نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رهانات على مراكز بيانات الـAI.. استثمار جريء أم فقاعة جديدة؟, اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025 07:04 صباحاً
في خضم السباق العالمي على الذكاء الاصطناعي، تُسلّط الأضواء على بنية تحتية غير مرئية لكنها باتت العمود الفقري للعصر الرقمي الجديد، وهي "مراكز البيانات"، التي أصبحت محط اهتمام كبريات شركات وول ستريت، التي ضخّت فيها المليارات كأنها مناجم المستقبل.
ولكن، خلف هذا الاندفاع المحموم، بدأت ترتفع بعض التحذيرات والأسئلة: هل ما نشهده هو ثورة حقيقية أم فقاعة على وشك الانفجار على غرار فقاعة الدوت كوم الشهيرة؟ وهل النمو المتسارع في هذا القطاع يستند إلى واقع تقني مستدام، أم إلى توقعات مبالغ فيها لا تختلف كثيراً عن دروس الماضي؟
في هذا السياق، وتحت عنوان (وول ستريت تُركّز كلياً على مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.. هل هي الفقاعة التالية؟"، يشير تحقيق مُطول لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن شركات الاستثمار الخاص مثل بلاكستون تستخدم أموال عملائها لشراء وبناء مراكز البيانات لتغذية طفرة الذكاء الاصطناعي.
وتشير الصحيفة إلى أن قطاع مراكز البيانات يشهد طفرة استثمارية غير مسبوقة من قِبل عمالقة وول ستريت، وفي مقدمتهم شركة "بلاكستون" التي ضخت أكثر من 100 مليار دولار في هذا القطاع، في إطار سباق للاستفادة من صعود تقنيات الذكاء الاصطناعي.
- استحوذت بلاكستون في العام 2021 على شركة "QTS" المتخصصة في مراكز البيانات مقابل 10 مليارات دولار، ومنذ ذلك الحين وسّعت استثماراتها فيها بشكل كبير، حيث ارتفع عدد المراكز المؤجرة التابعة لـQTS تسعة أضعاف في أقل من أربع سنوات.
- أعلنت "ألفابت" عن خطط لاستثمار 75 مليار دولار، بينما تعتزم "ميتا" ضخ 72 مليار دولار، معظمها في مشاريع الذكاء الاصطناعي.
- تتمثل أهمية هذه المراكز في قدرتها على تشغيل كم هائل من البيانات بأعلى مستويات الجاهزية.
ويخلق التحقيق إلى أنه رغم الزخم الاستثماري، بدأت بعض الأصوات تُحذّر من فقاعة محتملة. فقد نبّه محللون إلى تخمة في العرض، خاصة بعد تراجع بعض الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وفوكسكون عن عقود استئجار.
وأكد رئيس علي بابا، جو تساو، أنه بدأ يلاحظ "مؤشرات فقاعة" في بناء مراكز البيانات. كذلك، طرحت شركة "ديب سيك" الصينية حلاً تقنيًا لتقليص استهلاك الطاقة والرقائق، مما أثار شكوكًا بشأن الحاجة إلى هذا الكم الهائل من المراكز.
مع ذلك، تصرّ بلاكستون على متانة استثماراتها، مشيرة إلى أنها لا تبدأ أي مشروع قبل تأمين مستأجر بعقد طويل الأجل. ووفق رئيسها جوناثان غراي، فإن الاستثمار في مراكز البيانات يختلف عن بناء الشقق الفاخرة في ميامي؛ إذ يتم وفق دراسات واحتياجات فعلية.
ووفق الصحيفة، فإن مستقبل هذا القطاع لا يخلو من تحديات: تأجيلات في مشاريع مثل مركز بيانات مايكروسوفت في أوهايو، وزيادة قلق المستثمرين حول طرق الخروج من هذه الاستثمارات الضخمة، وهي عوامل قد اعيد رسم ملامح المشهد، في وقت تسعى فيه الشركات لتحقيق توازن بين الطموحات التقنية والواقعية السوقية.
استثمارات ضخمة
يقول كبير محللي الأسواق المالية في شركة FXPro، ميشال صليبي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- "نلاحظ اليوم تركيزاً متزايداً في أسواق المال على مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وهذا التركيز يأتي نتيجة الاستثمارات الضخمة التي تضخها شركات التكنولوجيا الكبرى في كل ما يتعلق ببناء وتشغيل هذه البنية التحتية".
- مراكز البيانات تُعد العمود الفقري لأي تطور قادم في الثورة الرقمية، وهناك تنافس شديد بين هذه الشركات على رفع قدراتها التخزينية والاستيعابية لتلبية الطلب المتسارع، لا سيما على نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي.
- هذا الواقع خلق فرصاً استثنائية لشركات مثل "إنفيديا" و"سوبر مايكرو كمبيوتر"، وغيرها من الشركات التي توفر المكونات الحيوية لهذه البنية التحتية.
لكنه يشدد على ضرورة الانتباه إلى أن هذا التوسع يتطلب استثمارات ضخمة جداً، تشمل آلاف وحدات المعالجة الرسومية وطاقة كهربائية هائلة، علاوة على أنظمة تبريد متطورة، وبنى تحتية متينة لنقل وتخزين البيانات، ما يبرر حجم الإنفاق الذي نراه حالياً.
ويستطرد: في تقديري، هذه المؤشرات تعكس طلباً حقيقياً وعقلانياً على كل ما يتعلق بالحوسبة السحابية والبيانات الضخمة. وقد رأينا أن الإيرادات الفصلية للشركات الكبرى، خصوصاً مجموعة "Magnificent 7"، تتجاوز التوقعات بشكل مستمر.
وينبه إلى أن شركات مثل مايكروسوفت وغوغل تؤكد أن الطلب على مراكز البيانات سيتضاعف في السنوات القادمة، لكن في الوقت نفسه "أعتقد بأن هناك حاجة للحذر، لأن التقييمات السوقية لبعض الشركات باتت تتجاوز الأساسيات، وتعكس مسبقاً نمواً لم يتحقق بعد"، مردفاً: "في حال فقدت السوق زخمها أو فشلت بعض الشركات في مواكبة وتيرة التوسع بالأرباح الفعلية، فقد نشهد ضغوطاً مماثلة لما حدث في فقاعة عام 2000".
وينصح صليبي بتوزيع الاستثمارات بعناية، وتجنب الاعتماد المفرط على عدد قليل من المزودين مثل "إنفيديا" المهيمنة في السوق. كما أن التكاليف الضخمة التي تتحملها شركات مثل أمازون وغوغل وميتا، قد تؤثر سلباً على هوامشها التشغيلية.
ويرى أن النمو في هذا القطاع حقيقي، ولكن السؤال الأهم: "هل ستبقى أسعار الأسهم عند هذا المستوى؟"، مشيراً إلى أنه "على المستثمرين أن يتأنوا، ويبتعدوا عن المضاربة في هذا التوقيت الدقيق، لأنه حتى لو وقعت فقاعة، فإنها لن تشمل كل الشركات، لأن النمو في هذه الصناعة واقع لا يمكن إنكاره."
نقطة محورية
ويشير تحليل جديد من مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) إلى أن مراكز البيانات أصبحت نقطة محورية في استثمارات البنية التحتية الخاصة. رغم تراجع حجم الصفقات وتوفر رأس المال في 2024، ارتفع إجمالي الأصول المُدارة في القطاع، وزاد التمويل بنسبة 14 بالمئة، مما يعكس إعادة تموضع استراتيجي للمستثمرين.
ووفق التحليل، فإن التحول في بيئة الاستثمار، المتأثر بأسعار الفائدة والتقلبات الاقتصادية، دفع شركات الأسهم الخاصة لإطلاق صناديق متخصصة ذات مخاطر أعلى، تستهدف أصولًا غير تقليدية، أبرزها البنية التحتية الرقمية. ورغم انخفاض صفقات مراكز البيانات بنسبة 52 بالمئة في أوروبا و24 بالمئة في أميركا الشمالية، لا تزال هناك شهية استثمارية قوية، مدفوعة بطلب الذكاء الاصطناعي المتزايد على الطاقة الحسابية.
ومراكز البيانات لم تعد أصولًا هامشية، بل أصبحت مكونًا أساسيًا في المحافظ الاستثمارية، بفضل توسع الحوسبة السحابية وارتفاع أحمال الذكاء الاصطناعي. لكن التحديات تتزايد مع ندرة الأراضي، قيود الطاقة، والرقابة التنظيمية. وتشير BCG إلى أن معظم استهلاك الطاقة لا يأتي فقط من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بل من التطبيقات التقليدية أيضاً.
ويضيف التقرير:
- تشهد البنية التحتية لمراكز البيانات تحولات عميقة، حيث يُعاد تشكيلها لاستيعاب متطلبات الذكاء الاصطناعي، مما يدفع المستثمرين للتركيز على مطورين يمتلكون أراضي وطاقة مؤمّنة.
- كما أصبح تأمين مصادر طاقة نظيفة أولوية استراتيجية، مع اتجاه بعض الصناديق لامتلاك أصول طاقة مباشرة أو توقيع اتفاقيات شراء طويلة الأجل.
- كما تتجه صناديق الاستثمار نحو الكفاءة التشغيلية والرقمنة، باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الصيانة والتخطيط الأمني، والتركيز على المنشآت المرتبطة بشبكات واسعة بدلًا من المرافق المنعزلة.
- وبينما قد تعيق التقييمات المرتفعة وقيود الطاقة النشاط الاستثماري على المدى القصير، فإن الأساسيات القوية والطلب المتزايد على البنية التحتية الذكية والمستدامة يجعل من مراكز البيانات مسرحًا محوريًا في لعبة الاستثمار القادمة.
ارتفاع حاد في الطلب
أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات في السيليكون فالي كاليفورنيا، الدكتور حسين العمري، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- تعيش وول ستريت اليوم موجة هوس جديدة، وهذه المرة مركزها ليس تطبيقاً اجتماعياً أو عملة رقمية، بل مراكز البيانات.
- مع الارتفاع الحاد في الطلب على خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبحت مراكز البيانات البنية التحتية الذهبية لهذا العصر الرقمي، مما دفع بأسهم الشركات المرتبطة بها إلى مستويات قياسية.
- شركات مثل Nvidia، Supermicro، Broadcom، وحتى شركات العقارات الصناعية التي تملك أراضي لهذه المراكز، تشهد تدفقات استثمارية غير مسبوقة.
لكنه يضيف: "في خضم هذه الحماسة، يبرز السؤال: هل نحن أمام فقاعة جديدة؟"، متحدثاً عن أوجه التشابه مع فقاعة الإنترنت مطلع الألفية، وهي الأوجه التي "تفرض نفسها الآن". ويقول: حينها، كان الوعد هو "شبكة ستغيّر العالم"، واليوم، الوعد هو "ذكاء اصطناعي سيغيّر كل شيء". لكن في كلتا الحالتين، لم يكن النمو الفوري في العوائد مواكباً لحجم التوقعات.
ويضيف:
- الاستثمار في مراكز البيانات يتطلب رأس مال ضخم، واستهلاك طاقة هائل، وتحديات تنظيمية وبيئية لا يُستهان بها.
- كما أن سباق الشركات نحو بناء هذه المراكز قد يُغرق السوق بطاقة استيعابية تفوق الحاجة الفعلية على المدى القصير، تمامًا كما حدث في البنية التحتية للاتصالات في أوائل العقد الأول من القرن الحالي.
- ومع أن الطلب على الذكاء الاصطناعي حقيقي ومتصاعد، إلا أن تقييمات بعض الشركات تجاوزت حدود المنطق الاستثماري، ما قد ينذر بتصحيح قادم إذا تباطأ نمو الإيرادات أو ظهرت عوائق أمام التوسع التكنولوجي.
- في النهاية، الذكاء الاصطناعي باقٍ ويتمدد، وهو بالتأكيد ليس فقاعة، لكن مسار الاستثمار فيه ليس معصوماً من دورات الحماسة والمراجعة.
- الحكمة ليست في رفض الموجة، بل في ركوبها بوعي. وعندما ظهرت شركة DeepSeek بدأت المخاوف توحي أن تقييم شركات الذكاء الاصطناعي مبالغ فيه وخاصة مراكز البيانات.
0 تعليق