إيران بعد حزب الله: تشابه المصير في لعبة النفوذ والتآكل

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إيران بعد حزب الله: تشابه المصير في لعبة النفوذ والتآكل, اليوم الجمعة 13 يونيو 2025 10:59 صباحاً

لطالما شكّل حزب الله اللبناني نموذجًا صاعدًا في معادلة الصراع العربي-الإسرائيلي، فحمل لواء المقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي وحقق إنجازًا نوعيًا عام 2000 بتحرير الجنوب اللبناني دون قيد أو شرط. لكنه، بمرور الوقت، تحوّل من رمز للممانعة إلى طرف داخلي متورط، ومن فاعل يحظى بالشرعية الشعبية إلى قوة محاصرة بالاتهامات وفاقدة للحاضنة المجتمعية.

وفي الوقت الذي ترزح فيه إيران تحت ضغط داخلي متزايد وخسارات خارجية متراكمة، تبدو التجربة الإيرانية وكأنها تسير على ذات المسار الذي رسمه حزب الله من قبل؛ مسار يبدأ من التوسع والنفوذ، وينتهي بالتآكل والتشظي. فهل يعيد التاريخ نفسه؟ وهل تدفع إيران اليوم ثمن ذات المشروع الذي غذّته عبر حزب الله؟

حزب الله: من الإجماع إلى التورط

▪ الصعود:

• نشأ الحزب في بيئة المقاومة عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، حاملاً أيديولوجيا إسلامية ثورية متأثرة بإيران ما بعد الثورة.

• اكتسب شرعية كبيرة بفضل مواجهته لإسرائيل، لا سيما بعد تحرير الجنوب اللبناني عام 2000، ثم صموده في حرب تموز 2006.

• لفترة طويلة، اعتبره الشارع العربي نموذجًا للمقاومة النزيهة والمبدئية.

▪ التورط:

• شكل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005 لحظة فارقة، وُجهت فيها أصابع الاتهام إلى الحزب، وفُتحت أبواب الانقسام الداخلي.

• مشاركته المباشرة في الحرب السورية عام 2012 إلى جانب نظام الأسد، شكّلت بداية النهاية لصورة الحزب كـ”مقاومة فوق الطوائف”.

• تحوّل سلاحه من أداة مقاومة إلى أداة ضغط داخلية، وارتبط اسمه بالقمع والاغتيال والهيمنة على مفاصل الدولة.

▪ التآكل:

• انكشف الغطاء الأخلاقي للحزب مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، وارتباطه بشبكات تهريب وتبييض أموال.

• تراجع الدعم الشعبي للحزب حتى في بيئته الحاضنة، وارتفع صوت المنتقدين داخل الطائفة الشيعية نفسها.

• بدا الحزب مكشوفًا كذراع إيراني في لبنان، أكثر من كونه كيانًا وطنيًا لبنانيًا.

إيران: تكرار النمط ذاته على نطاق دولة

▪ الصعود:

• ما بعد 1979، رفعت إيران شعار الثورة الإسلامية و”نصرة المستضعفين”، ونجحت في تصدير خطابها الثوري إلى المنطقة.

• أسست شبكة نفوذ إقليمية تمتد من بغداد إلى بيروت وصنعاء، وصورت نفسها كقلعة للمقاومة في وجه “الاستكبار العالمي”.

• راهنت على البرنامج النووي كوسيلة ضغط سياسية، وعلى الحرس الثوري كأداة توسع إقليمية.

▪ التورط:

• التدخل الإيراني في العراق وسوريا واليمن، وإن بدا في البداية كامتداد للنفوذ، تحوّل مع الوقت إلى استنزاف اقتصادي وعسكري.

• تورطها في الحروب الطائفية أدى إلى انقسام حاد في الرأي العام العربي والإسلامي تجاهها.

• العقوبات الأمريكية والأوروبية، والانهيار الداخلي للاقتصاد، خلقت حالة من النقمة الشعبية والانفجار الاجتماعي المتكرر داخل إيران.

▪ التآكل:

• خرجت الاحتجاجات مرارًا من قلب المدن الإيرانية الكبرى، رافضة حكم رجال الدين والحرس الثوري، ومتهمة النظام بالفساد والبطش.

• باتت شبكة المليشيات التي ترعاها عبئًا بدل أن تكون ورقة ضغط، في ظل تراجع التمويل وتغير المزاج الشعبي في لبنان والعراق وسوريا.

• تعيش الجمهورية الإسلامية لحظة انكشاف شبيهة بما مر به حزب الله: أزمة داخلية، وخسارات خارجية، وتآكل في الهيبة.

مقارنة مباشرة: نفس المسار، لكن بأحجام مختلفة

يتشابه مسار حزب الله مع إيران في عدة أوجه رئيسية، رغم اختلاف الحجم والوظيفة. فكلاهما انطلق بخطاب ثوري يستند إلى مقاومة “العدو”، ونجح في كسب تأييد شعبي واسع في المراحل الأولى. حزب الله رفع شعار المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بينما رفعت إيران شعار الثورة الإسلامية ضد “الاستكبار العالمي”.

بلغ حزب الله ذروة شعبيته بعد تحرير الجنوب عام 2000 وصموده في حرب تموز 2006، تمامًا كما بلغت إيران ذروة نفوذها الإقليمي بعد 2010، خاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

لكن نقطة الانحدار لدى الحزب كانت تدخله في الحرب السورية، ما كشف طائفيته وأضعف شرعيته الأخلاقية. بالمثل، كانت نقطة الانحدار الإيرانية حين تورطت في صراعات المنطقة بشكل مباشر، وبدأت بقمع الاحتجاجات الداخلية.

أدوات الهيمنة لدى الحزب كانت السلاح والإعلام والحشد الطائفي، بينما اعتمدت إيران على الحرس الثوري وشبكة الوكلاء الإقليميين. وفي الحالتين، تآكل الخطاب الأخلاقي، وبرزت اتهامات الفساد، واستُخدم القمع لضمان السيطرة.

اقتصاديًا، انهار جنوب لبنان نتيجة سياسات الحزب، كما تعاني إيران اليوم من تضخم وبطالة وانهيار في العملة. أما التحدي الأكبر أمام الطرفين، فهو فقدان التأييد الداخلي، واحتمال الانفجار من الداخل قبل الخارج.

الخاتمة:

في العمق، تبدو إيران اليوم وكأنها تسير على نفس الطريق الذي شقه حزب الله قبل سنوات، ولكن على مستوى دولة لا حزب. المشترك بين الحالتين أن المبالغة في استخدام أدوات النفوذ الخارجي، مع تجاهل الأزمات الداخلية، تؤدي إلى تآكل المشروع من داخله قبل أن يُهاجم من خارجه.

إذا لم تُراجع إيران مقاربتها، فقد تجد نفسها، مثل حزب الله، محاطة بنار الداخل بعد أن استنزفتها مغامرات الخارج.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق