‎الكاتب الليبي العالمي هشام مطر للشروق: الفن ليس مجرد ترفيه لكن طريقة للتأمل فى العالم والوجود

الشروق 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف


نشر في: الجمعة 4 أكتوبر 2024 - 7:14 م | آخر تحديث: الجمعة 4 أكتوبر 2024 - 7:14 م

روايته (أصدقائى) تنافس على البوكر البريطانية وتدخل القائمة النهائية للجائزة الوطنية الأمريكية لأحسن روايات 2024

هشام مطر: أنا عربى الشخصيّة والتراث إلا إننى كاتب إنجليزى اللغة. ‎- ترجمتُ بعض أحلام نجيب محفوظ إلى الإنجليزيّة وسوف تُنشر قريبًا مع صور التقطتها زوجتى ‎- قابلت نجيب محفوظ فى لقاء لا ينسى وعاملنى بلطف بالغ ‎-عشت أغلب سنوات حياتى فى بريطانيا وهذا لا ينتقص أبدًا من ارتباطى بالثقافة العربية ولكنه يؤثّر فى قدرتى على التفاعل معها ‎- سبب انجذابى إلى لوحات سيينا يظل لغزًا حتى بالنسبة إلىّ. ‎-عشتُ قريبًا جدًّا من المتحف الوطنى ولم يكن لدى سوى القليل من المال. كان المتحف الوطنى دافئًا فى الشتاء والدخول إليه دائمًا مجّانى. ‎- ما زلت أرى مسجد ابن طولون فى القاهرة تحفةً معمارية. ‎-أزور شوارع مدينة (لبدة) الليبية بالروح التى أزور بها الأصدقاء القدامى ‎- أبى هو السبب وراء وعيى بما تعانيه الضحية وما يمر به الجلّاد. ‎- أحد الأشياء التى أهتم بها فى عملى هو كيفية التمسّك بالماضى وتذكرّه من ناحية والتحرر منه من ناحيةٍ أخرى ‎- شغفى بعيش الحاضر وبالرفقة البشرية أقوى حضورًا فى رواية (أصدقائى) ‎- الفن يحتوى على أرقى تعبيرٍ إنسانى فهو السجل الأكثر اكتمالًا وشمولًا للتجربة الإنسانية. ‎- يتحقق الاكتمال لإنسانيتنا حين نتمكن من أن نبصر واقع شخص يظهر عليه أنه مختلف عنا. ‎- أعيش حياة هادئة وشخصيتى تحتاج ذلك والكتابة تتطلّب منى الكثير ‎- لا أغتر بالجوائز لكنى آخذها على محمل الجد ‎-العمل الذى نذرت له حياتى هو محاولة منح الكتابة كل ما تحتاجه منى * وأنا أراجع النسخة النهائية من هذا الحوار مع الروائى الليبى المتميز هشام مطر أُعلن عن اختيار روايته الجديدة My Friends ضمن القائمة النهائية للجائزة الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية لأحسن روايات 2024، على أن يتم إعلان الرواية الفائزة يوم 20 نوفمبر المقبل. وهى الرواية التى فازت من قبل بجائزة «أورويل» لأحسن رواية سياسية فى عام 2024، كما تم الإعلان عن اختيارها ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر الدولية لهذا العام. ‎ومع بلوغها منصة تتويج جديدة فكرت فى أن أطرح عليه سؤالا حولها، لكنى تراجعت بسرعة؛ لأن هشام مطر يفضل التمهل فى الإجابة، ويقلب أفكاره على أكثر من وجه، كما أن التزاماته الكثيرة قد تؤدى إلى تأخر الإجابة، بطريقة تجعل مهمة استكمال الحوار شبه مستحيلة، ومن ثم فقد اخترت التمسك بالإجابات التى قدمها هنا والكثير منها يزيد من الشغف تجاه أعماله وإزاء مشروعه الروائى بوجه عام. ‎ورضيت أن يقتصر الحوار هذه المرة على كتابه (شهر فى سيينا) الذى صدرت ترجمته العربية مؤخرا عن دار الشروق بترجمة متميزة للعمانية زوينة التويه. ‎وصلته أسئلتى مكتوبة، وأجاب عنها بدقة، ثم رأى أن الترجمة المقترحة لا تلبى توقعاته، كما لا تعبر تماما عما يرغب فى تأكيده، ومن ثم اقترح أن يقوم الأستاذ إبراهيم الشريف محرر الترجمة العربية للكتاب بتدقيق الترجمة فى المسارين وقد استجاب مشكورا للمقترح لكى يضمن وصول أفكار هشام مطر ناصعة إلى القراء. ‎يرى مطر فى الكتاب بأن لوحات مدينة سيينا الإيطالية العريقة أهدته ما هو أكثر من العزاء، فقد تعرف عليها وهو طالب يدرس فى بريطانيا وبعد أن تم اختطاف والده لأسباب تخص الصراع السياسى فى ليبيا وبعد سنوات رافق مطر زوجته ديانا إلى هناك فى رحلة استكشافية تضمنت الكثير من البحث حول هذه النوعية من الفن وعن المدينة التى تختلف وتتشابه مع المدن الإيطالية الأخرى. وبفضل ما فيها من غموض صارت واحدة من المدن المفضلة عنده. ‎وأمام لوحاتها طرح تأملاته ونقل إلى القراء خبرة جمالية نادرة تكاد تكون غير مسبوقة لدى القراء العرب بعد أن أدرك أن اللوحات تتكسب حضورا جديدا مع كل نظرة وتغدو موقعا ذهنيا وماديا فى حياته. ‎ < قلت له يحتاج العمل على تأويل أعمال فنية إلى معرفة عميقة بجماليات فن التصوير وتاريخه، وسؤالى متى بدأ شغفك بالفن التشكيلى وكيف جهزت نفسك لتجربة من هذا النوع؟ ـــــ قبل سنوات طويلة خُطف والدى، الذى كان يعيش فى القاهرة، من بيته وأُخفى، كنت فى التاسعة عشرة من عمرى آنذاك، أعيش فى لندن وكنت فى السنة الثانية فى الجامعة. عشتُ قريبًا جدًّا من المتحف الوطنى ولم يكن لدى سوى القليل من المال. كان المتحف الوطنى دافئًا فى الشتاء، والدخول إليه دائمًا مجّانى. لذلك صرتُ أذهب إليه فى استراحات الغداء، لأتناول ساندويتشى أمام إحدى اللوحات. ولأننى لم أكن أعرف شيئًا عن الفن، ولم أعلم من أين أبدأ، كنتُ أختار لوحةً من اللوحات التى تلفت انتباهى وأعود إليها كل يوم لمدة أسبوع، ثم أبدّلها [أو: أنتقل إلى لوحةٍ أخرى.] ولكن قبل ذلك، كان هناك مسجد ابن طولون فى القاهرة طبعًا، الذى ما زلتُ أراه تحفةً معمارية، وحتى قبل ذلك كانت هنالك الشوارع الجانبيّة والأزقة، ومسارح لبدة وجدارياتها فى بلادى ليبيا، حيث لعبتُ طفلًا. رؤية هذه الأماكن، واللوحات التى ما زلتُ أزورها إلى اليوم، صارت عادةً عزيزةً علىّ ومهمةً بالنسبة لى مثلها مثل زيارة الأصدقاء القدامى. ‎الجمال ليس سلبيا < من المثير جدا أن تناول تجربة غياب الأب يبدو ثيمة مركزية متكررة فى أعمالك، ليس فقط من باب استعادة ذكراه وإنما المثير حقا هو القدرة على أن تأتى به كل مرة إلى النص بطريقة مختلفة فكيف يحدث ذلك؟ ‎ــــ ليس الجمالُ سلبيًّا – غنيًّا عن التأثّر والتأثير. وليس الفنّ مجرّد ترفيه. بالنسبة لى هو طريقة للتأمل فى العالم وفى الوجود وفى هذه التجربة المعقّدة تعقيدًا مدهشًا، تجربة أن تكون إنسانًا، أن تكون - بعبارات أخرى - وريث التاريخ البشرى بأكمله، وتجربة أن يكون لك إخوة وأخوات عادلون لطيفون، وإخوة وأخوات آخرون قساةٌ مجرمون. ما وقع لأبى كان من الأحداث التى فتحت عينىّ على هذا الواقع. أبى هو السبب وراء وعيى بما تعانيه الضحية وما يمر به الجلّاد. لطالما كان أبى حريصًا على تذكيرنا بأن على المرء فى نضاله من أجل العدالة ألا يختزل الظالم فى صورةٍ مجرّدة عن الواقع أو يحوله إلى صورة كاريكاتيرية محضة. وهكذا يظل السؤال قائمًا: ما الذى نستطيع فعله، وكيف ينبغى لنا أن نتعامل مع كل ما حدث؟ < هذه المرة يذهب النص فى اتجاه تمجيد الصداقة سواء مع الزوجة التى يهدى إليها الكتاب أو مع الأصدقاء الذين تأتى على ذكرهم، كأنها كتاب يستدعى الألفة، فهل ساعدت طبيعة النص المفتوح على طبقات ومراحل من الذاكرة الشخصية على الاحتفال بهذه الألفة ومعها عالم الصداقة ليصبح أساسيا فى هذا النص؟ ‎ـــــ هذا سؤالٌ جيّدٌ جدًّا. أظن أن أحد الأشياء التى أهتم بها فى عملى هو كيفية التمسّك بالماضى وتذكرّه من ناحية، والتحرر منه من ناحيةٍ أخرى. هذا التوازن، بين اختطاف والدى وإخفائه قسريًّا من جانب وشغفى بعيش الحاضر وبالرفقة البشرية من جانب هو توازنٌ يكمن فى قلب هذا الكتاب، وهو أقوى حضورًا فى الكتاب الذى ألّفته بعد (شهر فى سيينا) وهو رواية (أصدقائى). < هناك إلحاح وتأكيد فى الكتاب على قدرة الفن على تقديم شىء من العزاء. كيف تنظر لهذه المسألة هل يحقق الفن لك قدرا من العزاء والتعويض عن الفقد؟ ـــــ يحتوى الفن على أرقى تعبيرٍ إنسانى، فهو السجل الأكثر اكتمالًا وشمولًا للتجربة الإنسانية. إن ما قدمه باخ وشكسبير والمعرى والعديد من الفنانين والفنانات الآخرين سيستمر وسيعنى لنا أكثر بكثير من البنادق مهما علا دويها. سبب ذلك أننا جميعًا نعلم أن الفن يحتوى على أثمن ما فى تجربة أن تكون إنسانًا. ومن ثم فإن التعامل معه يوسّع العقل والقلب. إن الفن هو ما يُمكّننا من أن نرى حقًا ما قد نختبره إن كنا أشخاصًا مختلفين عنا؛ فقد كنتُ فى الكتب التى قرأتها امرأةً، كنتُ عبدًا وملكًا، كنتُ روسيًّا ويابانيًّا، كنت عجوزًا وطفلًا، كنت جنديًّا جريحًا. ولا يمكننا الاستهانة بقوة هذه الحالات. إن إنسانيتنا لا يتحقق لها الاكتمال إلا حين نتمكن من أن نبصر واقع شخص يظهر عليه أنه مختلفٌ عنا. إن الأشخاص الذين يستمتعون بالتميّز، الذين يسعون جاهدين لفصل أنفسهم عن الآخرين معتقدين أنهم أكثر إنسانيّة أو أنهم - ببساطة - أفضل، هؤلاء الأشخاص يشوهون فطرةً عميقةً فى دواخلنا. إن فطرتنا الراسخة هذه تكمن فى إيجاد روابط، فى دوام تذكّرنا ومدحنا للصلات التى تربطنا ببعض وبالطبيعة. ‎مساحة غامضة < تقع لوحات سيينا ضمن مساحة غامضة من تاريخ هذا الفن، كما لا تصنف فى الأطر الشائعة ، لقد ظلت قائمة وحدها، غريبة بطرق لم تشبه غرابة لوحات أخرى كأنها تنتمى إلى عالم متوحد من الشفرات والرموز، أتصور أن القارئ يتساءل دائما عن سر اختيارها. هل ساعدت طبيعتها العلمانية فى تحرر نظرتك إليها بحيث صارت أكثر جرأة؟ يعنى هل تعتقد أن هذه الأعمال لو كانت دينية لأصبح تأويلها مقيدا؟ ‎ـــــ لستُ متأكدًا من فهمى لسؤالك فهمًا سليمًا. أغلب الأعمال الفنيّة التى كتبتُ عنها فى (شهر فى سيينا) أعمالٌ دينيّة. هى بالطبع ليست دينيّةً فحسب، ولكن الطابع الغالب عليها طابعٌ دينى. أما فيما يخص سبب انجذابى إليها، فهذا يظل لغزًا حتّى بالنسبة إلىّ. إن أحد دوافع تأليف الكتب هو محاولة فهم مثل هذه الأمور. ‎ < تقول إن اللوحات منحتك الإحساس بالأمل، فكيف ذلك؟ ـــــ إن الفن فى جوهره هو عناية بتولية اهتمامنا الدقيق على أعلى مستوى. وهذا أمرٌ مفعمٌ بالأمل لأن ثمّة علاقة بين درجة الاهتمام الذى نوليه والأفعال التى تلحقه. بعباراتٍ أخرى، إن أردت أن تُلحق الأذى بشخصٍ ما أو شىء ما، فإن عدم توليته أى اهتمام سيخدم غرضك. بهذا المعنى فإن الاهتمام مرتبطٌ بالعدالة والإنصاف. ‎< هل يجوز القول بأن فى الكتاب نزعة صوفية روحانية إلى حد كبير، خاصة وقد ربط الرحلة بمسار الحج بالمعنى الدينى التطهرى بطريقة أنتجت (كتابة مبصرة) تقدم فيضا من التفاعل بين الخارج المتواضع والداخل الباهر كما تحررت أيضا من مخاطر الوقوع فى طبيعة ذهنية للنص؟ ـــــ هذا سؤالٌ مدروسٌ وذكى، إلّا أنّه ما زال يصعب علىّ التعليق على مثل هذه الأمور. حين بدأتُ الكتاب، ظننتُ أن الكاتب أو الكاتبة يكتبان حين يجدان الكلمات المناسبة. ولكننى اكتشفتُ أن الكاتب يبدأ فعليًّا من أجل البحث عن الكلمات. الكتابة هى الحدث ذاته. كل ما أعرفه، أو ما أرغب فى قوله، موجودٌ فى النص. ‎< رغم نجاحك الكبير فى العالم لا يزال اهتمامك بالحضور فى العالم العربى مؤجلا؟ هل هذا صحيح؟ ـــــ لستُ متأكّدًا من صحّة ذلك. قد يكون هذا أحد الآثار الجانبية الناتجة من قلّة المقابلات التى أجريها وتفضيلى لعيش حياة هادئة وخصوصيّة. شخصيتى تحتاج ذلك، وعملى أيضًا. الكتابة تتطلّب منى الكثير، والعمل الذى نذرت له حياتى هو محاولة منح الكتابة كل ما تحتاجه منى. ولكننى أظن أيضًا أن ملاحظتك، سواءً كانت صحيحةً أم لا، ترجع إلى حقيقة مهمة وهى أننى أكتب بالإنجليزية. أنا عربى الشخصيّة والتراث، إلا أننى كاتبٌ إنجليزى اللغة. كما أننى عشت أغلب سنوات حياتى فى بريطانيا، البلاد التى اخترتها، وهى مكانٌ أحبه وأشعر بانتماءٍ إليه. هذا لا ينتقص أبدًا من ارتباطى بالثقافة العربية، ولكنه يؤثّر فى قدرتى على التفاعل معها تفاعلًا كاملًا. لا يمكنك أن تكون شخصين فى وقتٍ واحد. كنت أتحسّر على ذلك فى الماضى. أما الآن، فأنا لا أتحسر على ذلك ولا أحتفى به. إنه مثل الوقت الذى تشير إليه الساعة مجرّد واقع. ‎أهمية الجوائز < مع كثرة الجوائز التى فزت بها والتى رشحت لها هل تمنحك الجوائز ما كنت تتوقعه من الأدب وتقدم لك العزاء الذى تبحث عنه؟ ‎ـــــ آخذ هذه الأشياء على محمل الجد، خاصةً عندما يُحكّم هذه الجوائز كتّاب وكاتبات أحترمهم، لكننى أحاول ألّا أغتر بذلك كثيرًا. أذهب إلى مكتبى كلّ صباح وأواجه الصفحة الفارغة دون أوسمتى. ‎< تحتل الأحلام مساحة كبيرة داخل النص، فهل تراها محفزًا للخيال أم فضاءً حرًّا فانتازيًّا بطريقة ما يقودك للكتابة؟ ــــ لطالما اهتممتُ بالأحلام. ومع كل التطورات فى العلوم البشريّة وعلم النفس، تظل الأحلام لغزًا إلى حدٍّ كبير. لقد احتفظ نجيب محفوظ بمذكرات سجّل فيها أحلامها. استطاع نثره السريع المقتصد أن يلتقط تلك الأحلام ويسجّلها بأناقةٍ ودقّة. لقد ترجمتُ بعضها مؤخرًا إلى الإنجليزيّة، وسوف تُنشر قريبًا رفقة صور التقطتها مصوّرتى المفضّلة، ديانا مطر، التى يتصادف أنها زوجتى. لقد التقينا الأستاذ نجيب محفوظ فى الوقت ذاته الذى كانت تراوده فيه تلك الأحلام. كان لقاءً لا ينسى. عاملنى بلطفٍ بالغ. أول ما فعله حين تعرّفنا وعلم أننى ليبى أنْ نظر إلىّ بعينين مشاكستين وسألنى بصوته الرقيق الذى تحوّل إلى همسة: «مع أم ضد؟» ضحكتُ وقلتُ: «ضد». قال «جميل جدًّا. إذن تعال واجلس جانبى».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق