نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحرب الإعلامية بعد وقف إطلاق النار في لبنان, اليوم السبت 31 مايو 2025 01:31 مساءً
محمد قازان
في الحرب الإعلامية هناك أدوات لتحقيق الهدف. والهدف الرئيس هو تحقيق أهداف الحرب العسكرية أو التعويض عن فشلها أو الإستعاضة عنها بنوع من الحروب الناعمة. والحرب الإعلامية ليست فقط بديلاً عن الحرب العسكرية، بل هي تروج للحرب العسكرية قبل حصولها عبر الحرب النفسية، وتواكبها خلال حصولها عبر نشر أخبارها وتضخيمها وإبراز نتائجها، ولاحقاً تقوم بتثبيت أهداف الحرب وتوثيقها.
اليوم انتهت الحرب التي شنها الكيان المؤقت ضد لبنان في شكل من أشكالها العسكرية، وهي حربٌ عنوانها الرد على جبهة إسناد غزة وحقيقتها الاستعداد الإسـرائيلي المبكر منذ حرب تموز ٢٠٠٦ للإنتقام بدليل عملية البايجر، هذه الحرب توقفت بأحد أشكالها التدميرية في ٢٧ تشرين ثاني الماضي، لكنها مستمرة في الإغتيالات والتجسس ومنع الإعمار، والأهم أنها مستمرة عبر الأدوات الناعمة.
لكن لماذا تستمر الحرب عبر الأدوات الناعمة؟
بشكل بديهي وفق تعريفات المقدمة، لأن الأهداف لم تتحقق جميعها عبر الحرب العسكرية.
فمنذ اتفاق وقف إطلاق النار في ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤ انطلقت هذه الحرب الإعلامية عبر نسق أوركسترا يديرها مايسترو محدد وهو الأميركي ، الذي يوجه الفضائيات السعودية والإماراتية ومعها تلفزيونات رجال الأعمال اللبنانيين الثلاثة والصحف والمواقع الإلكترونية التي تدور في فلك ما يسمى محور الإعتدال العربي.
النسق المتجدد كان انطلق عام ٢٠٠٥ في لبنان إبان ما عُرفت بثورة الأرز، واتخذت هذه المرة أشكالاً أكثر استفادة من البعد السياسي الدولي والمحلي والتصاقاً أكبر بثورة وسائل التواصل الإجتماعي، كما اعتمدت على استغلال الإستحقاقات الداهمة من انتخابات رئاسة الجمهورية إلى تشكيل الحكومة بالإستناد إلى موازين قوى دولية واقليمية ومحلية أبرزها سقوط النظام السوري السابق، وخوف معظم الأحزاب والشخصيات السياسية اللبنانية من الأميركيين والسعوديين ومجاراتهم في خياراتهم التي أفرزت انتخاب جوزف عون ولاحقاً تكليف نواف سلام.
إستخدم النسق الإعلامي المعادي للمـ ـقـاومة كل أدوات الحرب الإعلامية، من التضليل إلى الإشاعة، والدعاية، والكذب والترهيب والعزل والتعتيم والإبراز.
فكان صندوق بريد للمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس وقامت بهذا الدور قناة الجديد بشكل واضح عبر الترويج المسبق للحملات العسكرية الجوية والتهويل، فيما تولت قناة المر مهمة استهداف القرض الحسن والطيران الإيراني لخنق بيئة المـ ـقـاومة مالياً، كما تم تخصيص جريدة نداء الوطن التابعة للقوات وآل المر كي تتصدى للإعلام المكتوب المقابل كجريدة الأخبار التي تتبنى الخطاب المـ ـقـاوم، فنجد أن هناك كتاب أعمدة مخصصين للرد على رؤساء تحرير جريدة الأخبار وآخرون مهمتهم الكتابة ضد الحزب ولو مقالاً يومياً والمساهمة بالترويج لرواية العدو، بينما كانت قناتا الحدث السعودية وسكاي نيوز الإماراتية تكملان مهمتهما التي أنيطت بهما خلال الحرب، وهي مهمة الترويج للإنجازات العسكرية الإسـرائيلية واختراق جسم حزب الله وعدم قدرته على النهوض من جديد، وهذا ليس تحاملاً على القناتين، إذ يكفي للمراقب تتبع أخبار الإغتيالات والمعطيات العسكرية للعدو ليجد أنها كانت تُنشر على هاتين القناتين قبل إعلانها في الإعلام العبري.
بموازاة الإعلام التقليدي شمل نسق الدعاية المعادية للمقاومة اعتماداً كبيراً على أجهزة الإعلام التابعة للأحزاب المحلية كحزب القوات ضمن تشكيل كبير من المنصات والحسابات الوهمية التي تدار في غرفة موازية لمايسترو النسق الموجه، وبالاعتماد بشكل مهم على الذكاء الصناعي.
في المقابل يواجه هذا النسق منظومة إعلامية ليست بقوة منظومة النسق الأميركي، لكنها لم تستسلم رغم فوارق الإمكانات وقاتلت بروح ثورية منذ الحرب حتى اليوم باللحم الحي، مع الإعتراف أنها خسرت قوتها الضاربة التي كانت تتمثل بخطاب سيد شهداء الأمة، لكن سرعان ما تم التعويض عبر خطابات الشيخ قاسم، والدليل رجع الصدى الذي روجه إعلام النسق المعادي بأن أعنف الحملات الجوية التي شنها الطيران المعادي منذ وقف الحرب كانت بعد خطاب الشيخ قاسم في ١٨ نيسان الماضي، وهذا كافٍ للقول إن قوة الخطاب تنتصر أحياناً على صلابة القصف العسكري، كما أعاد هذا النسق قوة حضوره عبر منصات التواصل الإجتماعي والدليل تصدر هاشتاغات جمهور المـقاومة الدائم وتصديه لكل كبيرة وصغيرة وفق منظومة رصد واستهداف وجبه وتهكم ونشر للمعلومات والتثقيف، وإجبار رئيس حزب القوات على الدفاع عن وزير خارجيته بعد خسارته في المنازلات الإعلامية التي خاضها وتدخله ببيانات شخصية لتعويض هزيمته، إضافة إلى الدور المحوري الذي تلعبه قناة المـنار في نشراتها الإخبارية قبل كل استحقاق رغم الظروف الصعبة التي واجهتها خلال الحرب ونهوضها بسرعة بعدها رغم التشكيك بقدرة الحزب على التعافي التنظيمي الذي أنتج تاريخياً دعاية متينة تعبر عن النسق التنظيمي الفعال، فالتأثير الذي تركته المـ ـنـار كمنبر أول مؤثر في الرأي العام المـقـ ـاوم تمثل في مقدمة نشرة الأخبار الشهيرة في ٢٥ كانون ثاني ٢٠٢٥، فرسم وقع بضع كلمات باكورة التحرير، عندما قالت المقدمة في مطلعها: “عائدون غداً، رافعينَ الرؤوسَ والقبضات، فلا شيءَ يغيبُهم عن أرضٍ قد زرعوا فيها فِلذاتِ الأكباد..”.
الواضح لأي مراقب أن المقاومة تخلت عن حذرها الشديد في المقاربات الإعلامية بعد الحرب، وبدأت استراتيجية الرد والهجوم، لكنها ما زالت تختار الصدق على الكذب والصراحة على التضليل، وهذا ربما ما يجعل فعاليتها أحياناً تأخذ وقتاً أطول. فالكذب يعلق في الأذهان حتى بعد التصحيح، كما لاحظنا أن هذه الإستراتيجية طالت نواب كتلة الوفاء الذين يتصدون باستمرار لأكاذيب وافتراءات نواب الطرف الخصم، وهذا لم يكن وارداً بكثرة في السابق.
قد لا يتسع هذا المقال لذكر جميع مقومات الإعلام المـقاوم، وهو إعلام يدرك أنه تقع على عاتقه مهام التصدي بشكل أكثر فعالية ومراجعة المرحلة السابقة، وبناء استراتيجيات خطاب يحاكي نتائج الحرب، لكنه ورغم ذلك لم يحد عن الأهداف التي تُرسم له ويعمل باستمرار على سد الفوارق بينه وبين الإعلام المعادي في الشكل والإمكانات.
لكن بعد تعريف الحرب الإعلامية وأطرافها حالياً في لبنان والمنطقة، والإشارة لماماً إلى أهدافها ودور أدواتها، لا بد من قياس التأثير الذي أحدثه طرفا هذه الحرب.
ففي علوم الإعلام والإتصال يدُرس التأثير والإقناع ويُقاس برجع الصدى واستبيان رأي الجمهور والتأكد من التغيير الذي أحدثه هذا التأثير في الرأي العام.. وهنا نحن أمام نظريات أوسع من التأطير وصولاً إلى الدعاية الحربية التي تنقسم إلى بيضاء تحفز الجمهور المناصر وسوداء تتسلل خلف خطوط العدو لإحباطه.
وإذا كانت أهداف الحرب الإعلامية للنسق الأميركي تستهدف إحباط بيئة المـ ـقـا ومة وإشعارها بالهزيمة ودفعها للإستسلام، فمن البديهي أن يكون هدف الإعلام المـقـاوم إحباط هذه الأهداف.
لكن كيف نقيس ذلك؟
الجواب عبر توجه الرأي العام والحركة الشعبية، ومنها التظاهرات والتحركات وصناديق الإقتراع.
وفي الخلاصة إليكم بعض الأحداث التي يُقاس بها الرأي العام: ففي ٢٦ كانون الثاني ٢٠٢٥ إقتحم الجنوبيون بأجسادهم غير المسلحة القرى الأمامية وواجهوا الدبابات المعادية وكرّسوا الإنسحاب إلى النقاط الخمس المحتلة، كاسرين بعنفوانهم كل حملات الإستضعاف والتوهين، وفي الثالث والعشرين من شباط ٢٠٢٥ زحف مئات الآلاف وشيّعوا قائديهما الأمينَين متحدين كل أدوات الحرب النفسية قبل التشييع، ولم يهتزوا أو ترف لهم جفن رغم ملامسة الطائرات الحربية رؤوسهم فوق المدينة الرياضية، وبين ٤ أيار و٢٤ أيار ٢٠٢٥ أثبتت الإنتخابات البلدية رجع الصدى الخائب للإعلام المعادي واتساق الجمهور الوفي للمقـ ـاومـ ـة مع إعلامه، فجاءت النتائج لتؤكد أن كل حملات التضليل والترهيب لم تزحزح هذا الجمهور عن خياراته خلف الثنائي الوطني الذي كان روحاً واحدة في القتال والصمود والعودة.
إذاً قد يكون العدو كسب معركة عسكرية بالحسابات المادية في صراع طويل لمّا ينتهي، مع اختلاف التقويم لمقاييس الربح والخسارة إذا ما وضعنا القاعدة الشرعية التي حتّمت قرار الإسناد، لكن في الوقائع نحن من انتصرنا في الحرب الموازية، حرب النفوس والقلوب والإنتماء والإيمان بما نُقتَل لأجله، وهو نصرة المظلوم ورفض الإحتلال وقول “لا” مدوية وعالية ما زلنا الوحيدين في هذا العالم نصرخ بها أمام المستكبرين من قَتَلة النساء والأطفال، وشيّعوا قائديهما الأمينَين متحدين كل أدوات الحرب النفسية قبل التشييع، ولم يهتزوا أو ترف لهم جفن رغم ملامسة الطائرات الحربية رؤوسهم فوق المدينة الرياضية، وبين ٤ أيار و٢٤ أيار ٢٠٢٥ أثبتت الإنتخابات البلدية رجع الصدى الخائب للإعلام المعادي واتساق الجمهور الوفي للمقاومة مع إعلامه، فجاءت النتائج لتؤكد أن كل حملات التضليل والترهيب لم تزحزح هذا الجمهور عن خياراته خلف الثنائي الوطني الذي كان روحاً واحدة في القتال والصمود والعودة.
إذاً قد يكون العدو كسب معركة عسكرية بالحسابات المادية في صراع طويل لمّا ينتهي، مع اختلاف التقويم لمقاييس الربح والخسارة إذا ما وضعنا القاعدة الشرعية التي حتّمت قرار الإسناد، لكن في الوقائع نحن من انتصرنا في الحرب الموازية، حرب النفوس والقلوب والإنتماء والإيمان بما نُقتَل لأجله، وهو نصرة المظلوم ورفض الإحتلال وقول “لا” مدوية وعالية ما زلنا الوحيدين في هذا العالم نصرخ بها أمام المستكبرين من قَتَلة النساء والأطفال.
المصدر: موقع المنار
0 تعليق