انطلقت مع فجراليوم أقدس مناسك الحج، حيث توافدت قوافل ضيوف الرحمن من منى إلى صعيد عرفات الطاهر، في مشهد مهيب يمتزج فيه الدعاء بالخشوع والرجاء، لبدء شعيرة الوقوف بعرفة - الركن الأعظم للحج. 

جاءت الحركة الانتقالية لجموع الحجيج (تجاوزت 1.5 مليون حاج حتى ظهر يوم التروية) بانسيابية تامة، مدعومة بخطة أمنية وتنظيمية محكمة للتوجيه والتفويج وتأمين السلامة.

في حديثٍ موسعٍ لـ"الشرق الأوسط"، كشف د. توفيق الربيعة وزير الحج السعودي عن تفاصيل الاستعدادات غير المسبوقة لموسم حج هذا العام:

جاهزية مبكرة وتخطيط استباقي

قال الربيعة: شرعت الوزارة منذ وقتٍ مبكرٍ في الإعداد لموسم هذا العام، حيث سلَّمت وثيقة الترتيبات الأولية إلى مكاتب شؤون الحجاج وممثلي الدول، وعقدت 78 اجتماعاً تحضيرياً موسعاً ساهمت في رفع مستوى الجاهزية والتنسيق مع مختلف الجهات المعنية، ما يعكس مستوى عالياً من التكامل المؤسسي والدقة التشغيلية في تنسيق المهام والمبادرات، سواء في البنية التحتية أو الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، لتمكينهم من أداء مناسكهم بيسر وطمأنينة".

الشفافية التشغيلية وتوزيع الحصص

وأكد وزير الحج على توثيق جميع التعاقدات مع مزودي الخدمات من خلال منصة «نسك مسار» الإلكترونية، بالتكامل مع وزارة الخارجية لإصدار التأشيرات، بما يضمن بيئة تشغيلية عادلة وشفافة، موضحا الحرص على تحقيق العدالة في توزيع حصص الحجاج بين الدول، استناداً إلى معايير موضوعية تشمل النسب السكانية، والطاقة الاستيعابية للمشاعر المقدسة والحرم المكي، مع مراعاة ضمان أمن وسلامة ضيوف الرحمن. ولم نسجل أي تغييرات جوهرية في نسب الحصص مقارنة بالعام الماضي".

لا حج بلا تصريح.. الأمن الرقمي ومكافحة المخالفات

وقال الوزير: نتعاون مع وزارة الداخلية في تنفيذ حملة «لا حج بلا تصريح» التي تستهدف الحفاظ على أمن وسلامة الحجاج النظاميين. وقد عززنا أدوات الضبط الرقمي عبر تطوير بطاقة «نسك» التي تحتوي على معلومات شخصية وصحية وسكنية لكل حاج، وتُستخدم كوثيقة رسمية للتنقل بين الحرم والمشاعر المقدسة. كما وسعنا توثيق التعاقدات مع الشركات عبر منصة «نسك مسار» لتعزيز الرقابة على التصاريح".

المعالجة الاستباقية للتحديات

وتحدث الوزير عن أبرز التحديات ومعالجتها مبكراً  لضمان جاهزية البنية التحتية، وتحديث الخدمات، وتنسيق الأدوار بين الجهات.

 وقال: نفذنا أكثر من 62 ألف جولة تفتيشية على مساكن الحجاج، رُصد خلالها نحو 6300 ملاحظة، تم التعامل معها فوراً، ما يعكس يقظتنا الاستباقية لضمان الجودة".

الاستدامة البيئية..  ركيزة أساسية

وأشار الوزير إلى  تنفيذ مبادراتٍ نوعيةٍ منها: تظليل أكثر من 170 ألف متر مربع في المشاعر المقدسة، وزراعة 20 ألف شجرة، وإنشاء مسارات مطاطية للمشاة. وتواكب هذه الجهود مبادرات مستمرة لإدارة النفايات بطرق حديثة، والحد من البلاستيك، والاعتماد على طاقة نظيفة لترسيخ مفهوم (حج مستدام) انسجاماً مع رؤية 2030".

وتشهد خدمات الموسم تطوراً نوعياً في استخدام التقنيات، حيث وسعنا استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الحشود وتحليل البيانات. وطورنا تطبيق «نسك» ليصبح رفيقاً رقمياً للحاج عبر أكثر من 100 خدمة، مع 30 خدمة جديدة. ونعمل على توظيف تقنيات مثل الواقع الافتراضي في التوعية".

مؤشرات الرضا ونقل الخبرة

"وأك وزير الحج السعودي على ارتفاع نسبة رضا الحجاج من 74% عام 1443هـ إلى 97% هذا العام، مدفوعة بجودة الخدمات وسرعة الاستجابة عبر قنوات مثل مراكز «نسك عناية» والمركز الموحد 1966 الذي يعمل بـ11 لغة. وفيما يخص نقل الخبرة، فقد وقعنا أكثر من 670 اتفاقية خلال «مؤتمر ومعرض الحج» بمشاركة 100 دولة، مما يعكس دور المملكة الريادي واستعدادها لتقاسم تجاربها مع العالم الإسلامي".

وتحدث وزير الحج عن إنجازات البنية التحتية مثل التظليل البيئي بتركيب هياكل تظليل ذكية تغطي مساحات تعادل 25 ملعباً لكرة القدم، والطرق الذكية: 40 كم من المسارات المطاطية المبرّدة والمظللة في منى وعرفات، والمراقبة الرقمية: 7 آلاف كاميرا ذكية تعمل بتقنية تحليل المشاهد للتدخل السريع، والطاقة النظيفة بتركيب 15 ألف لوح شمسي في مرافق المشاعر.