كشفت المندوبية السامية للتخطيط أنه خلال الفترة ما بين 2014 و2024 انتقل معدل البطالة من 16.2 بالمئة إلى 21.3 بالمائة، مسجلة ارتفاعا غير مسبوق في معدل البطالة، مما يطرح إشكالات عدة.
وحسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، انتقل معدل البطالة من 19.3 إلى 21.2 بالمائة بالوسط الحضري، ومن 10.5 إلى 21.4 بالمئة بالوسط القروي.
وفي الوقت الذي يرى فيه مختصون أن الأرقام المعلنة قد تكون غير دقيقة لأن هناك من يعمل لبضعة أيام فقط ويعتبر نفسه ضمن فئة المشتغلين، أو من يمارس عملاً موسمياً أو غير رسمي ويُدرج نفسه في الإحصاء كغير مشتغل، يرى آخرون أنها قد تقلل من حجم المشكلة، نظراً لاعتمادها منهجيات غير دقيقة تشمل العاملين لساعات قليلة، وأن الحل يتطلب إصلاحات اقتصادية شاملة لتحفيز النمو وخلق فرص عمل مستدامة.
في هذا الإطار، قال محمد جدري، خبير اقتصادي، إن “الإحصاء العام للسكان والسكنى عملية تحليلية شاملة، يقوم خلالها باحثون ميدانيون بزيارة مجموعة من الأسر وطرح أسئلة تهدف إلى جمع البيانات. لكن، يلاحظ أن بعض الأفراد الذين يعملون بشكل غير منتظم، أو في قطاعات غير مهيكلة، قد يسجلون أنفسهم كأشخاص غير مشتغلين، مما يؤدي إلى تقدير غير دقيق”.
وأعطى جدري، ضمن تصريح لهسبريس، المثل بمن “يعمل لبضعة أيام فقط ويعتبر نفسه ضمن فئة المشتغلين، أو من يمارس عملاً موسمياً أو غير رسمي ويُدرج نفسه في الإحصاء كعاطل عن العمل”، مؤكدا أن “هذا النوع من البيانات يثير جدلاً منهجياً، فمن ناحية يمكن قبولها لكونها تمثل شريحة حقيقية من المجتمع، لكنها من ناحية أخرى قد لا تُعتبر دقيقة لأنها لا تستند إلى معايير علمية واضحة”.
وقال: “علاوة على ذلك، هناك تخوف لدى البعض من التصريح بوضعهم المهني بسبب مخاوف تتعلق بالضرائب أو الوضعية القانونية لعملهم”.
وبصفة عامة، ذكر جدري أن “المملكة شهدت خلال السنتين الماضيتين مستويات قياسية في معدلات البطالة نتيجة عوامل متعددة، منها الجفاف، والموجة التضخمية، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، مما أثر بشكل كبير على الطلب على اليد العاملة”، مشيرا إلى أن الحل يكمن في “خلق التنمية الاقتصادية، وتعزيز القيمة المضافة، وإيجاد فرص شغل مستدامة”.
وأردف بأن “تحقيق هذا الهدف يتطلب معالجة جملة من الإشكاليات الأساسية، منها أزمة المياه والطاقة، إصلاح النظام الضريبي، تنظيم القطاع غير المهيكل، تحسين أنماط التقاعد، تطوير مناخ الأعمال، محاربة الريع والفساد، تعزيز الرقمنة وتبسيط المساطر الإدارية. كما ينبغي دعم المقاولات الصغيرة جداً والصغيرة والمتوسطة باعتبارها محركاً أساسياً لخلق الثروة”.
وأشار جدري إلى أنه “في ظل هذه الظروف، تظل معدلات البطالة المرتفعة مصدر قلق كبير لما لها من تأثير مباشر على السلم الاجتماعي، والقدرة الشرائية للأسر المغربية، التي بات العديد منها يعاني من صعوبة تلبية احتياجاته الأساسية أو ادخار جزء من دخله. لذلك، سواء كانت معدلات البطالة 13% أو 20%، فهي تبقى مرتفعة للغاية مقارنة بإمكانات الاقتصاد الوطني والفرص التي يمكن أن يوفرها”.
من جانبه، قال يوسف كراوي الفيلالي، خبير اقتصادي رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، إن “الوضع الحالي يظهر أن معدلات البطالة في المغرب وصلت إلى مستويات قياسية. فعند النظر إلى واقع الأسر المغربية، نجد أن في أسرة تضم ثلاثة شباب غالباً ما يكون واحد منهم فقط يعمل، بينما يظل الاثنان الآخران في حالة بطالة، ما يعني أن ثلثي الشباب يعانون من البطالة”.
وقال كراوي، ضمن تصريح لهسبريس، إنه “وفقاً للأرقام الرسمية، تبلغ نسبة البطالة العامة 13.9% على المستوى الوطني، لكن في فئة الشباب تحديداً تضاعفت البطالة خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث ارتفعت من 20% إلى 40%”.
وأشار إلى أنه “بالرغم من المنهجية التي تعتمدها المندوبية السامية للتخطيط، إلا أن الواقع يؤكد أن مستويات البطالة في المغرب مرتفعة جداً، وهو ما يظهر جلياً في الحياة اليومية”.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن “المنهجية الحالية في قياس البطالة قد تقلل من حجم المشكلة. فالمندوبية السامية للتخطيط تعتبر أي شخص عمل لعدد محدود من الساعات ضمن الفئة النشطة، مما يخفي جزءاً من الصورة الحقيقية”، مشيرا إلى أنه “في ظل استمرار هذه المقاربة الاقتصادية التي تعتمد بشكل كبير على القطاع الزراعي والتساقطات المطرية، التي تدهورت بفعل التغيرات المناخية، لن يتمكن المغرب من خلق فرص شغل كافية. كما أن الاعتماد على القيمة المضافة الفلاحية لم يعد يفي بالغرض، مما يزيد من احتمالية تفاقم معدلات البطالة أكثر من تلك المعلنة”.
وأوصى كراوي بضرورة “تبني مقاربات جديدة تأخذ بعين الاعتبار التحولات الاقتصادية والمالية التي يشهدها المغرب”، موردا أن “الأرقام الرسمية الحالية تعكس جزءاً من الحقيقة، لكن عند التعمق أكثر في تحليل الواقع يمكن أن نصل إلى نسب بطالة أعلى بكثير مما هو مُعلن”، خالصا إلى أن “هذا الموضوع يتطلب نقاشاً أعمق من الناحية الاقتصادية والاجتماعية لدراسة تأثيره على المجتمع، القطاعات الحيوية والقدرة الشرائية”.
0 تعليق