نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بقلم عماد درويش: سافروا قبل فوات الأوان!, اليوم السبت 12 أبريل 2025 11:47 صباحاً
نشر في تونس الرقمية يوم 11 - 04 - 2025
الرِّهان كبير، والخيار صعب إلى حدّ الحيرة: هل يجب أن نهتم بتنمية السياحة لما لها من تأثير على الاقتصاد وتوفير فرص العمل، أم أن ننشغل بحجم حركة الطيران المتزايدة ورحلاته المضاعفة وما يترتب عليها من آثار على المناخ والبيئة؟
هل يمكن التوفيق بين ازدهار السياحة والحفاظ على البيئة؟ وهل توجد بدائل للطائرة، باعتبارها وسيلة نقل تستهلك كميات هائلة من الطاقة وتُعدّ من أكثر وسائل النقل تلويثاً للبيئة؟
كل هذه الأسئلة تطرح نفسها بإلحاح على علماء المناخ، الذين يروجون لاستخدام وقود الطيران المستدام (SAF)، وعلى الفاعلين في قطاع السياحة العالمي، حيث يُعتبر النقل الجوي ركيزة أساسية لا غنى عنها لاستدامة النشاط السياحي وتطوره.
بين معارضي النقل الجوي والمدافعين الشرسين عنه، تدور معركة محتدمة من الحجج. فإذا كان الفريق الأول يستند إلى البصمة الكربونية العالية للطيران كدليل قاطع على مساهمته الكبرى في التلوث، فإن المتشككين في التغير المناخي يردّون بأن حساب البصمة الكربونية يتم بناءً على رحلة من نقطة "أ" إلى نقطة "ب"، دون مراعاة لعدد الركاب. فالبصمة الكربونية يجب ألا تُحسب على أساس الطائرة ذاتها، بل على أساس عدد الركاب المنقولين.
المعادلة معقّدة بلا شك، فبين نمو النقل الجوي وتبعاته الاقتصادية من جهة، والطموحات البيئية التي تدعو إلى فرض ضرائب على الطيران لتقليل الحركة الجوية وتخفيف الازدحام في السماء وتنقية الكوكب من جهة أخرى، تكاد الحلول تكون مستعصية رياضيًّا.
الاتجاه العام يميل إلى تقليل حركة الطيران، وهناك بالفعل عدة مقترحات قيد الدراسة، مثل توصية الأمم المتحدة بخفض حركة الطيران بنسبة 20% للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أو مقترحات بعض المنظمات البيئية غير الحكومية التي تدعو إلى فرض ضرائب باهظة على النقل الجوي، مما سيؤدي مباشرة إلى ارتفاع كبير في أسعار تذاكر الطيران، وبالتالي إلى اندثار شركات الطيران منخفض التكلفة، التي وإن كانت قد جعلت السفر في متناول الجميع، إلا أنها ساهمت أيضاً في تضاعف الحركة الجوية وما ينتج عنها من انبعاثات كربونية.
باتت حرية التنقل الجوي مهددة بأن تصبح امتيازاً صعب المنال، وأدعو عشّاق السفر والاكتشاف إلى اغتنام الفرصة والسفر قدر الإمكان قبل عام 2030، لأنه بعد هذا التاريخ، سنشهد انفجاراً في الأسعار واختفاء شركات الطيران منخفض التكلفة التي ستتحول إلى شركات عالية التكلفة، موجهة فقط إلى فئة محدودة، كما كان الحال في سبعينيات القرن الماضي.
ومن الآثار الأخرى لهذا التوجه البيئي في قطاع النقل الجوي، التأثير المباشر على السياحة. ولهذا، أدعو جميع العاملين في القطاع إلى الاستعداد لهذا التحوّل عبر إعادة صياغة شاملة للاستراتيجيات السياحية والنماذج الاقتصادية، إذ إن أسعار التذاكر المرتفعة ستجعل من السياحة الجماعية والفنادق الاقتصادية خيارات غير قابلة للاستمرار، وستكون البدائل في سياحة نوعية راقية، تعتمد على جودة الخدمات، وروعة التجارب التراثية والثقافية، والمغامرات الفريدة.
للحد من البصمة الكربونية لهذا القطاع، تبدو البدائل عن الكيروسين معقدة وصعبة التحقيق، فكهربة محركات الطائرات أمر مستحيل حالياً، واستبدالها يتطلب سنوات من البحث والتطوير. والحل الأسرع يكمن في استخدام وقود أخضر متوافق مع المحركات الحالية وينتج عنه انبعاثات أقل من ثاني أكسيد الكربون.
ومن بين هذه البدائل، يبرز وقود الطيران المستدام (SAF)، وأدعو شركات تصنيع الطائرات وشركات الطيران إلى تبنّيه، لما له من مزايا مزدوجة: فهو مصنوع من مواد أولية متجددة مثل زيت الطهي المستخدم، ومخلفات الكتلة الحيوية، والنفايات الزراعية، والطحالب، ولا يتطلب تعديلات على المحركات الحالية. وقد بادرت شركة "فيرجن" التي انضمت إلى برنامج SAF بتسيير رحلة عبر المحيط الأطلسي من نيويورك إلى لندن باستخدام 100% من هذا الوقود المستدام، لتكون مثالاً يحتذى به، رغم أن إنتاج هذا الوقود ما زال محدوداً وغير قادر على تلبية الطلب المتزايد.
وبرأيي، يمكن أن يشكل وقود الطيران الإلكتروني (eSAF) فرصة ذهبية لتونس، إذا قررنا إنشاء وحدة إنتاج لتزويد جميع مطاراتنا ومطارات جيراننا به، مما يجعل من بلادنا مركزاً إقليمياً للوقود الأخضر، كمحطة تزويد لخطوطنا الوطنية وللشركات الأجنبية التي تخدم مطاراتنا، وأيضاً كرافعة لقطاعنا السياحي، الذي يمكن أن يتفاخر حينها بحمل "العلامة الخضراء".
كل العوامل متوفرة لتحويل تونس إلى مركز إقليمي ل eSAF، مع ضرورة إعادة تأهيل مصفاة STIR في بنزرت، التي تعاني من تقادم معداتها وضعف مردوديتها مما يهدد توازنها المالي، وتحويلها إلى وحدة لإنتاج الوقود الأخضر، وهو ما يمكن أن يدر ملايين الدولارات من الأرباح، ويكون مثالاً على التزام تونس تجاه البيئة وكوكب نظيف.
هكذا، يبدو eSAF الحل المثالي لهذه المعادلة المعقدة، والجواب الأمثل لهذا الخيار الصعب بين حرية التنقل، وديمقراطية السفر، وحماية كوكبنا، حيث يوفر لنا في الوقت ذاته القدرة على التحرك بحرية، وتحقيق التنمية، وتلبية رغبة الإنسان في الاستكشاف، مع احترام هذا الحق الإنساني الأصيل في بيئة صحية ونظيفة.
عماد درويش
.
0 تعليق