رئيس الفيدرالي.. هل يصمد أمام ضغوط ترامب وتقلبات الأسواق؟

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رئيس الفيدرالي.. هل يصمد أمام ضغوط ترامب وتقلبات الأسواق؟, اليوم الخميس 26 يونيو 2025 07:44 صباحاً

فقد أكد رئيسه، جيروم باول، مراراً التزام البنك المركزي بكبح جماح التضخم، متمسكاً بنهج "الانتظار والترقب" لتقييم التأثير الكامل للرسوم الجمركية المتغيرة على الأسعار.

ومع ذلك، لم تسلم هذه "النبرة الحذرة" من انتقادات حادة من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول دوافع هذا النهج. فهل يشتري باول الوقت لتحييد ضغوط ترامب وقياس أثر الرسوم الجمركية ببراعة؟ وهل تشكل هذه المناورة الحذرة جزءاً من استراتيجية أوسع لمعالجة أزمة الثقة الأميركية، بهدف تحييد الضغط السياسي وفي الوقت ذاته تثبيت التضخم في بيئة اقتصادية متقلبة؟

يواجه الاقتصاد الأميركي حالياً وضعاً معقداً للغاية، حيث يتجاوز "عدم اليقين المتزايد" مجرد وصف للظروف الاقتصادية، ليشمل معضلة السياسة التي يواجهها الاحتياطي الفيدرالي. إن التوترات في الشرق الأوسط تحمل في طياتها احتمالية ارتفاع في أسعار النفط، بينما التداعيات الحالية والمستقبلية للرسوم الجمركية تهدد برفع التكاليف على كل من المستهلكين والمنتجين، مما يُنبئ بمزيج خطير من ارتفاع التضخم وزيادة معدلات البطالة، بحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.

وأضاف التقرير: "في ظل هذه الظروف، يُطرح التساؤل حول المسار الأمثل للبنك المركزي، فالموقف الذي اتخذه الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعه الأخير، والمتمثل في إبقاء سعر الفائدة دون تغيير مع الإشارة إلى خفضين محتملين في وقت لاحق من العام، يبدو خياراً صائباً في ظل سياسة "الانتظار والترقب".

وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي)، قد قرر أخيراً الإبقاء على أسعار الفائدة الأميركية دون تغيير للمرة الرابعة على التوالي، ضمن هامش يتراوح بين 4.25 في المئة و4.50 في المئة، حيث توقع مسؤولو المجلس ارتفاع معدل التضخم خلال الشهور المقبلة، وخفض الفائدة مرتين قبل نهاية العام الحالي، وهي نفس توقعاتهم التي صدرت في مارس الماضي.

وأوضح تقرير الوكالة الأميركية، أنه على الرغم من أن البيانات الاقتصادية الأخيرة قد قدمت بعض الدعم لتخفيف السياسة النقدية، حيث بلغ مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي 2.5 بالمئة في أبريل مقترباً من الهدف البالغ 2 بالمئة، ومع استقرار معدل البطالة، إلا أن سوق العمل يُظهر علامات ضعف خفيفة. ومع ذلك، فإن التحدي الأبرز يكمن في التوقعات الغامضة للرسوم الجمركية وتكاليف الطاقة، والتي تُشكل خطراً كبيراً لارتفاع الأسعار.

ووفقاً لتوقعات الاحتياطي الفيدرالي، يرجح صانعو السياسات أن يبلغ التضخم الأساسي 3.1 بالمئة بحلول نهاية العام. وفي هذا السياق، كان من غير المنطقي للبنك المركزي أن يُعلن عن خفض فوري في سعر الفائدة الرئيسي، مما يُبرر موقفه الحذر، بحسب التقرير.

وذكر التقرير أن تحديد سعر الفائدة المناسب يعد أمراً بالغ الصعوبة في الوقت الراهن، ناهيك عن التنبؤ به لستة أشهر قادمة. وقد وصف باول السياسة الحالية بأنها "مقيدة بشكل معتدل على الأرجح"، مما يُشير إلى أنها أعلى قليلاً من السعر المحايد الذي لا يؤثر على الطلب الكلي. وفي ظل المخاطر الصعودية للتضخم، يبدو هذا التقييم منطقياً.

ويؤكد التقرير أن "الانتظار والترقب" هو الخيار الأفضل المتاح للاحتياطي الفيدرالي حالياً، مشدداً على أن على البيت الأبيض أن يُسهم في دعم مهمة البنك المركزي بتحقيق أقصى قدر من التوظيف وتضخم منخفض، من خلال السماح له بأداء عمله دون تدخل واستعادة الاستقرار التجاري في أسرع وقت ممكن.

وفي السياق ذاته، وبحسب تقرير نشرته شبكة "سي إن بي سي" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، أكد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، التزام البنك المركزي الثابت بالحفاظ على التضخم تحت السيطرة. وقد أشار إلى أن صانعي السياسات سيبقون على أسعار الفائدة دون تغيير حتى يتمكنوا من تقييم الأثر الكامل للرسوم الجمركية على الأسعار.

وعلى الرغم من وصف باول للنمو الاقتصادي بأنه قوي وسوق العمل بأنه قريب من التوظيف الكامل، فقد نوه إلى أن التضخم لا يزال يتجاوز الهدف المحدد للاحتياطي الفيدرالي بنسبة 2 بالمئة، وأن تداعيات رسوم الرئيس دونالد ترامب الجمركية لا تزال غير واضحة. وقد صرّح باول بأن "تغييرات السياسات تستمر في التطور، ولا تزال آثارها على الاقتصاد غير مؤكدة... وستعتمد آثار الرسوم الجمركية، من بين أمور أخرى، على مستواها النهائي".

ولفت التقرير إلى أن هذه النبرة الحذرة تسببت في تفاقم التوتر مع ترامب، الذي صعّد من انتقاداته المستمرة لباول. وفي هجومه الأخير على منصة "تروث سوشيال"، عبر ترامب عن أمله في أن "يقنع الكونغرس هذا الشخص الغبي والعنيد".

ومع ذلك، كرر باول تأكيداته السابقة بأن السياسة ليس لها دور في قرارات الاحتياطي الفيدرالي، قائلاً إن هجمات الرئيس "ليس لها أي تأثير. نحن نقوم بعملنا". ويعكس هذا الموقف إصرار البنك المركزي على استقلاليته في تحديد السياسات النقدية بعيداً عن الضغوط السياسية المباشرة.

أما بخصوص التضخم، فمن المتوقع أن يرتفع المقياس المفضل للاحتياطي الفيدرالي إلى 2.3 بالمئة في مايو، مع ارتفاع المقياس الأساسي (باستثناء الغذاء والطاقة) إلى 2.6 بالمئة. وتاريخياً، أدت التعريفات الجمركية إلى زيادات في الأسعار لمرة واحدة فقط، ونادراً ما كانت مسؤولة عن ضغوط تضخمية طويلة الأمد.

 وأكد باول أن لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية ستوازن هذا الأمر ولن تتعجل في تعديل السياسة حتى تتوفر لديها بيانات أوضح حول كيفية تأثير الرسوم الجمركية هذه المرة.

ويلتزم الاحتياطي الفيدرالي بالحفاظ على توقعات التضخم طويلة الأجل مستقرة ومنع أي ارتفاع لمرة واحدة في مستوى الأسعار من أن يتحول إلى مشكلة تضخم مستمرة، سعياً لتحقيق أهدافه المزدوجة المتمثلة في التوظيف الكامل واستقرار الأسعار، مع الأخذ في الاعتبار أن استقرار الأسعار هو الأساس لفترات طويلة من ظروف سوق العمل القوية.

الفيدرالي يناور بصبر محسوب

في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جميل الشبشيري: "منذ عودته إلى البيت الأبيض، لم يُخفِ الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه على إعادة تشكيل السياسة الاقتصادية بأدوات أكثر حدة وسرعة. في المقابل، يواصل جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، السير بخطى مدروسة وحذرة، متمسكاً بسياسة (الترقب الحذر) رغم تصاعد الضغوط السياسية، فقرار الفيدرالي بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، مع تلميح لاحتمال خفضها لاحقاً، أعاد طرح سؤال جوهري: هل يُناور باول بالوقت لتحييد ضغوط ترامب وقراءة التأثير الكامل للرسوم الجمركية؟".

وأضاف: "في الأسابيع الأولى من ولايته الثانية، وقّع ترامب على عشرات الأوامر التنفيذية، من بينها قرارات بإعادة فرض رسوم جمركية على واردات صينية وأوروبية، بحجة (تصحيح الخلل التجاري) و(إعادة الوظائف إلى الداخل الأميركي)، وبالتوازي مع ذلك، عاد ترامب لمهاجمة الفيدرالي، مطالباً بخفض سريع للفائدة، زاعماً أن السياسة النقدية الحالية تُعمّق ما وصفه بـ (ركود صناعي مؤقت)، لكن الفيدرالي لم يتجاوب مع تلك الدعوات، وقرر تثبيت أسعار الفائدة مع التأكيد على أنه من السابق لأوانه اتخاذ قرار بالخفض الآن، في ظل ما وصفه باول بـ”الضبابية المتزايدة".

علاقة باول بترامب: تاريخ من التوتر  

وذكر الدكتور الشبشيري "أن العلاقة بين باول وترامب لم تكن سهلة قط. في ولايته الأولى، وجّه ترامب انتقادات متكررة لباول، معتبراً أن رفع أسعار الفائدة خنق النمو وزاد كلفة الاقتراض. رغم ذلك، تمسك باول آنذاك بموقفه، مؤكداً استقلالية الفيدرالي عن أي ضغط سياسي".

اليوم، ومع عودة ترامب، تعود هذه الضغوط بصيغة أكثر تنظيماً وفعالية عبر الأوامر التنفيذية والضغط الإعلامي. لكن باول يبدو أكثر تصميماً على عدم التسرع أو الدخول في معركة مباشرة، مفضّلاً المناورة الزمنية كأداة للثبات المؤسسي والمهني، بحسب الشبشيري.

ولفت الخبير الاقتصادي الشبشيري إلى أن "القول بأن باول يُماطل أو يتردد فيه تقليل من تعقيد المشهد. الواقع أن التريث هنا ليس ضعفاً في الرؤية، بل استراتيجية واعية في مواجهة بيئة مليئة بالمفاجآت.  فالرسم النقطي (Dot Plot) الصادر عن لجنة السوق الفيدرالية يُظهر نية لإجراء خفضين في الفائدة خلال عام 2025، وربما بدءاً من سبتمبر. لكن لا شيء في تصريحات باول يوحي أن هذا المسار نهائي، بل إن التوقيت لا يزال مرهوناً ببيانات التضخم والنمو ومؤشرات سوق العمل".

الرسوم الجمركية… طبقة جديدة من الغموض

وأشار إلى أن الرسوم التي أعيد فرضها قد ترفع التكاليف على المنتجين والمستهلكين معاً، فترفع الأسعار على المدى القصير وتضغط على النمو على المدى المتوسط. وهذا يجعل من الصعب على الفيدرالي اختيار اللحظة المناسبة لخفض الفائدة وهذا ينعكس في:

  • تأثير تضخمي قصير المدى: ارتفاع تكاليف الاستيراد ينعكس فورًا على المستهلك، ويزيد من مخاطر عودة التضخم فوق المستوى المستهدف 2 بالمئة.
  • تأثير انكماشي متوسط المدى: ارتفاع الأسعار يقلل من القوة الشرائية، ما يبطئ النمو الاقتصادي ويزيد من احتمال ارتفاع البطالة.

وفي ظل هذا المزيج، يبدو قرار التريث مبنياً على قراءة متأنية للمخاطر، لا على التهاون، وفقاً للشبشيري.

لماذا سبتمبر؟ نقطة التحول المحتملة

وأوضح الدكتور الشبشيري أن الرسم النقطي يشير إلى احتمال بدء خفض الفائدة في سبتمبر 2025. هذا التوقيت يمنح الفيدرالي:

  • مهلة لرصد نتائج الرسوم الجمركية على التضخم.
  • فرصة لتقييم بيانات سوق العمل بعد أي تباطؤ محتمل.
  • مرونة لتعديل المسار إذا ظهرت علامات مفاجئة – سواء تصاعد في الأسعار أو تباطؤ أعمق في النمو.

واختتم الشبشيري حديثه بقوله: "في زمن تتسارع فيه القرارات التنفيذية وتتلاطم فيه الضغوط السياسية، تبدو سياسة التريث التي انتهجها جيروم باول أكثر من مجرد مناورة زمنية؛ إنها خط دفاع عن استقلالية الفيدرالي ومصداقيته. هو لا يرفض خفض الفائدة، لكنه يحمي أدواته ومؤسسته من أن تُختطف في خضم العاصفة السياسية. وفي موازين الاقتصاد والسياسة معاً، قد يكون أهم قرار هو اختيار التوقيت الصحيح لاتخاذ القرار".

باول يرفض الانجرار وراء الخطاب السياسي

من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" طارق الرفاعي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": " "لا أعتقد أن جيروم باول يتأثر بضغط الرئيس دونالد ترامب أو بأي ضغوط سياسية أخرى، فالبنك المركزي الأميركي يتمتع باستقلالية مؤسسية راسخة تتيح له اتخاذ قراراته بعيداً عن التجاذبات السياسية. بأول".

منذ بداية ولايته، أظهر باول تمسكاً واضحاً بهذه الاستقلالية، وركّز دائماً على قراءة المؤشرات الاقتصادية الفعلية، لا سيما نسب التضخم والبطالة، باعتبارها الأساس العلمي والمهني الوحيد في رسم السياسات النقدية، بحسب تعبيره.

وأضاف الرفاعي: "ما نشهده اليوم هو استمرار لهذا النهج، حيث يرفض باول الانجرار وراء الخطاب السياسي أو الانفعالات الآنية، ويتمسك برؤية مبنية على البيانات والتحليل الاقتصادي الدقيق. لذلك، فإن قرارات الفيدرالي لا تعكس استجابة لضغط من البيت الأبيض، بل تأتي في إطار استراتيجية مدروسة تستند إلى هدف مزدوج: احتواء التضخم وتحقيق الاستقرار في سوق العمل".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق