تم اكتشاف حجرة دفن عملاقة من الحجر الجيري في الجبانة الملكية بمدينة أبيدوس القديمة، مما يسلط الضوء على فترة غامضة من تاريخ مصر الفرعونية. ورغم الاكتشاف المذهل، تظل هوية صاحب المقبرة مجهولة حتى الآن.
اكتشف علماء الآثار في يناير الماضي حجرة الدفن التي تضم عدة غرف ومدخل مزخرف، ولكن النص الهيروغليفي الذي كان يزين المدخل تعرض للتلف بسبب نهب القبور، مما حال دون تحديد اسم شاغل المقبرة. هذا ما ذكرته جامعة بنسلفانيا في تصريح صحفي نشر في 27 مارس الماضي. ورغم عدم العثور على بقايا عظمية يمكن أن تساعد في الكشف عن هوية صاحب المقبرة، يعتقد الباحثون أنها قد تكون مقبرة أحد حكام جنوب مصر في الفترة المتوسطة الثانية، التي امتدت من عام 1640 إلى 1540 قبل الميلاد.ويُعتقد أيضًا أن المقبرة قد تعود إلى سلالة أبيدوس الحاكمة في تلك الحقبة، وهي سلالة غامضة لم تُذكر كثيرًا في السجلات التاريخية.
تحتوي المقبرة علي ثلاث غرف بجانب غرفة الدفن الرئيسية والتي تقدر ابعادها بمقدار حوالي 2 متر طولا و 6 امتار عرضا.
ويقول جوزيف فاجنر عالم ومدرس المصريات في جامعة بنسلفانيا والذي قاد بعثة التنقيب عن المقبرة:" سلالة ابيدوس هي اسرة غامضة ويبدوا أنها قد تم نسيانها من السجلات التاريخية للمصريين القدماء، ويبدوا أن هذا تم بسبب كونها فترة عدم استقرار سياسي، وتلك المقبرة الغامضة سوف تفتح مجال جديد للبحث في تاريخ تلك الفترة"
حجرة الدفن في تلك المقبرة هي أكبر حجرة دفن تم اكتشافها لأحد حكام تلك الفترة من تاريخ مصر القديمة، وهو ما يلقي الضوء علي تلك الفترة الغير مفهومة من التاريخ والتي يمكن كشفها من خلال دراسة الأثار التي تركت من تلك الفترة.
عثر علماء الأثار علي المقبرة علي عمق حوالي سبعة أمتار تحت الأرض في موقع الجبانة الملكية القديمة أو مدينة الموتي الواقعة بجبل أنوبيس في مدينة أبيدوس، جبل انوبيس هو تكوين جيولوجي طبيعي هرمي الشكل جري تقديسه من جانب المصريين القدامى وجري استغلال هذا الجبل من أجل تمويه مدخل المقبرة تحت الجبل.
وفي السجلات التاريخية القديمة كان يتم الاشارة لمدينة ابيدوس باسم المدينة المقدسة وعلي أنها المقر الأخير الذي دفن فيها أوزوريس إله العالم السفلي وهي المكان الذي فضل الفراعنة الأوائل أن يتم دفنهم فيها، الجبانة الملكية تم تطويرها عبر قرون من الزمن حيث استخدمتها اسرات لاحقة أيضا في دفن فراعنتهم وملوكهم.
وعبر عقد من الزمن زار جوزيف فاجنر وفريقة المقابر الأولي التي تم اكتشافها في الجبانة الملكية والتي أكدت وجود سلالة أبيدوس الحاكمة والتي تم افتراض وجودها للمرة الأولي في عام 1997 من قبل عالم المصريات كيم ريهولت، وقد اعتقد ريهولت أن تلك السلالة الصغيرة قد حكمت تلك المنطقة خلال الفترة التي انقسمت فيه المملكة المصرية لممالك صغيرة متصارعة.
المقبرة الأولي التي تم أكتشافها لأحد ملوك تلك الفترة كانت للملك سنيب-كاي، وهو كان فرعون مجهول بالكامل ولم يتم ذكره في أي سجلات تاريخية قديمة، ومن ضمن الثمان مقابر الملكية والتي تم اكتشافها وتنتمي لتلك الفترة فمقبرة سنيب-كاي هي الوحيدة التي احتوت علي أسمه محفوظا في غرفة الدفن.
المقبرة الجديدة التي تم اكتشافها تشبه مقبرة سنيب-كاي في الطراز المعماري والزخارف ولكنها اكبر بكثير من حيث المساحة، فحجرة الدفن الرئيسية بعرض مترين وطول 6 امتار، ويعتقد علماء الأثار أن المقبرة المكتشفة أقدم من مقبرة سنيب-كاي بسبب أنها قد بنائها في منطقة أثر قدما في الجبانة الملكية، ويعتقدوا أن الملك الغني المجهول هو في الغالب أحد أجداد سنيب-كاي.
ويظن علماء الأثار أن تلك المقبرة قد تكون هي المثوي الأخير للملك سنايب أو الملك بانتجيني، وهما ملكين قد ذكرهم في نصب تذكاري مخصص في ابيدوس من تلك الفترة التي توجد معلومات قليلة عنها في السجلات التاريخية.
ويقول جوزيف فاجنر:" من الممكن ان تكون تلك المقبرة لملك أخر مجهول بالكامل، فنحن لا نظن اننا لدينا أسماء كل ملوك تلك السلالة، فلم تنجو دلائل عن هؤلاء الملوك بشكل كافي"
وفي حين أنه لم تنجوا أي من النقوش في تلك المقبرة والتي من الممكن أن تقدم معلومات كافية لتحديد ساكن تلك المقبرة، إلا انها تحوي صورتين ملونتين توضح الألهتين أيزيس ونفتيس والتي كانتا في الغالب يتم تصويرهم في الطقوس الجنائزية وكأنهما تبكيان المتوفي.
وينوي الباحثين استكشاف مساحة إضافية بمساحة عشرة ألاف متر مربع حول الصحراء بالقرب من المقبرة ضمن جهودهم لاستكشاف مقابر إضافية من تلك الفترة التاريخية حيث يقول جوزيف فاجنر:" قد يكون لدينا من لا يقل عن 15 فرعون من تلك الفترة".
وبجانب القيام بالمزيد من اعمال الحفريات فيخطط الباحثين باستكشاف المنطقة باستخدام الرادار المخترق لطبقات الأرض، وهي التكنولوجيا التي تقوم بإرسال موجات الرادار في طبقات الأرض لمعرفة شكل أي بناية موجودة تحت الأرض، وبجانب استخدام جهاز قياس المغناطيسية وهو يقوم بانشاء خرائط تحت الأرض للمواد التي لها خصائص مغناطيسية.
وتقول الدكتورة سليمة إكرام أستاذة علم المصريات المتميزة في الجامعة الأمريكية في القاهرة في رسالة بالبريد الألكتروني:"ان هذا الأكتشاف يؤكد وجود مقبرة ملكية مهمة هنا، ويوفر مزيد من التفاصيل حول عمارة وهندسة المقابر الملكية من تلك الفترة ويعطينا دلائل عن أعضاء تلك السلالة من الملوك وترتيب الفترات التي حكموا فيها".
لم تشارك الدكتورة سليمة أكرام في عملية اكتشاف تلك المقبرة ولكنها قالت أنها تأمل في الأستكشافات المستقبلية سوف تكتشف المزيد من المقابر التي سوف تساعد في تعزيز فهمنا لتلك الفترة الغامضة من تاريخ مصر القديمة.
ملوك سلالة أبيدوس مثل الملك سنيب كاي فريدين من نوعهم لانهم لم يتم ذكرهم في قوائم الملوك التي قام قدماء المصريين بتسجيلها.
وتقول موريل بيستوك عالمة المصريات والمدرس المساعد بكلية الأثار بجامعة براون في رود ايلاند:" أحب ملوك مصر تقديم أرثهم بشكل مباشر ومتتالي وقام المصريين بتسجيل أسماء ملوكهم بالترتيب، ولكن ملوك تلك الفترة لم يتم تسجيلهم، فإذا ما نظرنا في هذا السجل التاريخي الحازم والدقيق لم نعثر علي هؤلاء الملوك"
لم تشارك الدكتورة موريل بيستوك في ذلك الأكتشاف الجديد، وأضافت:" عندما نجد تلك الاثار القديمة فهذا يبين لنا مدي عدم كفاية هذا السجل الحازم المتتابع للملوك، فيبدوا ان هذا السجل قد تم تسجيله من ليس ليكون دقيق للغاية ولكن من اجل دعم وجهة نظر أحد الملوك اللاحقين الذين قاموا بتوحيد المملكة مرة أخري، فقد كتبوا عن أنفسهم علي أنهم ملوك منتصرين عظيمي القدر وأنهم وقد انتصروا في حروب عادلة وقاموا بتجاهل كل اللاعبين الصغار قبلهم"
وأشارت الدكتورة موريل بيستوك إلى أن الاكتشافات مثل مقبرة أبيدوس الأخيرة "مثيرة بشكل كبير" لأنها توفر سياقًا لتاريخ أكثر ثراءً، بغض النظر عما إذا تم الكشف عن هوية هذا الملك أم لا.
وحتي الان فشخصية الملك الذي تنتمي إليه المقبرة الكبيرة لا تزال مجهولة ويحيطها الغموض ولكن هدف جوزيف فاجنر هو أن يستطيع في يوم ما أن يقوم بتحديد هذا الملك ليأخذ مكانه في الخط الزمني للتاريخ ويقول:" مع علم الأثار نأمل دوما في العثور علي دلائل، فالسجل الأثري قد يقدم لنا مفاجأتك وتعقيدات علي طول الطريق وذلك فنحن لا نعرف علي ماذا سنعثر في المستقبل"
للمزيد تابع
خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار الرياضية فى هذا المقال : علماء الأثار يكتشفون مقبرة فرعونية لملك غامض, اليوم الأحد 6 أبريل 2025 08:01 مساءً
0 تعليق