هل تطوّق مدونة الأخلاقيات "سلايتية البرلمان" في السنة التشريعية المقبلة؟

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

على بُعد حوالي أسبوعين من افتتاح الملك محمد السادس للدورة الربيعية من السنة التشريعية الرابعة، توقّع محللون سياسيون أن يستمرّ شبح عزوف نسبة مهمّة من نائبات ونواب الأمة عن حضور الجلسات التشريعية في التخييم على مجلس النواب، مُعتبرين أن مدونة الأخلاقيات البرلمانية التي جرى إقرارها أواخر السنة الماضية “لن تكبح” هذه الظاهرة؛ بالنظر إلى خُلوها من إجراءات “زجرية” قويّة واقتصارها على “عُقوبة شكلية هي الاقتطاع من التعويضات الشهرية للنائب المعني”.

مناسبة هذا التحليل تنبيه جمعية “سمسم”، المواكبة للشأن البرلماني، في تقرير حديث تتوفّر هسبريس على نُسخة منه، إلى تغُيب ما يصل إلى 63 من نواب ونائبات الأمة عن الجلسات التشريعية خلال السنة الماضية، مُقدّرة المعدل العام لنسبة حُضور هؤلاء إلى هذه الجلسات بـ37.28 في المائة.

وفقا للمصدر ذاته، فإن أعلى نسبة حضور بلغت 59.24 في المائة، وجرى تسجيلها بمناسبة المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2024 في إطار القراءة الأولى؛ بينما أقل نسبة حضور، أي 25.32 في المائة فقط، سُجلت خلال الجلسة المنعقدة بتاريخ 24 يونيو 2024.

وظلّ نقاش غياب النواب عن قبة البرلمان يطفو إلى ساحة النقاش العمومي في عدد من المحطات التشريعية المهمّة خلال السنة الماضية؛ أبرزها الجلسة العمومية المنعقدة يوم 23 يوليوز التي جرت خلالها المصادقة على مشروع قانون المسطرة المدنية بحضور 139 نائبا برلمانيا فقط من أصل 395، فقط ليتوعد خلالها راشيد الطالبي العالمي، رئيس مجلس النواب، بنشر أسماء النواب المتغيبين ضمن الجريدة الرسمية للمجلس.

وعلى بعد أيام قليلة من الدخول البرلماني الجديد، تُثار التساؤلات حول مدى قُدرة مدونة الأخلاقيات البرلمانية التي جرى إقرارها من خلال 13 تعديلا على النظام الداخلي لمجلس النواب، في يوليوز الماضي، على مُحاصرة هذه “الظاهرة التي تضع بصيغة أو بأخرى شرعية نصوص قانونية مهمّة يتمّ سنها على المحك”.

وتُلزم المادة 395 من النظام الداخلي لمجلس النواب، بمثابة المادة الأولى ضمن باب الإجراءات التأديبية والاحترازية في المدونة، أعضاء المجلس بحضور اجتماعات اللجان والجلسات العامة، و”إذا ثبت تغيب عضو عن جلسة عامة بدون عذر مقبول يوجه الرئيس تنبيها كتابيا إليه. وإذا ثبت تغيبه مرة ثانية بدون عذر عن جلسة عامة في نفس الدورة، يوجه إليه الرئيس تنبيها كتابيا ثانيا ويأمر بتلاوة اسمه في افتتاح الجلسة العامة الموالية. وفي حالة ثبوت تغيبه بدون عذر للمرة الثالثة أو أكثر في نفس الدورة، يقتطع من التعويضات الشهرية الممنوحة له مبلغ مالي بحسب عدد الأيام التي وقع خلالها التغيب بدون عذر مقبول تنشر هذه الإجراءات في الجريدة الرسمية للبرلمان والنشرة الداخلية للمجلس وموقعه الإلكتروني”.

“تأثير مُستبعد”

مُجيبا عن التساؤل سالف الذكر، قال محمد شقير، محلل سياسي، إنه “من المستبعد في الغالب أن يؤدي إقرار مدونة الأخلاقيات البرلمانية إلى التقليل من حدة هذه الظاهرة؛ بالنظر إلى أن الأخيرة تتداخل فيها عوامل عديدة. أولها أن غالبية النواب المتغيبين يفتقرون إلى تنشئة سياسية تمُكنهم من إدراك حجم مسؤولية النيابة عن الأمة واحترام الزمن التشريعي. وثاني العوامل هو أن العديد من هؤلاء النواب يفتقرون إلى ثقافة قانونية تمكنهم من فهم النقاش بشأن النصوص التشريعية ومواكبتها والاستفسار بخصوصها؛ وبالتالي فإنهم يرون أن حضورهم إلى اجتماعات اللجان أو الجلسات العامة لن يكون إلا مدعاة للسأم؛ في حين يتجلى العامل الثالث في جمع العديد من النواب بين مناصب مسؤولية عديدة أو لديهم مشاغل أخرى مرُتبطة بتسيير مقاولاتهم”.

وأوضح شقير، في تصريح لهسبريس، أن “الإجراء الذي كان يتضمنه النظام الداخلي للمجلس سابقا وجرى إدراجه ضمن المدونة التي تعد من مشمولات هذا النظام، المتمثل في الاقتطاع من التعويضات الشهرية للنواب، غير مجد بالنظر إلى أن نسبة مهمة من النواب المتغيبين هم مقاولون كبار أو ذوو مناصب رفيعة، أي لديهم مدخول يفوق هذه التعويضات، فضلا عن أن القيام بمسألة الاقتطاع لن تمّ بشكل مباشر وسلس بل سيكون مثار تجاذبات وخلافات سياسية”.

وأكد المحلل السياسي عينه أن “َعزوف النواب عن الحضور تتحمّل جزءا من مسؤوليته الأحزاب السياسية التي تمنحهم التزكية. ولذلك، فإن من بين ما يجب أن تشمله مدونة الأخلاقيات ليس الاقتطاع من التعويضات بالنواب المعنيين فحسب؛ بل أيضا إنزال العقوبات بالأحزاب التي تضمّ العديد من المتغيبين، ومن بين الآليات التي يمكن استخدامها في هذا السياق التخفيض من قيمة الدعم العمومي”، معتبرا أن “الأحزاب السياسية ينبغي ألا تخضع للمحاسبة والمساءلة على النُخب التي تمنحها التزكية فحسب؛ بل أيضا على أداء هذه النُخب داخل كافة المؤسسات المنتخبة، وعلى رأسها مجلس النواب”.

“تواطؤ مع المتغيبين”

عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، قال إن “عزوف النواب عن الحضور إلى جلسات اللجان النيابية أو الجلسات العامة المرتبطة بأدوارهم الدستورية في التداول والتعديل والتصويت والمراقبة ظاهرة مزمنة وبنيوية. وبالنظر إلى أن مدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية لم تأتِ بإجراءات صارمة ورادع في حقّ النواب المتغيبين، فإنه من المرتقب أن يبقى حضور هذه الظاهرة التي تزعزع الثقة في العمل التشريعي والعملية السياسية قويّا خلال السنة التشريعية المطلة على الأبواب”.

وأرجع اليونسي، في تصريح لهسبريس، “تجذر هذه الظاهرة إلى سببين رئيسيين؛ الأول وجود تواطء مع المتغيبين، حيث إن النظام الداخلي لا يرتّب جزاءات صارمة بحقّ المتغيبين، إذ تكتفي المادة المتعلقة بهذا الصدد والمدرجة ضمن مدونة الأخلاقيات داخله بإجراء الاقتطاعات المالية من التعويضات الشهرية للنائب المعني، وهو يبقى على العموم إجراء شكلي. ويتمثل السبب الثاني في أن العديد من النواب الذين تُفرزهم الانتخابات، بما فيها التشريعية الأخيرة في الثامن من شتنبر 2021، هم نخُبة نيابية تعتبر عضوية مجلس النواب وجاهة سياسية واجتماعية وآلية لقضاء أغراضهم ومطامحهم الشخصية أو دوائرهم الانتخابية”.

وأورد أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات أن “استمرار تسجيل النسبة المقلقة سالفة الذكر يجعل المواطن والمتتبع للشأن البرلماني يتساءل عن مدى شرعية العديد من النصوص القانونية المهمة والنوعية التي جرت أو ستجري المصادقة عليها خلال هذه الولاية التشريعية في جلسات تعرف نسبا مرتفعة من الغياب؛ ما يجعل الأمر يبدو وكأن هناك توجها لإضعاف السلطة التشريعية لصالح السلطة التنفيذية والسلطات الإدارية”، بتعبيره.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق