حين يصير الوعي لعنة ونقمة.. مريض وسائق يرويان الحكاية على خشبة «الفجيرة للمونودراما»

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين يصير الوعي لعنة ونقمة.. مريض وسائق يرويان الحكاية على خشبة «الفجيرة للمونودراما», اليوم الخميس 17 أبريل 2025 02:31 صباحاً

لم تكن ليلة مهرجان الفجيرة الخامسة مجرد يوم مسرحي عابر، بين أرمينيا وتونس ارتحل الجمهور لعيش تجربتين على درجة لافتة من التميّز، ليس فقط لناحية الجودة المسرحية، بل لكونهما تحملان قدراً وافراً من التحديات والمقترحات على صعيد شكل الفرجة والأداء، والمنطق الاختباري، والتجريبي في المقترحات الفنية واللعبة البصرية بشكلها العام، ولأنهما تحملان السؤال المحير: هل يصير وعي الإنسان نقمة ولعنة عليه؟

وبينما خاض العرض الأرميني الذي حمل عنوان «تأثير ألجيرنون-جوردون» تجربة شديدة التعقيد، مستقاة من أجواء أدب الخيال العلمي، وتبحث نفسياً في شخصية شاب يعاني إعاقة ذهنية، ذهب العرض التونسي، الذي حمل عنوان «وحدي»، في رحلة وجودية مثقلة بالخذلان والتهكم، وكأننا كنا أمام محاولة لتحليل الخيبة وتعرية تفاصيلها، خصوصاً حين تكون من أوطان لا تعرف أن تكون إلا مراوغة، متحايلة، وبمعنى أدق ليس لها أن تكون أوطاناً بكل ما تعنيه هذه الكلمة.

الذكاء والإنسانية

ماذا يمكن أن تفعل داخل عقل شاب لديه إعاقة ذهنية؟ ماذا يوجد هناك في تلك المساحة التي تسمى عقلاً مضطرباً ويعاني أزمات؟ هي أسئلة منطقية كانت قبل دخول العرض الأرميني «تأثير ألجيرنون-جوردون»، من إخراج إيلغا شاهابازيان، وأداء أرمان مارتيروسيان، لكن المفاجأة كانت في أن العرض لم يناقش مأساة الإعاقة الذهنية، بل مأساة الوعي والإدراك حين تنجح رحلة علاج الشاب المريض، ويبدأ باكتشاف سوء وتعقيدات وبشاعة عالم لم يكن يعرفه جيداً.

إذن نحن في هذا العرض كنا أمام أزمات الوعي، وليس راحة الجنون.

العمل الذي يعرض ضمن مسابقة المهرجان الرسمية، يستند إلى رواية الخيال العلمي الشهيرة: «زهور ألجيرنون» لدانيال كيز.

في هذا العرض كنا في حضرة قصة إنسانية، سرعان ما تجاوزت منطقها العلمي لمصلحة تحليل القيمة الحقيقية للمعرفة، وهل يكون الجهل نعمة وميزة وسط عالم كالذي نعيشه؟ المسرحية تدور حول تشارلي جوردون، الذي يعاني إعاقة ذهنية، ويتم اختياره للخضوع لعملية جراحية تجريبية تهدف إلى تعزيز ذكائه، لكن حياة تشارلي تتحول، بشكل جذري، عندما يبدأ استكشاف القيم التي تحكم هذا العالم وعلاقاته الإنسانية.

وسط تعقيدات هذه اللعبة، كان على الممثل أن يحمل أثقال العرض المركّب، الذي حولته مخرجته إلى طبقات مركبة بين الهذيان والوعي المأزوم والذكاء الحاد، وصراع خيبات ونتائج هذا الوعي، وانبنت رحلة تطور الشخصية وسط تفاصيل شديدة الدقة، ترسم مسار تطور شخصية تشارلي وتحولاته الداخلية العميقة بين شخص منبوذ عُرضة للتنمر والسخرية الاجتماعية في حالته الأولى، وبين عزلة وإقصاء العارف والعالم، واستطاع مارتيروسيان أن ينقل للمشاهد ليس فقط التحول الفكري، بل أيضاً التغيرات النفسية العميقة التي تصاحب هذه الرحلة المشوقة، رغم افتقار الممثل لأدوات المساعدة على صعيد السينوغرافيا التي اعتمدت حل الإظلام للانتقال من حالة إلى أخرى.

كتبت رواية «زهور ألجيرنون» في ستينات القرن الماضي، وكانت ضرباً من الخيال العلمي المفرط، وهي اليوم في هذا العرض الذي يستعيدها ليس لإحياء منطقها العلمي، وتأكيد ممكناتها في ظل عالم الذكاء الاصطناعي، بقدر ما هي محاولة إحياء سؤال شديد الإلحاح والضرورة في الزمن الحاضر: كيف نظل بشراً في عالم مادي عنيف ومتوحش؟

وجع كل واحد منا

انتصر العرض التونسي «وحدي»، الذي كتبه وأخرجه وليد دغسني، وجسده، باقتدار، الفنان أسامة كشكار، للفرجة الممتعة والمشوقة، العمل وإن كان حمّالاً لرحلة إنسانية قاسية ومضنية، إلا أنه لم يرم أدواته الفنية في السوداوية، بل كان شديد الحرص على أن يضعنا، بكل مهارة، وسط رحلة تتنوع عناصرها وفضاءات مدلولاتها بين الشخصي والوطني، الفردي والجمعي، لنكون أمام حكاية وطن بمعناه الواسع، ولندرك أن آلام هذا الرجل الذي أمامنا هي وجع شخصي لكل واحد منا.

إنها حكاية سائق شاحنة ثقيلة، قرر أن يروي لنا حكايته أو حكاياه التي لا تنتهي، وبين الضحكة والدمعة، القسوة المفرطة والشعرية الساحرة، الأنا والآخر، تحفر هذه المونودراما مسار حكاية صارمة من حيث الأداء، رغم أنها تعتمد منطق الحكاية السردية، هذه الصرامة تتبدى في انضباط، وسط انتقالاته وتحولاته في تعقب وتجسيد شخصيات متعددة، في فضاء مسرحي متقشف، اعتمد بشكل أساسي وجوهري على إمكانات الممثل وليس الأدوات الفنية المساعدة، فعلى الخشبة ليس هناك إلا فراغ واسع، كان مساحة وحاضناً لحكاية تروي حكاية عمر مضطرب تتنازعه الخيبات.

تتكامل في العرض مساحة القول والفعل، وعلى الرغم من مساحة الخطاب الأدبي في العرض، إلا أنه لم يخل بالعمل الذي حافظ على تناغم مميز بين القول والفعل، وكانت سينوغرافيا العمل وأدواته الفنية منسوجة وحاضرة لتعطي التأثير الوجداني المزيد من القوة التي كانت تدفع العمل بلمسات مبدعة قدماً إلى الأمام.


قائد الرحلة.. المحزنة والمبهجة

قدم الممثل أسامة كشكار عرضاً كبيراً في «وحدي».. بحيوية ومهارات جسدية وذهنية وأدائية قادنا في رحلة محزنة ومبهجة، عشنا معه خذلانه، تحركنا بصحبته في شاحنة النقل بين بلاد وجبال، وواجهنا معاً قطاع الطرق، وتعاطفنا مع قصة حبه، ورقصنا وتحسّرنا على كل خيبات الأمل الوطنية، على أمل أن تتحقق دعواه لنصير مثل طائر الفينيق في القدرة على التجدد والانبعاث.

. العرض الأرميني خاض تجربة شديدة التعقيد، مستقاة من أجواء أدب الخيال العلمي.

. بين الضحكة والدمعة، القسوة المفرطة والشعرية الساحرة، تحفر مونودراما «وحدي».

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق