في تصعيد جديد للحرب التجارية، دخلت الرسوم الجمركية "المضادة" التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيز التنفيذ اليوم الأربعاء، مستهدفة عشرات الدول، في مقدمتها الصين والاتحاد الأوروبي، ما أشعل توترًا واسعًا في الأسواق العالمية ودفع بعض العواصم لاتخاذ مواقف تصعيدية.

رسوم قياسية.. وقلق عالمي

تضمنت الرسوم الجديدة زيادة جمركية هائلة بنسبة 104% على الواردات الصينية، و20% على السلع القادمة من أوروبا، ما تسبب في موجة اضطراب غير مسبوقة في الأسواق المالية، وسط مخاوف من دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود.

ويحذر خبراء من أن هذه الرسوم تهدد بهدم أسس النظام التجاري العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن تسببت بالفعل في خسائر فادحة طالت القيمة السوقية لكبرى الشركات العالمية، بالإضافة إلى ضغوط متزايدة على سلاسل الإمداد والطلب العالمي.

باريس تلوّح بسلاح الاستثمارات

فرنسا كانت من أولى الدول التي أعلنت ردها السياسي والاقتصادي الصارم، حيث دعا وزير الصناعة الفرنسي مارك فيراتشي، في تصريحات لإذاعة "فرانس إنفو"، الشركات الفرنسية لتعليق استثماراتها في الولايات المتحدة، قائلاً: "نحن في مرحلة حرجة. ما كان مؤكداً بالأمس أصبح اليوم محل شك كبير".

وفي السياق ذاته، أكد وزير المالية الألماني يورج كوكيس أن اقتصاد بلاده بات معرضًا لخطر الركود مجددًا بسبب تصاعد التوترات التجارية. فيما تشير تقديرات بنك "جي بي مورغان" إلى أن فرص دخول الاقتصاد العالمي في ركود بحلول نهاية العام قد تصل إلى 60%.

الصين ترد بحزم.. وتتوعد

من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية الصينية أن بكين ستتخذ إجراءات "صارمة وقوية" لحماية مصالحها الوطنية، وذلك عقب دخول الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على السلع الصينية حيز التنفيذ.

وكان ترامب قد ضاعف الرسوم المفروضة على الواردات الصينية خلال أسبوع واحد، لتصل إلى 104%، في رد مباشر على إجراءات مضادة اتخذتها بكين. ووصفت الصين هذه الخطوة بأنها "ابتزاز اقتصادي مرفوض"، مؤكدة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي.

في السياق ذاته، تحركت شركات الوساطة الكبرى في الصين بالتعاون مع مؤسسات حكومية لضمان استقرار أسواق الأسهم المحلية، بعد تراجع كبير أثار مخاوف من انهيار مالي محتمل.

تحركات عالمية لتخفيف الصدمة

وفي ردود اقتصادية متسارعة، أعلن بنك الاحتياطي النيوزيلندي والبنك المركزي الهندي عن خفض لأسعار الفائدة، في خطوة تهدف إلى مواجهة تداعيات الرسوم الجمركية على اقتصاداتهم. كما كشفت كوريا الجنوبية عن حزمة دعم عاجلة لصناعة السيارات، تشمل تخفيضات ضريبية ومساعدات حكومية مباشرة.

ويرى مراقبون أن المستهلك الأمريكي نفسه سيكون أكبر المتضررين على المدى الطويل، في ظل ارتفاع متوقع لأسعار السلع المستوردة وانخفاض القدرة الشرائية.

دبلوماسية تجارية ناشطة

على الصعيد الدبلوماسي، تتحرك إدارة ترامب لعقد مباحثات مع كل من كوريا الجنوبية واليابان، الشريكين الرئيسيين في التجارة الإقليمية، بينما تستعد رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني لزيارة واشنطن الأسبوع المقبل في محاولة لتخفيف التوتر.

كما يُتوقع أن يعقد نائب رئيس الوزراء الفيتنامي لقاء مع وزير الخزانة الأمريكي لاحقًا اليوم، وسط أنباء عن أن فيتنام باتت من أكثر الدول استهدافًا بالرسوم الجمركية الجديدة.

خسائر قياسية في الأسواق

منذ إعلان ترامب عن الرسوم الجديدة الأسبوع الماضي، تكبد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 خسارة غير مسبوقة منذ تأسيسه في خمسينيات القرن الماضي، ويقترب الآن من الدخول رسميًا في منطقة السوق الهابطة، بتراجع يتجاوز 20% عن أعلى مستوياته الأخيرة.

كما شهدت السندات العالمية عمليات بيع مكثفة، في وقت يبحث فيه المستثمرون عن ملاذات آمنة وسط فوضى الأسواق.

ورغم محاولات التهدئة، قدم ترامب إشارات متضاربة بشأن مستقبل هذه الرسوم، واصفًا إياها بأنها "دائمة"، لكنه ألمح في الوقت نفسه إلى إمكانية تخفيفها في حال أبدت الدول الأخرى "مرونة على طاولة التفاوض".

العالم على مفترق طرق

يبدو أن القرارات الجمركية الأخيرة أعادت العالم إلى مرحلة جديدة من الصراعات التجارية المفتوحة، حيث تتقاطع الاعتبارات السياسية بالاقتصادية، ويبرز سؤال مركزي: هل تتحول هذه المواجهة إلى أزمة عالمية شاملة أم يمكن احتواؤها عبر التفاوض؟ الأيام المقبلة قد تحمل الإجابة.

للمزيد تابع

خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك