نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القضايا التحررية تمر عبر العلم, اليوم الأحد 29 يونيو 2025 03:44 مساءً
إن التحرر والاستقلال يمران من امتلاك القدرات المعرفية والعلمية التي تمكن الإنسان الفرد والجماعة من التحليل العلمي للظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية ، فبدون علم لا إنسان يتحرر ولا أرض تصير حرة ، لأن عالم اليوم في ظل تقاطعات الفكر المهيمن وتهافت قوى الإجرام على المستضعفين تعطي لهم ثغرات للتغلغل في الفكر واحتلال الأرض من أجل نهبها ونقل كل ثرواتها البشرية والمادية لتعيد قوتها واستمراريتها لتظل هي سيدة العالم من خلال القوة العسكرية والذكاء الاصطناعي للاستحواذ على الثروات واستعباد البشر الذي لم يستطع أن يضع له بنية واقية علمية وقوة رادعة ليحافظ على حريته وقراره السيادي . . وهذا ما جعل العالم عوض أن يتجه نحو تقوية المفاهيم المتعلقة بالمبادئ الإنسانية والقانونية وتكريس الحريات ومبادئ التسامح وقبول الاختلاف ، ليعم العالم الأمن والسلم ، انحرف هذا العالم بعد أن تحكمت فيه ثقافة الإقصاء والكراهية والعنصرية ، فانهارت كل القيم وانهارت بالتالي كل المنارات والمعالم التي كانت تضيئ هذا العالم مثل منظمة الأمم المتحدة على علاتها وكل الهيئات المتخصصة المتفرعة عنها ، ومحكمة العدل الدولية رغم انها رايها استشاري وغير ملزم إلا أن كلا الهيئتين الدوليتين كان لهما اعتبار معنوي لدى المجتمع الدولي ، غيرانه لما صعد اليمين المتطرف للحكم في العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية لم يعد لهما أية قيمة أو وزنا، وصارت السياسية الدولية عبارة عن ساحة حرب، القوي يأكل الضعيف بل وليته اكتفى بالقتل والتعذيب بل اختارت هذه العقلية العنصرية والسادية أن تنهج طريق الإبادة الجماعية بالسبل الأبشع مما شهد التاريخ البشري ولا افظع منها ، ناهيك عن التجويع والتعطيش والحصار ومنع كل المساعدات الإنسانية على شعب كل ذنبه أنه أراد أن يعانق الحرية والتحرر من الاستعمار الذي سكن أرض فلسطين باغتصابها وتهجير أصحابها الأصليين. كأنما التاريخ الاستعماري يعيد نفسه وإن كان بطرق ومناهج مختلفة.
تلك هي مأساة فلسطين والشعب الفلسطيني منذ 77سنة ولحد الأن. وهكذا عمرت القضية الفلسطينية طويلا وظلت ولا زالت هي السبب الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط وبروز كل أشكال الصراعات الدينية والعرقية والاقتصادية وتهافت الدول الطامعة في خيرات النفط والمعادن والصفقات لدى أنظمة سياسية مازالت لا تعرف للديموقراطية سبيلا، ضمن هذه الرقعة من العالم تربعت أنظمة سياسية غالبيتها لها مرجعية ماضوية رجعية واستحوذت تلك العائلات والقبائل ومجموعات وضعت لها مسميات مختلفة ،على الحكم، منها الإمارات والمملكات والسلطنات والجهوريات ، لكنها كلها تلتقي في شيء واحد وهو تدجين وتكبيل الشعوب وسلب حقوقها : ومما زاد في تكريس هذه الأوضاع هو تواجد القوى الأجنبية سواء وجودا عسكريا بإقامة القواعد العسكرية أو بالتبعية الاقتصادية من خلال شركات النفط التي تستغله من خلال خبرات الإنتاج والياته التي تستورد ،والتحالفات التي تقيد تلك الأنظمة مقابل حمايتها وتأمين استمراريتها كلما كانت هناك محاولات شعبية لتغييرها . إلا أن أساس كل ذلك هو قيام دولة تعتمد نظاما عنصريا على أساس العرق اليهودي، على أرض فلسطين حيث كان قرار التقسيم سببا في هذه المأساة التي يعيشها هذا الشعب الفلسطيني المسالم. هذا القرار رقم 181صدر عام 1947 كان يقضي بتقسيم فلسطين الى دولتين ،دولة فلسطينية ودولة يهودية مع وضع القدس تحت إدارة دولية خاصة ، إلا أن التطورات التاريخية تحولت القضية الى قضية احتلال لأن الدولة اليهودية لم تكن لتقبل هذا التقسيم بل كانت عينها على كل فلسطين ، وهكذا كان الزمن الاستعماري وسياسته التي تبناها منذ البداية ما كانت لتقف هناك بل توسع ليحتل الجولان السورية وسيناء المصرية ومزارع شبعا اللبنانية ومازال يبني المستوطنات بالرغم من "أوسلو " وكل ما تتضمنه من مقتضيات قانونية دولية واضحة. . وهكذا تحولت القضية الفلسطينية الى لغز سياسي صعب حله، ومن شدة تعقد هذه القضية التي مرت بالتطورات التاريخية والتدخلات الخارجية سياسيا، وتعدد الأطراف دوليا، وأمام انعدام الإرادة الدولية والدول العظمى لتجد لها حلا يمر عبر إقامة دولة مستقلة للشعب الفلسطيني، تحولت الى بؤرة توتر دائم وأرضية للصراع متعدد الأبعاد، وكل ذلك على حساب شعب لا وجهة له بحيث أينما اتجه يواجه بالقتل والقنص والتدمير والكراهية والعنصرية، لدرجة أصبح عنصرا منبوذا من إخوانه أولا وكل العالم ثانيا ... لماذا؟ لأنه يحب الحرية والاستقلال، له كرامة وأنفة، يموت ويستشهد ولا يستسلم، فغزة علمت كل العالم كيف نكون أحرار وسط الدمار وسط عالم مثخن بالكراهية خاصة الأنظمة الرسمية التي تعمل على حرمان شعوبها من نسيم الحرية وتكميم افواهها وإخفاء الحقيقة، حقيقة أنظمة سياسية تقتات على القمع واستغلال الشعوب. إن المنتظم الدولي بكل تركيباته المؤسساتية انكشف وجهه البشع من خلال زيف ادعاءات مكوناته انها كيانات سياسية ديموقراطية تحفظ وتحمي حقوق الإنسان وأنها مدنية وحضارية تشكل درعا واقيا لكرامة الإنسان والطفولة، وها هو الإنسان الفلسطيني والطفل الفلسطيني يقطع أشلاء وتجرب فيه كل أنواع الأسلحة التي يزود به الكيان الصهيوني بسخاء من قبل من يدعون أنهم حماة الإنسانية والمبادئ الديموقراطية التي يتشدقون بها عبر إعلامهم الذي لا يعرف سوى هذا الكيان وكل من مسه ولو بكلمة يحاكم بتهمة معاداة السامية ، وهم يعادون كل الإنسانية والبشرية دون أن ترمش لهم عين ، بل ينامون قريري العين كأن لا شيء يقع في هذا العالم . . فالقضية الفلسطينية كشفت الوجه الحقيقي لإسرائيل والعالم الغربي والأمريكي، بشكل واضح بلا مواراة، وبلا رتوش، فها هي الإبادة الجماعية للفلسطينيين قائمة الدلائل أمام العالم، ولم تستطع أي دولة أن تقف في وجه هذا الإجرام المكتمل الأركان والبراهين، فما هو سر هذا التواطؤ العربي والدولي؟ هل "حماس " تشكل خطرا على الأنظمة العربية والمنتظم الدولي؟ ام أن إسرائيل لها كل هذا النفوذ السياسي والإعلامي والاقتصادي على النخب الدولية ومثقفي العالم واستطاعت أن تسكتهم الى هذه الدرجة من الهوان والخذلان؟ إن الدعم الأمريكي غير المشروط لهذا الكيان العنصري الذي يثبت كل يوم وعلى مر 77 سنة من احتلال أرض فلسطين وتقتيل شعبها وتهجيرهم وتدمير منازلهم على رؤوسهم بدون تمييز بين مدني ومقاوم الكل سواء في مخيال وعقلية الصهيوني وما تصريحات السياسيين أمام كاميرات كل العالم باعتبار هذا الشعب "وحوشا وحيوانات وليسوا أناسا " إلا واحدة من تاريخ إجرامي قام عليه هذا الكيان البغيض والعنصري . . لم تعد القضية الفلسطينية تنتظر الحلول الأتية من الخارج، بل الحل الوحيد، لمن يريد أن يفهم ويقتنع، هو المقاومة ولا شيء غير المقاومة بالكلمة وبالفعل بالسلاح بكل الوسائل الممكنة ولا تنتظروا حلا يأتي على بساط من حرير فالتاريخ إن لم يعلمكم أيها الأحرار، فلتكونوا قربانا لهذه الحرية التي تمنعت عليكم بسبب انتظار الحلول من أمريكا ومن أنظمة عربية باعت واشترت في القضية الفلسطينية. فتحرير فلسطين يمر عبر البندقية لأنها الوسيلة الوحيدة التي يفهمها الاحتلال كل الاحتلال الذي ألقي في مزبلته، عبر المقاومة. ومن قرأ التاريخ البشري سيعلم أن ما من احتلال او استعمار او انتداب لم يخرج إلا بعد أن تنهكه المقاومة بالتصدي لقواته وإذاقته الخسائر تلو الخسائر. وكما قال لينين " القضايا التاريخية العظيمة لا يمكن حلها إلا بالقوة " لابد أنه كان يقصد بالقوة، القوة العلمية وقوة الإرادة التحررية للإنسان والأرض ، وطبعا القوة العسكرية والاقتصادية وتماسك الشعوب وتضامنها للحفاظ على سيادتها السياسية والإنتاجية
إذن حل القضية الفلسطينية لم يكن لينتظر كل تلك السنوات لو مر عن الطريق الصحيح ولم يضعها الساسة آنذاك في يد أمريكا والأمم المتحدة والجامعة العربية، وكانت البندقية هي السبيل الوحيد للتحرير كما علمتنا كل ملاحم المقاومة في الجزائر وجنوب إفريقيا وفيتنام وأفغانستان والعراق وفي وقائع التاريخ القديم والحديث كلها تصرخ بحقيقة المقاومة ونيل الحرية وصون الكرامة في مواجهة الظلم والطغيان والاستغلال.
إن الحلول للقضايا المصيرية لا تجد فكها وتسويتها إلا من خلال صاحب القضية والذي يعاني من تداعياتها المختلفة، فمن يضع كل بيضه في سلة واحدة يمكن بسهولة أن يخسرها في أول عثرة طريق ومن يعتمد على الأخرين لحل مشاكلهم فهو كمن يضع مفتاح منزله في يد السارق .... كما أن من يرفع شعار" تازة قبل غزة "لا يعول عليه لأننا نعرف أن تازة مازالت خريطتها ضمن المغرب غير النافع ولم تخرج منه حتى نصدق المقولة الموزونة لتظل مظلة التطبيع تهيمن ظلالها على عقول من يتبعون الوهم ولا يعرفون للتحرير سبيلا، تحرير عقولهم وأوطانهم لينبطحوا أمام هيمنة قوم لا يعرفون سوى شرب دماء الأبرياء واستعبادهم وبناء ناطحات السحاب على قبور المظلومين.
ألم تكن 77 سنة كافية كي نتعلم المبادئ الأولى للنضال والمقاومة لتحرير عقولنا ومن ثمة نحرر اوطاننا من كل هذا التخلف والضعف الذي نغرق فيه الى أعناقنا؟ السنا نمتلك كل القدرات والطاقات التي من شأنها أن نغير أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للخروج من هذا النفق المظلم الذي أطبق علينا بسبب السياسات المتبعة من قبل أنظمة صنعناها وقدسناها بل وصرنا عبيدا لها ، في حين انها أنظمة تستمد حمايتها وشرعيتها من هذا العدو الذي يسعى الى إبادتنا واحدا تلو الأخر، واكيد أنه لن يقف على مشارف غزة بل عينه الحمراء تنظر كمجرم متسلسل الى كل الخريطة العربية والفارسية وشمال إفريقيا لتكون رصيدا حيويا لعنصرية تتعاظم مع الزمن لهيمنة الفكر المتطرف الذي يجد منبعه في تلك الدول ذات الماضي الاستعماري والتي بنت قوبتها السياسية والاقتصادية والتكنولوجية على حساب دولنا المتخلفة بسبب وضع كل حلول مشاكلنا وقضايانا المصيرية في ايدي هؤلاء الذين يخططون ليل نهار لتركيع شعوبها واستعبادها.
إن التحرر من المستعمر يبدأ من بداية الوعي بالمراحل التي مر بها العالم العربي وتفسير كل منعرجات وقائعه وفتح نقاش عام حول تاريخ لم نعرف كيف أن نصنع منه مستقبل التحرير، لأننا عدنا لهذا الماضي لنمجده ونتوهم بأننا صنعنا منه أمجادا وانتصارات على عدو مازال يسكن بين ظهراننا يتحكم في نخبنا من خلال تكوينها كقطع غيار في مختبراتهم السياسية والمخابراتية كي تخلف التي شاخت أو تعطلت لسبب من الأسباب يعرفها ويحددها وفق استراتيجيته التي تحين حسب التطورات التي تقع على الأرض .
لنحسم الأمر بالقول أن التحرر من الوضع البئيس الذي نحن عليه لن يتم عبر هذا المعطى الذي نتخبط في كل عقباته ولن نخرج منه إلا بالطريق الوحيد وهو البحث عن المعرفة العلمية والتعليم الذي يحرر الإنسان ويجعله يعتمد التفكير العقلاني وينبذ كل المناهج التي تقدس الماضي خاصة مكامن الظلام فيه ، والتي لا تستقيم مع التحليل العلمي ، والعمل اعتمادا على الذات لأنه لا يمكن أن ننتظر من يحررنا من الخارج ، فلابد أن نعيد قراءة تاريخنا ونزيل كلما علق به من خزعبلات وننظف ذاكرتنا على أساس أن تعود مرأة صافية تعكس وجهنا الحقيقي وليس الوجه الذي لا يشبهنا بتاتا . لذا فتحرير فلسطين وكل الأرض العربية تمر عبر تحرير الإنسان العربي منا لجهل والخوف واعتماده في حياته على المعرفة والعلم والتحليل لكل الوقائع التي تخص مستقبله وهو وابناءه عبر التخطيط ورسم المشروع السياسي الذي يخلصه من كل رواسب الاستعمار والتبعية والهيمنة الداخلية والخارجية.
0 تعليق