عمرو منير دهب يكتب: من يحكم الآخر؟.. الفصل الحادي والعشرون من كتاب "جينات أنثويّة" - مصر النهاردة

اعلام 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع مصر النهاردة نقدم لكم اليوم عمرو منير دهب يكتب: من يحكم الآخر؟.. الفصل الحادي والعشرون من كتاب "جينات أنثويّة" - مصر النهاردة

لا ريب أن عصرنا الحديث هذا، لا سيما في عقوده الأخيرة، قد شهد انتصاراً باهراً للمرأة في مقام انتزاع الكثير من الحقوق المادية والمعنوية لصالحها؛ وليس من المبالغة القول بأن ما نِيلَ من الحقوق المعنوية للمرأة ليس أقلّ أهميةً وتأثيراً مما انتُزع من الحقوق المادية، أو لعل الحقوق المعنوية المنتزَعة كانت هي المُفضية إلى الحقوق المادية، فمن دون الإقرار بالمكانة "الاعتبارية" لأي فرد/كيان لا يمكن لذلك الفرد/الكيان أن يبلغ ما يطمح إليه على الصعيد المادي/العملي الصرف. من الجدير بالانتباه كذلك أن ما اكتسبته المرأة من الحقوق لم يكن بالضرورة على حساب الرجل في كل الأحوال.

من جملة ما حظيت به المرأة من الحقوق المعنوية عظيمة الأثر التقديرُ الرفيع المتمثّل في منحها أولوية التقدّم في ما يخضع لقوانين اللياقة واللباقة والذوق العام (الإتيكيت)؛ وهي أولوية تعكس قيمة رفيعة لمكانة المرأة في المجتمع الحديث وتُخفي – في الوقت نفسه – آثاراً لا تقلّ عمقاً لتلك القيمة المعنوية الرفيعة على النطاق العملي الخالص.

نرشح لك: صلاح السعدني و نور الشريف.. أكثر من صداقة فنية

من أمثلة مكتسبات المرأة المعنوية (والتي من الواضح أنه لا يمكن فصلها بسهولة عن مكتسباتها المادية) الأوصافُ التي باتت تُطلق عليها قياساً بما كان شائعاً في حقّها فيما مضى؛ وقد بلغ بعضُ الثقافات القديمة – أحياناً وفق بعض التفسيرات المستندة إلى مرجعيات دينية متطرفة – حدَّ أنْ نعَتَ المرأةَ بصفات شيطانية ورأى في بعض أنماط أمزجتها المتقلّبة واستجابات جسدها الفسيولوجية التلقائية ما يوشك أن يكون رجساً من عمل الشيطان وليس فطرة ربانية وراءها أكثر من غاية وحكمة لا يقوم الوجود بدونها.

أصبح عصرنا هذا إذن نعمة على حواء، فلو وُصفتْ المرأة اليوم في أي سياق بالغباء لعُدَتّ تلك جريمة عنصرية في حق النساء تجعل مرتكبها (الرجل) يدفع ثمناً باهظاً تحت طائلة القانون بسبب ذلك التهوّر العنصري؛ أمّا وصف النساء بالجنون (كأقصى ما يمكن أن تصل إليه حماقات الرجل في تفسيره لاستجابات المرأة المتطرفة) فلا يحمل إهانة على الأرجح، ذلك أن حواء نفسها كثيراً ما تزهو بـ"جنونها" إشارة إلى جرأتها، في سياقٍ تحذيري وترهيبي من عواقب استفزازها؛ هذا فضلاً عن أنّ الجنون طالما عُدّ من الصفات الأخّاذة في وصف التصرفات والاستجابات غريبة الأطوار من قبل العباقرة على مختلف مجالات إبداعهم.

نقول ذلك بصفة عامة، ولكن أيضاً بنظرة خاصة إلى كتاب Women Are Crazy, Men Are Stupid: The Simple Truth to a Complicated Relationship ، الصادر في ترجمته العربية عن مكتبة جرير بالرياض سنة 2011 بعنوان "جنون النساء وغباء الرجال"، فالكتاب يكشف عن موافقة ضمنية لاتهام الرجال بالغباء والنساء بالجنون دون غضب أيٍّ من الطرفين، كونه من تأليف رجل وامرأة اتّفقا على تلك "الحقيقة البسيطة" بوصفها مدخلاً إلى "علاقة معقدة" بين القرينين.

في الفصل الثاني من الكتاب، وتحت العنوان الفرعي "معادلات الغباء/الجنون" يقول المؤلفان Howard J. Morris هاوارد جيه. موريس و Jenny Lee جيني لي: "يتلخص الأمر كله في ثلاث معادلات رياضية: امرأة طبيعية + رجل غبي = امرأة مجنونة، امرأة طبيعية + رجل ذكي = امرأة طبيعية، رغم أن: امرأة مجنونة + رجل ذكي = امرأة مجنونة. ما يعنيه ذلك: إذا ما استطاع الرجل أن يخفض من مستوى غبائه في علاقته مع زوجته، سيصاحب ذلك انخفاضاً في نسبة الجنون لدى زوجته. فالرجل الذي يستطيع أن يخفض من مستوى غبائه، ولنقل بنسبة 30%، ينبغي أن يتمكن من خفض جنون امرأته بنسبة 30%، فإذا لم يحدث ذلك، لن يكون من الخطأ أن نقول إن المرأة مجنونة للغاية. يجب علينا أن نخفض من مستوى غبائنا لكي نرى ما الذي يحدث بالفعل! فإذا لم يعد الرجل غبيّاً، واستمرت المرأة على جنونها، وكانت ترغب في استمرار العلاقة بينهما، خمّن ما الذي يجب عليها القيام به؟ أن تعترف بأنها مجنونة. صحيح. أن تعترف بأنها مجنونة. ولا يؤمن الكثير من الرجال بأنهم سيرون اليوم الذي تعترف فيه نساؤهن بأخطائهن. ولكن إذا ما تمكن أحد الرجال من أن يطبق فعلاً مقولة: عالج الغباء وسوف يعالج الجنون نفسه، فسيكون ذلك اليوم أقرب إليه مما يتصوّر".

التناول الطريف للعلاقة "المعقدة" بين الزوجين/القرينين لا يقتصر على العنوان اللافت وإنما يمتدّ عبر الكتاب الذي يتّخذ من الجنون والغباء محوراً لا يدور حوله تحليل وتشريح العلاقة بين المرأة والرجل فحسب وإنما أيضاً محاولة كتابة وصفة سحرية للحدّ من المشاكل بين الزوجين/القرينين بِنِسَب واعدة (30% كما رأينا على سبيل المثال في المقتطف السابق)؛ ومن المهم الانتباه هنا إلى أن المقصود بكلتا الكلمتين (الجنون والغباء) يحتمل مضامين وتفاسير عديدة متفاوتة الدلالة وليست مباشرة في الغالب.

بالارتداد إلى الفصل الأول من الكتاب، وتحت عنوان "تاريخ الجنون والغباء"، نقرأ: "أيهما أولاً، الجنون أم الغباء؟ إنه سؤال الجائزة الكبرى الذي نريد كلنا معرفة اجابته. هل النساء مجنونات لأن الرجال أغبياء؟ أم أن الرجال أغبياء لأن النساء مجنونات؟ ليس من الغريب أن تقسمنا إجابتنا على هذين السؤالين لفريقين تتفق الحدود الفاصلة بينهما مع الحدود الفاصلة بين الجنسين... لقد ظلت النساء تؤكد – طيلة سنوات حياتهن – أنهن يصبن بالجنون ببطء ولكن بشكل منهجي ثابت بسبب الرجال الأغبياء، فيما يستمر الرجال في الاعتقاد أنه من المستحيل على أي رجل أن يتعامل بلطف مع امرأة شديدة العصبية على الدوام. فإذا ما استطعنا أن نثبت أيهما سبق الأول، سيكون للطرف الآخر الحق في أن يلوم الطرف المدان إلى الأبد".

بصرف البصر عن تفاصيل السؤال المثير والشِّراك التي تحيط بمحاولات الإجابة عليه، وبغض النظر عن الأحق بالاعتذار إلى ندّه رجوعاً إلى أسبقية الاعتداء بالجنون أو الغباء، يبدو السؤال الأكثر إثارة هو: من الذي يبدو أكثر توجيهاً للآخر وسيطرة عليه؟

موافقةً لاتهام حواء بالجنون، وعلى الرغم من أن التهمة التي أُلصِقت بآدم هي الغباء، فإن ما يشيع عن الرجل والمرأة كصورة نمطية سائدة هي أن الأول متعقّل في حين أن الثانية عاطفية (ليست مجنونة بالضرورة)؛ ما يغري بالإجابة على السؤال الأخير بما يرجّح سيطرة المتعقِّل على العاطفية، ولكن ببعض التأنّي والتأمّل ألا يمكن القول بأن الرجل (العقل) يسيطر بالفعل على المرأة (العاطفة) فقط حين تنتهي الأخيرة من تحديد الوجهة التي تُحب للأول أن يسيطر عليها خلالها في أية مساجلة/مطارحة بين الطرفين؟ بذلك في الاعتبار، هل من السهل القطع بهوية الطرف الذي يسيطر على الآخر في المجالدة السرمدية بين الجنسين؟

للتواصل مع الكاتب عبر الإيميل التالي: ([email protected])

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق