم يعد يسمح له بالتدقيق في التفاصيل التي كان يحرص عليها في أعماله. وقد استلهم أعماله من الحياة اليومية "مما أراه وأسمعه وأعيشه ومن الأحداث الدولية وكذلك من هموم الناس الاجتماعية، باختصار من كل نبض أحياه". وكان من المعجبين بتوقيع الرسام الراحل "عمر غرايري". وتأثر كثيرا بالفنان التشكيلي حاتم المكي (1918 - 2003). ويضيف: "كنت محظوظا، مثل القلائل من جيلي، أمثال الشاذلي بلخامسة ولطفي بن ساسي، أن أرسم في زمن كان مهيئا للابتكار". وقد كان والده آنذاك سائقا للترامواي ومولعا بالسينما والرسم وأول معلم له.
ونُشرت أعماله في العديد من الصحف والمجلات. وتتميّز بقوة بصرية تعرف ب"اللكمة البصرية"، وهي تعكس قدرته على إيصال الرسالة عبر الخط وحده هذا ما جعل تفرّد أسلوبه يُدرج في الموسوعة الأمريكية "ماركيز هو إز هو".
هو فنان عصاميّ التكوين ودؤوب في عمله ما ساعده على تطوير أسلوبه الفني الذي أوصلته إلى الإقامة الفنية في "مدينة الفنون الدولية" بباريس سنة 1974. كما شارك في معارض في مونتريال وباريس ودبي وسوريا وإيطاليا وتونس حيث أقام أول معرض له سنة 1972 في رواق قاعة الأخبار بالعاصمة. وتُوّجت مسيرته بعديد الجوائز منها الجائزة الأولى في مهرجان علي الرياحي للموسيقى والجائزة الأولى في مهرجان دمشق العربي سنة 1981 وذلك عن ثلاث رسومات حول الشرق الأوسط، إضافة إلى جائزة اتحاد الصحفيين العرب سنة 1993.
// هوية تونسية وذاكرة محفوظة
وحرص علي عبيد في رسوماته على غراز الهوية التونسية في أدق تفاصيلها على غرار الزيّ التقليدي وحُليّ النساء وملامح الوجوه وتفاصيل الحياة اليومية، غلى جانب شخصيات من الواقع أو من التاريخ والتي ما كانت دائما ترتدي ألوان تونس هذا البلد الذي لم يتوقف عن رسمه يوما. وقد رسم وجوها من كل الأطياف المجتمعية مثل علي الدوعاجي وعبد العزيز القرجي وعلي الرياحي والهادي العبيدي وصالح المهدي وعلي بلاغة ومحمد القمودي والصادق ساسي (عتوقة)، إلى جانب شخصيات عالمية مثل بيكاسو وموليير وكاتب ياسين وإسماعيل ياسين (مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس") وأم كلثوم وغيرهم.
وتناول مواضيع عديدة من الرياضة إلى البيروقراطية ووسائل النقل، ومن غلاء المعيشة إلى الحروب،ة فكان ينتقل بريشته بين كلّ تلك المواضيع بروح فكاهية وجرأة ووعي. ولم تقتصر أعمال علي عبيد على أعمدة الصحف والمجلات فحسب، وإنما نشرت أيضا في عدد من الكتب على غرار الكتاب القيّم"Patrimoine et Terroirs : Saveurs et Savoirs " الصادر سنة 2024 عن وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية بالشراكة مع دار أليف للنشر.
ويروي علي عبيد عبر رسوماته قصصا يومية سعيدة أو حزينة تاركا للناس حرية التأويل والشعور، قائلا: "بالنسبة إليّ هناك رسائل كثيرة في نظرات العين". ويضيف في لحظة تأمّل: "مرّ الزمن سريعا"، مستذكرا تلك اللحظات التي كان يقف فيها بين فكرة ورسمة وبين حنينه للورقة البيضاء التي لطالما أحبها، وكان يعتبرها ملاذه الأول والأخير: "لم أكن لأتخلى عنها من أجل أي مستقبل آخر مهما كان واعدا". وبهذه العبارات يختم علي عبيد حديثه الممتع وكأنه يحيّي "للاّ البيّة" رمز تونس الخالدة.

.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق