تخوض قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية معارك مع مقاتلين إسلاميين في مدينة جنين منذ أيام، في محاولة لفرض سيطرتها على أحد المعاقل التاريخية للفصائل المسلحة بالضفة الغربية قبل تغير محتمل في السياسة الفلسطينية بعد حرب غزة.
ووفقا لـ«رويترز»، دخلت قوات تابعة للسلطة الفلسطينية، التي تمارس حكما ذاتيا محدودا في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، مدينة جنين في أوائل ديسمبر (كانون الأول) وتشتبك منذ ذلك الحين مع مقاتلين من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) ومن حركة الجهاد الإسلامي.
وقُتل ثلاثة أشخاص على الأقل، بينهم قيادي كبير في «الجهاد الإسلامي» ومدنيان.
ودعا مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية إلى إجراء تحقيق فيما وصفه بانتهاكات لقانون حقوق الإنسان ارتكبتها قوات الأمن الفلسطينية.
وأقامت قوات الأمن الفلسطينية المدججة بالسلاح في ناقلات جند مدرعة نقاط تفتيش في أنحاء المدينة وخارج مخيم اللاجئين المجاور، حيث تكررت الاحتجاجات من قبل السكان ضد العملية.
ويقول سكان إن سلوك قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية يشبه الأسلوب الذي دأب الجيش الإسرائيلي على اتباعه في جنين.
والمدينة ومخيم اللاجئين منذ فترة طويلة مركز لنشاط فصائل فلسطينية مسلحة، حيث اشتبك مقاتلون مع القوات الإسرائيلية التي شنت مداهمات واسعة النطاق أحدثت دمارا بالطرق والبنية التحتية.
قال مالك جابر أحد سكان جنين: «السلطة ما معهم ديناين (جرافات) الجيش (الإسرائيلي) معهم ديناين، هذا إلي بيفرق بس».
وذكر العميد أنور رجب المتحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية: «تعمل الأجهزة الأمنية منذ أيام على ملاحقة الخارجين على القانون بكافة عناوينهم ومسمياتهم ضمن خطة معدة مسبقا، حيث تم اعتقال العديد ممن اختطفوا مخيم جنين تحت سطوة البلطجة والمال المشبوه وبترهيب السلاح وسيتم تقديمهم للعدالة وفرض النظام والأمن وبسط سيادة القانون وإزالة كل ما يعكر صفو الحياة اليومية للمواطن».
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، الذي زار جنين مع قادة المؤسسة الأمنية الفلسطينية في مطلع الأسبوع، «مخيم جنين وباقي المخيمات رمز عزتنا، وهذا عهد من الرئيس ومنا جميعا، وهي رمز وطني ويجب أن نحافظ عليه، لكن يجب عدم سلب أهلنا في المخيمات سبل العيش الكريم».
وأضاف: «نعمل على استعادة زمام المبادرة في كافة محافظات الوطن، والنتيجة ستكون إيجابية للجميع، من خلال تحقيق الأمن والتنمية لأبناء شعبنا في طريق تجسيد الدولة المستقلة».
بيد أن العملية الأمنية لاقت معارضة قوية في جنين واندلعت اشتباكات في مدن أخرى بالضفة الغربية، منها طوباس في غور الأردن وطولكرم في الشمال.
إثبات جدارتها
قال هاني المصري، المحلل السياسي الفلسطيني في رام الله، إن توقيت العملية هو دلالة على أن السلطة الفلسطينية تسعى «لإثبات جدارتها» من أجل الحفاظ على دورها في الضفة الغربية بينما تستعد لدور مستقبلي محتمل في غزة.
وأضاف في تعليقه على العملية الأمنية: «نعم لإثبات جدارتها حتى يُقبل استمرارها بالضفة ولكي تقبل (إسرائيل) عودتها إلى غزة».
تأسست السلطة الفلسطينية قبل ثلاثة عقود بموجب اتفاقيات أوسلو المؤقتة للسلام وأسندت إليها سلطة محدودة في الضفة الغربية وغزة، حيث يأمل الفلسطينيون في إقامة دولة مستقلة. وخلال اقتتال اندلع عام 2007 تمكنت «حماس» من إبعاد السلطة الفلسطينية عن غزة.
ومنذ الهجوم الذي شنه مسلحون بقيادة «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تعهدت إسرائيل بطرد «حماس» من غزة.
وتقول إسرائيل إنها تعتقد أيضا أنه يجب ألا يكون للسلطة الفلسطينية أي دور في غزة بعد الحرب، لكن معظم الدول الغربية والعربية تقول إن غزة يجب أن يديرها فلسطينيون وتتوقع دورا للسلطة الفلسطينية.
واتفق مايكل ميلشتاين، ضابط المخابرات العسكرية الإسرائيلي السابق وأحد كبار خبراء إسرائيل في الشؤون الفلسطينية، مع الرأي القائل إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يحاول إظهار القوة الآن، قبل تسوية متوقعة بعد الحرب.
وأضاف: «ثمة ضغوط كبيرة عليه للقيام بشيء ما إذا كان يريد أن يُنظر إليه كلاعب مهم في اليوم التالي في غزة».
وأشار إلى أن العملية في جنين تأتي أيضا بعد وقف إطلاق النار في لبنان، وسقوط بشار الأسد في سوريا، وانتخاب دونالد ترمب لرئاسة الولايات المتحدة، وهي الأحداث التي تجعل مستقبل المنطقة غير مستقر.
وتتهم إسرائيل السلطة الفلسطينية بعدم القدرة على السيطرة على الجماعات المسلحة في الضفة الغربية المحتلة. وتقول السلطة الفلسطينية إن إسرائيل، التي تسيطر عسكريا على الضفة، تسعى عمدا إلى تقويض سلطتها.
ويقول مسؤولون في السلطة الفلسطينية إن أحد أهداف العملية هو منع «حماس» و«الجهاد الإسلامي» من جر الضفة إلى مواجهة مع إسرائيل وبالتالي فتح الطريق أمامها لتدمير الضفة كما حدث في غزة.
ورغم الجهود المبذولة للمصالحة، لم تتمكن حركة فتح، الفصيل الرئيسي في السلطة الفلسطينية، حتى الآن من الاتفاق مع «حماس» على كيفية إدارة غزة بعد الحرب.
0 تعليق