مؤرخ أميركي يحذر من تكرار كوارث القرن الـ 19 الاقتصادية بسبب الرسوم الجمركية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مؤرخ أميركي يحذر من تكرار كوارث القرن الـ 19 الاقتصادية بسبب الرسوم الجمركية, اليوم الاثنين 14 أبريل 2025 06:45 صباحاً

مع فرض الولايات المتحدة تعرفة جمركية بنسبة 145% على الصين، وفرض بكين ضريبة انتقامية بنسبة 125%، أصبحت أكبر علاقة تجارية ثنائية في العالم مجمدة فعلياً.

ولم نشهد بعد العواقب والآثار المترتبة، بدءاً من صدمة التضخم الأميركية الوشيكة، ووصولاً إلى احتمال تراجع الصين عن شرائها سندات الخزانة الأميركية.

ويبدو أن حدوث أزمة عالمية لايزال قائماً، ومع كل يوم يمر ويعجز فيه رجال الأعمال والمستثمرون في الولايات المتحدة وغيرها عن التخطيط لمشترياتهم واستثماراتهم، تتحرك عجلات الاقتصاد العالمي ببطء متزايد في الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وتدهورت الأمور بسرعة بعد إعلان ترامب فرض رسوم جمركية جديدة باهظة على جميع الواردات الأميركية تقريباً، في الثاني من أبريل الجاري، وخسرت الأسواق المالية تريليونات الدولارات في غضون أيام.

ومع بدء المستثمرين في سحب أموالهم من الدولار الأميركي والسندات الأميركية، بدأت مؤشرات العدوى المالية تلوح في الأفق، كما أنه مع عدم إبداء ترامب ولا الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أي ميل للتراجع، فإن خطر تحوّل المواجهة بينهما إلى حرب اقتصادية عالمية لايزال مرتفعاً بشكل كبير.

تاريخ أميركا الاقتصادي

ويكشف لنا التاريخ الاقتصادي الأميركي الكثير عن كيفية اندلاع الحروب التجارية وتطورها، لتتمخض عن أسوأ كوارث اقتصادية شهدها العالم، فمنذ بداية القرن الـ19 عانت الولايات المتحدة ست فترات ركود اقتصادي، وفي جميع هذه الفترات (باستثناء واحدة) كانت فترات الركود هذه ناجمة بشكل مباشر عن الرسوم الجمركية والحظر التجاري.

وباعتباري مؤرخاً يدرس التجارة الدولية والسلع العالمية والقلق المالي، أستطيع أن أؤكد لكم أن سياسات ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية ستكون مدمرة ما لم يتمكن أحد من الوقوف في وجهه وإجباره على وقفها.

ولطالما كانت الولايات المتحدة، بصفتها مستعمرة بريطانية سابقة، عُرضةً بشكل خاص لحروب التعرفات الجمركية.

ولقرون، صاغت بريطانيا تجارة مستعمراتها بما يتوافق مع أهداف الوطن الأم، وكان من المتوقع أن تُوفّر مستعمرات نيويورك وميريلاند وكارولينا الجنوبية الدقيق والأرز لمزارع التبغ وقصب السكر التي كانت تُدار بوساطة العبيد في فرجينيا ومنطقة البحر الكاريبي.

ومنعت بريطانيا المستعمرات من تصنيع منسوجاتها وحديدها وورقها، وأدت القيود المتزايدة التي فرضتها بريطانيا على التجارة الدولية للمستعمرات في النهاية إلى الثورة الأميركية.

ومنذ بدايتها، سعت مواد الاتحاد الأميركي، ثم الدستور، إلى الحد من الإجراءات التنفيذية التي من شأنها إحداث تغييرات جذرية أو سريعة في التجارة الدولية، وكانت مشاريع قوانين الإيرادات تُعرض على مجلس النواب، ويُطلب من مجلس الشيوخ الموافقة عليها، بينما ظلت السلطة التنفيذية مقيدة بسلطة النقض.

أول كساد

بدأ أول كساد اقتصادي في أميركا عام 1816 عندما أصبح لدى بريطانيا - بعد انتصارها في الحرب على الزعيم الفرنسي نابليون بونابرت - كميات هائلة من الأقمشة الصوفية التي تم التعاقد عليها في الأصل لكسوة الجنود والبحارة الأوروبيين.

وكانت هذه أول عملية بيع لفائض الجيش والبحرية البريطانية، ورفض التجار الأميركيون ومصنعو الصوف الوصول المفاجئ للأقمشة الصوفية الرخيصة، وحثوا الكونغرس على إقرار قوانين الملاحة في مارس 1817، والتي منعت السفن البريطانية وبضائعها الرخيصة من دخول البلاد، وردت بريطانيا في مايو بأوامر صادرة عن المجلس منعت فعلياً السفن الأميركية من توصيل الحبوب إلى مستعمراتها في منطقة البحر الكاريبي.

وخسر المزارعون الأميركيون أسواق منطقة البحر الكاريبي التي هيمنوا عليها لأكثر من قرن، وبحلول ديسمبر 1818، انخفضت أسعار القمح الأميركي بنسبة 50%، ولم يعد المزارعون قادرين على سداد الرهون العقارية المستحقة على أراضيهم لمكتب الأراضي الأميركي، ولم تُسدد ديون المزارعين للمتاجر الريفية، وكذلك ديون المتاجر الريفية لتجار التجهيز في المدن الأميركية.

بداية الأزمة

وبدأت الأزمة عام 1819، واستمرت القيود التجارية على الأسواق، ومع مرور الوقت أنقذت نيويورك نفسها بتهريب القمح عبر البحيرات العظمى إلى كندا، حيث حوّلته مطاحن تورنتو ومونتريال إلى دقيق بريطاني يمكن بيعه في منطقة البحر الكاريبي.

ولم تزدهر ولايات فرجينيا وجورجيا وكارولينا الجنوبية إلا بالتحوّل من إنتاج القمح والأرز إلى إنتاج القطن القائم على جهود العبيد.

وفي غضون عقد من الزمان، أدت الحرب التجارية الأنجلو أميركية إلى ارتفاع كُلفة إطعام مزارع منطقة البحر الكاريبي إلى درجة أن مالكي العبيد هناك ضغطوا على الدولة الأم لإلغاء العبودية، لكن ليس قبل تعويضهم عن كُلفة عبيدهم، وأدت القيود التجارية الدولية التي تم فرضها للمرة الأولى في عام 1817 إلى خنق صادرات الحبوب الأميركية، الأمر الذي أدى إلى التحوّل لإنتاج القطن.

وأدى الإجراء التنفيذي المتسرع للرئيس أندرو جاكسون، في التجارة الدولية إلى بدء الكساد الأميركي التالي، ومنذ كساد عام 1819، موّلت سلاسل ائتمانية طويلة ومعقدة توسيع مزارع القطن في جنوب الولايات المتحدة، واقترض البنك الثاني للولايات المتحدة، إلى جانب سبعة بنوك بريطانية تُعرف باسم «الأخوات السبع»، من مستثمرين بريطانيين وأصدروا «كمبيالات» وفرت ائتماناً لبنوك أميركية إقليمية أصغر، والتي قدمت بدورها قروضاً قصيرة الأجل لتجار الرقيق في الجنوب الأعلى، الذين اشتروا عبيداً في فرجينيا وكارولينا الجنوبية وباعوهم لمزارع القطن في جورجيا وميسيسيبي ولويزيانا، ولأن أسعار الفائدة كانت تُحدد من قِبل بنك إنجلترا، فإن أي زيادة طفيفة في سعر الفائدة في لندن قد تجعل من المستحيل على مالكي العبيد شراء الأراضي أو العبيد في نيو أورلينز.

أوامر تنفيذية

واقتنع جاكسون بأن البنك الثاني و«الأخوات السبع» تتآمر ضده، وأصدر سلسلة من الأوامر التنفيذية في عامَي 1834 و1836 تهدف إلى كسر اعتماد مالكي العبيد على الائتمان البريطاني، وصدر أمرٌ بسحب الودائع من البنك الثاني للولايات المتحدة، ونقلها إلى سلسلة من البنوك المفضلة المرتبطة بحلفاء جاكسون السياسيين.

ومنع أمر آخر المزارعين من الاقتراض من البنوك لسداد قروضهم العقارية لدائرة الأراضي الأميركية، ما أجبرهم على استخدام الذهب، العملة السائدة آنذاك، وقد أفاد هذا مالكي العبيد الجنوبيين الذين كانت لديهم مناجم ذهب في شمال جورجيا وغرب كارولينا الشمالية (كان ذلك قبل اكتشاف الذهب في كاليفورنيا)، لكن الطلب المفاجئ على الذهب تجاوز العرض بكثير.

ونظراً لاختفاء ذهبه في الولايات المتحدة، رفع بنك إنجلترا سعر الفائدة البنكي، وقطع لفترة وجيزة التبادل التجاري الدولي مع «الأخوات السبع». وهكذا بدأ الكساد الاقتصادي عام 1837، وهرب المزارعون الجنوبيون وهجروا مزارعهم، ونقلوا عبيدهم إلى جمهورية تكساس المستقلة، حيث كانوا في مأمن من الدائنين، وأغلقت المتاجر، وتوقفت المصانع. وفي غضون خمس سنوات، فشلت سبع ولايات في سداد السندات التي أصدرتها دولياً.

كساد جديد

بدأ كساد آخر جديد في 1873، عقب تحولات جذرية في أسعار السلع الدولية، لكن لم يكن هناك أي دخل لذلك في التعرفات الجمركية.

وفي عام 1890 راجع مجلس النواب قواعده للتشريع، ما جعل الكونغرس فعالاً وقوياً، وأقرّ قانون تعرفة ماكينلي لعام 1890، الذي رفع التعرفات الجمركية على الواردات المصنعة من 38 إلى 50% مع إلغاء التعرفة الجمركية على السكر شبه المكرر.

ومع ذلك، كان للتعرفات الجمركية الباهظة تأثير في خفض إيرادات الولايات المتحدة بشكل كبير، وفي غضون عامين كاد الكساد يستنزف ذهب وزارة الخزانة الأميركية، ما دفع المقرضين الأجانب إلى بيع السندات الأميركية، لاسيما تلك التي أصدرتها شركات السكك الحديدية، وخشي المدينون من أن واشنطن ستتخلى عن معيار الذهب بعد تدني مخزون الذهب في خزانة الدولة، وأن تُسدد سنداتها بعملة أميركية منخفضة القيمة.

قانون «سموت - هاولي»

وأخيراً، أسهم قانون «سموت - هاولي» للتعرفات الجمركية بشكل كبير في الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي، مع أن بعض المؤرخين الاقتصاديين شددوا على أن المعروض النقدي الأميركي، ودورة الازدهار والكساد في الأوراق المالية الأميركية، وديون الحرب غير المسددة في أوروبا، هي الأسباب الأكثر إلحاحاً.

وبصفتي مؤرخاً متخصصاً في القرن الـ19، أقول إن التغيرات السريعة في التعرفات الجمركية تُغير طريقة عمل العالم، وإنها تُحدث تغييراً جذرياً في التجارة الدولية بطرق تستغرق سنوات عديدة، وعادةً ما تسفر عن سلسلة واسعة من العواقب غير المتوقعة.

والسؤال هو: ما دروس القرنين الماضيين التي قد تساعدنا على فهم ما سيحدث؟ في بيئتنا الحالية، ستجبر رسوم ترامب الجمركية شركات كثيرة على الانسحاب من المعاملات المُبرمة، تماماً كما فعل المزارعون، ومتاجر الريف، والتجار، ومالكو العبيد في القرن الـ19.

وعلى سبيل المثال، أعلنت شركة «هاوميت» المُورّدة للطائرات ومقرها بيتسبرغ، عن حالة قوة قاهرة، تهدد بإيقاف الشحنات بسبب آثار الرسوم الجمركية، ومن المُرجّح أن تتخلى شركات أخرى عديدة في قطاعاتٍ مُختلفة، خصوصاً تلك التي تُتاجر مع الصين، عن عقودها الآن بعد الرسوم الجمركية.

ويتم تمويل العديد من المعاملات التي تنسحب منها هذه الشركات بالائتمان، والذي تحتفظ به في الغالب البنوك، وصناديق التحوّط، وشركات التأمين، وغيرها من الوسطاء الماليين.

ويُحوّل بعض هذا الائتمان إلى أوراق مالية ويباع لعددٍ لا يُحصى من المستثمرين الآخرين، وفي حين أن أسواق الأسهم تتمتع بمرونة فائقة في استيعاب الخسائر، فإن أسواق الائتمان الأكبر حجماً والأكثر تعقيداً بكثير، ليست كذلك. سكوت رينولدز نيلسون*   *أستاذ التاريخ في جامعة جورجيا   عن «فورين بوليسي»

. التاريخ الاقتصادي الأميركي كشف الكثير عن كيفية اندلاع الحروب التجارية وتطورها، لينتج عنها أسوأ كوارث اقتصادية شهدها العالم.

. منذ بداية القرن الـ19 عانت الولايات المتحدة 6 فترات ركود، كان معظمها ناجماً بشكل مباشر عن الرسوم الجمركية والحظر التجاري.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق