يعرّف مؤلف جديد صادر عن مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات بحياة ومواقف وأشعار محمد المهدي الناصري “نزيل تدغة”، الذي عاش بين سنوات 1859 و1929، بمبادرة من الباحث خالد ناصر الدين.

ويفنّد هذا الكتاب “اعتقادا خاطئا مفاده أن الإشعاع العلمي والثقافي مقتصر على الحواضر فقط، وأنه لا حظَّ للبوادي ولا لأهلها من كل ذلك (…) واحة تدغة من البوادي التي ظلت طي الكتمان والتخفي، تنتظر من يستجلي بعض صور ومشاهد حضورها في التاريخ جهويا ووطنيا، كما ظلت تنتظر من يكشف النقاب عن الجواهر واللآلئ المطمورة في أجوافها، وتنتظر أيضا من ينصف عطاءها العلمي الذي تعرض، في أغلبه الأعم، للضياع لولا وثائق ومخطوطات، وبقايا أضرحة، وآثار عمرانية، تنبئ بما كان لهذا الفضاء”.

ويعرّف المؤلّف بـ”علَم من أشهر أعلام واحة تدغة، هو العلامة المهدي الناصري الذي طبقت شهرته الآفاق طوال عقود امتدت منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي إلى حدود العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين”، مع استحضار الخاصية العامة المتمثلة في تقصير مغاربةٍ “في حق علمائهم، وقلة تصنيفهم لكتب التاريخ والتراجم”.

ويسلّط الكتاب أضواء على سيرة العلَم المترجَم، بناء على “وثائق تنشر لأول مرة”؛ من بينها رسالة جوابية من محمد المختار السوسي، وظهائر سلطانية، وقصائد شعرية نظمها المهدي الناصري في منفاه بتلوات يهجو فيها الكلاوي، وتقييد بعنوان “الرحلة الجهادية لقطر سجلماسة” بقلم المهدي الناصري، وهو تقييد يكشف انخراطه الفعلي في الشأن السياسي.

ويضم المؤلف الجديد، في قسمه الثاني، ديوانا شعريا خاصا بالمهدي الناصري، بعدما فُقد ديوانه، فصنعه خالد ناصر الدين في انتظار اكتشاف المخطوط المفقود، انطلاقا من الأشعار المتوفرة لديه سواء في كتاب المترجَم “نعت الغطريس” الذي سبق أن حقّقه الباحث، بالإضافة إلى مجموعة من القصائد والمقطوعات المخطوطة، والأرجوزات التي عرّف فيها بعلماء أخذ عنهم في تدغة وفاس، أو نظم فيها رحلات له، أو أرّخ فيها دول المغرب.

ويصحّح هذا المؤلف الجديد جملة مما اعتبره “مغالطات” و”أحكام تنقيص” لاحقت العلم الراحل انطلاقا من موقف له عبّر عنه في “نعت الغطريس”، مع دعوة الباحث بعد تجربته في التحقيق والتنقيب التي أوصلته إلى حكم مخالف إلى أن الدرس العلمي هو “ضرورة التروي والتثبت قبل إصدار الأحكام؛ حتى لا يتحول المؤرخ إلى قاض جلاد يصدر أحكاما قاسية وظالمة بناء على مقدمات ومعطيات ناقصة”.