واضعين نصب أعينهم عرض مختلف التحديات الأمنية والمناخية التي تطوّق بلدان القارة السمراء، وسبل تفعيل أدوار أحزابهم السياسية منفردة أو في إطار المظلة التي تلمهم: الأممية الاشتراكية، التأم اليوم بالرباط ممثلون عن عدة أحزاب سياسية إفريقية، ذات مرجعية اجتماعية واشتراكية، بعضهم يتقلدون مناصب قيادية ببلدانهم، ضمن أشغال لجنة إفريقيا بالأممية الاشتراكية، التي افتتحت بمقر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
لقاءات اللجنة المرتقب أن تمتد على مدار يومين لن تكتفي فقط بمناقشة ما يجد من صراعات مؤرقة داخل البلدان الإفريقية، نحو الكونغو الديمقراطية ورواندا فقط، بغية التفكير في إيجاد “حلول إفريقية لها”، أو ما تشكوه من “تغيرات مناخية من فيضانات وجفاف بات يهدد بعضها بالمجاعة”، بل ستذهب أيضا نحو “طرح رؤية الأفارقة للصراع بين الفلسطينيين والإسرائليين، وبلورة كيفية المبادرة لمحاكمة إسرائيل على جرائمها”، مع مهر كل ذلك “بإعلان الرباط”، الذي سيضم ما تمخضت عن هذه اللقاءات من توصيات.
“علاقات مزدهرة”
إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قال إن “الشراكة المغربية الإفريقية التي تناقش اليوم هي إحدى الركائز الأساسية لسياسة المملكة الخارجية؛ فهي ليست وليدة اللحظة، بل لها أواصر متجذرة في التاريخ، ويقودها اليوم الملك محمد السادس”، مردفا بأنها “تجارية توطدها روابط الدين والثقافة، وتتعزز بالجهود المشتركة في التنمية والتعاون”.
وأضاف لشكر، في كلمته خلال افتتاح أشغال اللجنة، أن “العلاقات بين المغرب والدول الإفريقية تطورت إلى شراكة متبادلة أثرت على كلا الجانبين بشكل عميق”، مبرزا “وجود طلبة مغاربة يتوجهون إلى دول مثل السنغال وتونس، ليس فقط لتلقي التعليم، بل أيضا لتعزيز فهمهم للتنوع الإفريقي، موازاة مع فتح المدارس العليا المغربية أبوابها للكفاءات الإفريقية، خاصة من دول جنوب الصحراء”.
واستحضر المتحدث على صعيد متصل “توقيع المغرب أكثر من 1.000 اتفاقية تعاون وشراكة مع غالبية الدول الإفريقية، في كل المجالات”، لافتا إلى “تشكيل عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017 نقطة تحول إستراتيجية في تعزيز هذه العلاقات، من خلال التزامه ببناء شراكات جنوب – جنوب، بمنطق رابح – رابح”، مضيفا أن ذلك جسدته مشاريعه المغرب اليوم داخل القارة، من قبيل “أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، الذي هو طريق تنمية حقيقي، لأن بعض الدول التي يمر منها لا يتجاوز مستوى الربط الكهربائي فيها 15 في المائة”.
كما ذكّر الفاعل السياسي ذاته بإطلاق المملكة “المبادرة الأطلسية التي تضم 23 دولة إفريقية مطلة على الأطلسي، كخطوة إستراتيجية تهدف إلى خلق فضاء اقتصادي وتنموي جالب للاستقرار والفرص لشعوب القارة”، مبرزا أن “المشاريع الكبرى التي أطلقها لتعزيز بنيته التحتية على غرار ميناء الداخلة الأطلسي توفر بنية عالية الجودة، ليس للمغرب فقط، بل لكل دول إفريقيا”، وتابع: “دول الساحل أشركت كذلك في هذه المبادرة، من خلال تمكينها من منفذ إلى المحيط الأطلسي”.
وأوضح لشكر أنه “على الجانب الأمني ثمة التزام مغربي راسخ بأمن واستقرار القارة، ما يؤشر عليه كون المغرب من أكثر دول إفريقيا مساهمة في قوات حفظ السلام بمناطق النزاعات الإفريقية، طبقا لعقيدته المحترمة لسيادة الدول”، موردا أنه “على المستوى الدبلوماسي يشكل تقريب وجهات النظر بين دول القارة جزءا من سياسته الخارجية”.
وأشار زعيم “الوردة” إلى مواصلة حزبه حضوره النشيط في مختلف المنظمات والمنتديات الفكرية القارية، “مدافعا قويا عن حق إفريقيا في التنمية العادلة والمستدامة”، وزاد أنها “في رؤية الحزب ليست مجرد خزان للموارد أو فضاء للمنافسة الدولية، بل هي ركيزة لبناء نظام عالمي جديد قائم على العدالة والكرامة الإنسانية”.
وأكد المسؤول الاتحادي، من هذا المنطلق، أن “التحديات التي تواجه إفريقيا ليست مجرد أزمات ظرفية، بل هي نتيجة غياب العدالة في النظام الدولي الحالي”، لافتا إلى عمل حزبه على “تعزيز مفهوم جديد للتنمية والتضامن الإفريقي”.
“القارة تواكب التحديات”
مانويل دومينغوس أوغيستو، رئيس لجنة إفريقيا للأممية الاشتراكية، قال إن “الجهود التي تبذلها اللجنة لا تشمل إفريقيا فقط، بل تمتد إلى دول خارج القارة كذلك”، مستحضرا بدايةً “بعض التوترات البارزة في قارتنا، على رأسها السودان التي تستقبل دولها المجاورة مليون ونصف المليون لاجئ جراء الصراع”.
وأوضح أوغيستو في كلمته الافتتاحية: “الأزمات العالمية تجعل الأفارقة في متاهة؛ فالشرق الأوسط امتداد لقارتهم، وإذا لم يساهموا في حلول لمشاكله فإنهم يرتكبون خطأ”، مشددا على أنه “لا يجب السماح لإسرائيل، هذه القوة الشريرة في المنظومة العالمية، أن تبقى بعيدة عن العدالة بعدما ارتكبت مجازر كثيرة”، وشرح: “لا يجب أن نقتصر على التضامن فقط، بل أن نحدث تغييرا (..) فإذا تركنا القوى الكبرى تقرر دائما فإن الشعوب الضعيفة ستظل دائما تدفع الثمن”.
وعودة إلى مشاكل القارة مرة أخرى أكد السياسي الإفريقي أنها “تعاني من آثار التغير المناخي التي خفّضت التساقطات المطرية بها؛ فمات مئات المواطنين في تشاد مثلا بسبب تراجع المحصول الزراعي جراء ذلك، والأمر نفسه يتكرر في النيجر والسنغال ودول إفريقية كثيرة”، موضحا أن “التأثيرات متفاوتة، لكن ينبغي التقليل منها، والاستعداد للمبادرة في هذا الشأن خلال اللقاء عوض الحديث باستفاضة”.
كما قال المتحدث ذاته إن “أوروبا تعيش مشاكل سياسية لا ينبغي أن يغلق الأفارقة أفواههم عنها، خصوصا نمو الشعبوية، هذا المشكل الإديولوجي”، ممثلا لذلك بـ”عدم الاستقرار المؤسساتي في فرنسا الذي لا يبشر بالخير”، ومحذرا من أن “التغير الذي يحصل فيها ليس ببعيد عن القارة”، وزاد: “دور الشباب الافريقي حيوي، لأنهم يتميزون بعدم صبرهم على التغيير لما يعيشونه من واقع مرير”.
“مشاكل إفريقيا لأهلها”
من جهته قال عبد الهادي الحويج، رئيس حركة المستقبل الليبية ووزير الخارجية والتعاون الدولي المفوض بالحكومة الليبيبة: “إن هذا الاجتماع الذي يلم قوى ديمقراطية اجتماعية في المنطقة العربية والافريقية سيحاول التفكير خارج الصندوق وبشكل مبادراتي لطرح حلول لمشاكل القارة”، مبرزا أن “ليبيا مثلا تواجه أزمة منذ سنوات فشل المجتمع الدولي والبعثة الأممية في حلها”.
وأشار الحويج، في تصريح لهسبريس على هامش اللقاء، إلى تعويل بلاده “على الدور والعمل الإفريقي المشترك من أجل بلورة حلول ناجعة للأزمة؛ فمشكل ليبيا إفريقي ويجب أن يكون حله إفريقيا كذلك”، مستحضرا أن “المملكة لعبت ومازالت دورا مهما في سبيل بلوغ هذا الهدف”، وأن “هناك لقاء هاما اليوم بطنجة يجمع عددا كبيرا من أعضاء مجلس النواب الليبي وأعضاء مجلس الدولة”.
وأكد المتحدث على صعيد آخر أنه “لا بد من رفع الصوت عاليا والمناداة بوقف العدوان الغاشم على غزة، وحل منصف للقضية الفلسطينية”، مردفا بأن “الأممية الاشتراكية يمكن أن تساهم من خلال التعبئة والتحسيس في هذا الجانب، وهناك منها أحزاب في السلطة بإمكانها أن تساند جهود الحل”.
وأوضح فادي بياضي، برلماني مصري ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، في تصريح لهسبريس على هامش الحدث، أن “الأحزاب التقدمية الاشتراكية محتاجة للاتحاد، خصوصا أمام يحدث هذه الأيام من سقوط أنظمة وتركها فراغا تسده جهات غير مرغوب في صعودها إلى السلطة، مثلما حدث في سوريا”، وتابع: “ما يحدث يعطينا درسا في أهمية اتحاد الأنظمة الحاكمة والأحزاب المعارضة في الفترة القادمة، على هدف إرساء مبادئ مؤسسية وديمقراطية، مع تقوية الأحزاب المدنية الموجودة لأن ضعفها هو ما يمنح الفرصة لتلك الجهات”.
" frameborder="0">
0 تعليق