نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خطة إنفاق تاريخية في ألمانيا.. ما هي أبرز الفرص والتحديات؟, اليوم الخميس 20 مارس 2025 10:44 صباحاً
لطالما عُرفت ألمانيا بانضباطها المالي الصارم وسياساتها الاقتصادية المحافظة، إلا أن التغيرات الأخيرة في المشهد السياسي والاقتصادي دفعت برلين نحو تحول جذري في نهجها المالي.
أقر البرلمان الألماني مشروع قانون إنفاق تاريخي يسمح للحكومة بتمويل مئات المليارات من اليورو للبنية التحتية، وكذلك الدفاع استجابة للإشارات المرتبطة برغبة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانسحاب من البنية الأمنية الأوروبية.
ويمثل هذا الإقرار تحولا ماليا كبيرا بالنسبة لبلد ظل مقيداً لفترة طويلة بالتقشف في الإنفاق بموجب ما يسمى "كابح الديون" الذي تم فرضه في عام 2009. وكما كان متوقعا، أعطى البرلمان الألماني الثلاثاء الضوء الأخضر لتمرير حزمة ديون ضخمة مخصصة للإنفاق الدفاعي والاستثمارات في البنية التحتية وحماية المناخ، وذلك بعد أن حصلت التعديلات الدستورية اللازمة لتمرير هذه الحزمة على موافقة ثلثي الأعضاء.
تمثل خطط الإنفاق الضخمة انحرافاً جذرياً عن عقود من الالتزام المالي الذي اتسمت به ألمانيا، حيث كان الخوف التقليدي من الإفراط في الإنفاق مدعوماً بمكابح قانونية للديون لمنع الإفراط في الاقتراض الحكومي، فيما يعرف بقاعدة "كابح الديون".
ورحب المستثمرون والشركات بالخطة، التي تشمل 500 مليار يورو لإنفاقها على البنية التحتية القديمة في البلاد والمبادرات الخضراء، على أمل أن تؤدي إلى تنشيط الاقتصاد الذي شهد نموا ضئيلا في العام الماضي وكان من المتوقع أن يركد في عام 2025.
وقال وامباك من مركز ZEW: “على وجه الخصوص، تحسنت آفاق مصنعي المعادن والصلب وكذلك قطاع الهندسة الميكانيكية".
ويشير تقرير لـ "ماركت ووتش" إلى أنه:
- بينما عقد البرلمان الألماني جلسة طارئة يوم الثلاثاء الماضي للتصويت على خطة إنفاق بمئات المليارات من اليورو، أصبح من الواضح أن الدعم المالي المقترح كان له بالفعل تأثير على المواقف تجاه أكبر اقتصاد في أوروبا.
- أظهر مسح معهد ZEW لثقة المستثمرين في الاقتصاد أن مؤشر التوقعات ارتفع إلى 51.6 في مارس من 26 في الشهر السابق - وهو أعلى قراءة منذ فبراير 2022. وكان الاقتصاديون يتوقعون قراءة 48.3، وفقًا لاستطلاع أجرته بلومبرغ.
- قال رئيس معهد ZEW، أخيم وامباك: "من المرجح أن يكون المزاج الأكثر إشراقا نتيجة للإشارات الإيجابية فيما يتعلق بالسياسة المالية الألمانية المستقبلية، على سبيل المثال الاتفاق على الحزمة المالية بمليارات اليورو للميزانية الفيدرالية".
مؤيدون ومعارضون
من برلين، يقول الخبير الاقتصادي ناجح العبيدي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- التعديلات "تعني تحولاً جذرياً في السياسة المالية الألمانية.. ويتعين الآن مصادقة مجلس الولايات لكي يصبح التعديل نافذ المفعول".
- بهذا تودع ألمانيا سياستها المالية التقليدية التي طالما عُرفت بتمسّكها بالانضباط المالي والتقشف على مدى عقود طويلة.
- يبرر مؤيدو التخلي عملياً عن كابح الديون وفتح المجال أمام زيادة الإنفاق الحكومي بالتغيرات المفاجئة في الوضع الدولي جراء التقارب بين الرئيسين الأميركي والروسي واضطرار أوربا للاعتماد على نفسها في مواجهة التهديدات الروسية.
- هذا إضافة إلى البنية التحتية المهترئة جراء الإهمال في تنفيذ الاستثمارات الضرورية على مدى عقود.
- يشير مؤيدو التعديل الدستوري إلى ضعف الجيش الألماني حالياً وعدم قدرته على خوض الحرب وسط مشهد جيوسياسي غاية في الخطورة وحاجته للتحديث في مجالي العدة والعدد.
غير أن منتقدي التعديلات يرون في الاستعانة بالبرلمان المنتهية ولايته حيلة قانونية غير مقبولة والتفافا على إرادة الناخبين، وفق عبيدي الذي يقول: "لقد تم اللجوء إلى البرلمان القديم خشية وجود الثلث المعطل في البرلمان المنتخب حديثا، لا سيما وأن التعديلات الدستورية تتطلب أغلبية الثلثين".
ويضيف: يؤكد معارضو التعدلات الدستورية من السياسيين والخبراء الاقتصاديين أن التخلي عن كابح الديون سيعرض الاقتصاد الألماني لمخاطر التضخم وسيزعزع الثقة بالاستقرار المالي الذي طالما ارتبط بالاقتصاد الألماني. كما يحذر المنتقدون من أن التساهل في تطبيق كابح الديون سيشجع على تبديد المال العام لأغراض غير ضرورية وبما يخدم الأحزاب ومصالحها الفئوية الضيقة.
ويعتقد بأنه "صحيح أن زيادة الإنفاق العام ستحفز النمو الاقتصادي على المدى القصير ولكن مخاطر التضخم وزعزعة الاستقرار المالي وتراجع الثقة بالعملة الأوروبية المشتركة ستقوض فرص النمو على المدى المتوسط والطويل، لا سيما وأن الاقتصاد الألماني، ثالث أقوى اقتصاد في العالم وأكبر اقتصاد أوروبي يواجه الركود للسنة الثالثة على التوالي بسبب أخطاء في السياسة الاقتصادية للحكومة المنتهية ولايتها".
ويستطرد: "من المؤكد أن التحول الجذري في السياسة المالية سيلقي بظلاله على المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة والتي من المتوقع أن ترى النور في الأسابيع القليلة المقبلة".
حزمة إنفاق تاريخية
يسمح مشروع قانون الإنفاق، الذي دافع عنه زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي المحافظ في ألمانيا والمستشار المنتظر فريدريش ميرز، للإنفاق الدفاعي بتجاوز 1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعادل نحو 45 مليار يورو، دون حد أقصى.
بالإضافة إلى ذلك، تتضمن الخطة صندوقًا خاصًا بقيمة 500 مليار يورو للاستثمار في البنية التحتية على مدى السنوات الاثنتي عشرة المقبلة، يُخصص منها 300 مليار يورو للحكومة الفيدرالية، و100 مليار يورو لحكومات الولايات، و100 مليار يورو لصندوق التحول المناخي. كما سيرفع مشروع القانون سقف الاقتراض لحكومات الولايات من 0 إلى 0.35 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
في السياق، يشير تقرير لـ "يورو نيوز" إلى أنه "في حين يظل المستثمرون متفائلين على نطاق واسع بشأن حزمة الإنفاق التاريخية، فإن الإصلاح له آثار أوسع نطاقا على أسواق الأسهم الألمانية وسندات الحكومة".
وكتب رئيس الاقتصاد الكلي العالمي في بنك آي إن جي، كارستن برزيسكي، في تقرير صدر يوم الثلاثاء: "إذا تم تنفيذها (الخطة) بالطريقة الصحيحة، فإن الاستثمار في البنية التحتية من شأنه أن يؤدي إلى انتعاش دوري على الأقل.. لقد زادت بشكل واضح فرص حدوث انتعاش دوري في الاقتصاد الألماني على خلفية تأثيرات المشاعر الإيجابية والإنفاق الفعلي في وقت لاحق."
ولكنه حذر أيضا من أن حزمة الإنفاق "لن تفعل الكثير لتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد" بسبب التحديات الهيكلية المستمرة.
وكتب رئيس قسم أسعار الفائدة العالمية، روجر هالام، و كبير الاقتصاديين في فانجارد،شان رايثاثا، في تقرير صدر يوم الجمعة الماضي: "نتوقع أن تظل أسواق السندات الأوروبية متقلبة مع استيعابها لتداعيات هذه الزيادة الكبيرة في الديون الحكومية الداخلة إلى السوق، فضلاً عن إمكانية ارتفاع تكاليف الاقتراض على المدى الطويل".
ومن المتوقع أن يُنعش هذا الإصلاح المالي التاريخي الاقتصاد الألماني، الذي انكمش لعامين متتاليين وسط ارتفاع التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار الطاقة، وضعف الإنفاق الحكومي، وارتفاع أسعار الفائدة. وقد واجهت البلاد ضغوطًا متزايدة لتخفيف قيود الاقتراض، التي تُحدد حاليًا عجز الحكومة عند 0.35 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. مع ذلك، قد يستمر التقلب في سوق السندات الألمانية بسبب المخاوف من تزايد العجز المالي.
أهمية الخطة
وإلى ذلك، يؤكد رئيس المنظمة الألمانية الروسية للتنمية، عبد المسيح الشامي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" على أهمية خطة الإنفاق الضخمة التي أقرها البرلمان الألماني، مشيراً إلى تأثيرها الإيجابي المباشر على الاقتصاد الألماني.
بحسب الشامي، فإن هذه الحزمة المالية ستسهم في ضخ سيولة كبيرة في الأسواق، مما يعزز القدرة الشرائية للمستهلكين، ويحسن البيئة الاستثمارية والاقتصادية بشكل ملحوظ. كما أن تخصيص جزء كبير من هذه الحزمة للبنية التحتية سيؤدي إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما يعزز كفاءة الاقتصاد الألماني بشكل عام.
ويلفت أيضاً إلى أن الخطة، التي تبلغ قيمتها 500 مليار يورو، لن تقتصر فوائدها على هذا الرقم فقط، بل ستفتح المجال أمام تدفقات استثمارية إضافية قد تصل إلى 1.5 تريليون يورو، من خلال تعزيز التعاون مع المؤسسات الأوروبية والعالمية. ونتيجة لذلك، يتوقع أن تشهد الأسواق الألمانية انتعاشاً ملحوظاً، مما سيؤدي إلى تحسن في أداء الشركات التي تأثرت بالعقوبات المفروضة على روسيا والحرب في أوكرانيا.
ومع ذلك، يحذر الشامي من أن هذه الخطة قد تؤدي إلى ارتفاع مستوى الدين، مما قد يفرض ضغوطاً تضخمية على الاقتصاد الألماني. لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن الحكومة الألمانية تضع استراتيجيات للحد من مخاطر التضخم، وأنه من المتوقع أن تكون الأمور تحت السيطرة، مع تحقيق نتائج إيجابية كبيرة على المدى المنظور.
كابح الديون
من جانبه، يقدم الكاتب والمحلل المتخصص في الشؤون الأوروبية، الدكتور عبد الرحمن عمار، تحليلاً حول تأثير قاعدة الديون على الاقتصاد، في تصريح لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية". ويشير إلى أن "قاعدة الديون تحمل تأثيرات مزدوجة، فمن ناحية قصيرة الأجل، تسهم في ضبط مستويات الاقتراض، مما يحافظ على التوازن المالي للدولة. أما على المدى البعيد، فهي توفر إطاراً مالياً مستداماً يعزز استقرار الاقتصاد".
ولجهة النقاط الإيجابية، فيشير إلى أن من شأن الخطة المالية "تحقيق التوازن الاقتصادي"، إذ تسهم قاعدة الديون في استقرار الاقتصاد الكلي من خلال الحد من المخاطر الناجمة عن تراكم الديون، مما يمنح الدول قدرة أكبر على مواجهة الأزمات المالية.
لكن على الجانب الآخر يحذر من "ضعف الاستثمار" إذ قد تؤدي القيود المفروضة على الاقتراض إلى تراجع الاستثمارات الحيوية في قطاعات مثل البنية التحتية والتعليم، مما قد يعرقل النمو الاقتصادي. كما ينبه إلى خطورة "إرهاق الأجيال القادمة بالديون"، ذلك أنه في حال عدم توفر مصادر كافية لتمويل الاحتياجات الاقتصادية، قد تجد الأجيال المستقبلية نفسها مضطرة لتحمل أعباء مالية كبيرة لسداد الديون المتراكمة.
كما يؤكد عمار أن تحقيق التوازن بين ضبط الديون والاستثمار في المستقبل هو التحدي الأكبر أمام السياسات المالية المستدامة.
0 تعليق