بعرض ومناقشة الإصدار الحادي عشر من تقرير “تيارات أطلسية”، المنشور من طرف مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، انطلقت اليوم الخميس بمدينة الرباط فعاليات النسخة الثالثة عشرة من “الحوارات الأطلسية”، التي تناقش هذه السنة إمكانيات ومنظورات “أطلسيّ مُوسّع” (أو أوسع نطاقا) عبر “بناء الاعتماد المتبادل والتضامن في عالم مُجزَّأ”.
وشهدت فعاليات الافتتاح نقاشات غنية حضرَها بعض الباحثين المساهمين في التقرير، الذي يتم إصداره قُبيل كل نسخة من مؤتمر “الحوارات الأطلسية”، ونسَّق أشغاله وبسَط أبرز مضامينه السفير السابق والباحث البارز بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، محمد لوليشكي؛ في حين ضمَّ تحليلات متقاطعة لخبراء من المحيط الأطلسي، أجمعوا خلال مناقشات الافتتاح، التي تابعتها جريدة هسبريس الإلكترونية، على “حتمية التضامن وتجاوز إشكاليات الهوية والتجزيء التي تواجه المنطقة الأطلسية”، خصوصا في دفع العلاقة بين قارتيْ إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
واستفادت النسخة الحادية عشرة من التقرير من مساهمة 25 مؤلفا يمثلون مناطق مختلفة من المحيط الأطلسي (أمريكا الوسطى وأمريكا الشمالية ومنطقة البحر الكاريبي وشمال أوروبا وجنوب أوروبا وشمال إفريقيا وغربها).
وعبر بيانات استعرضها لوليشكي، حول خريطة مفصلة للدول الـ23 المتاخمة للمحيط الأطلسي الإفريقي، مع تسليط الضوء على إمكاناتها الإستراتيجية وأوجه الترابط بينها في سياق العولمة، قال الباحث ذاته: “إننا بصدد استكشاف القضايا الإستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تؤثر على منطقة المحيط الأطلسي في سياق عالمي يتسم بالتوترات الجيوسياسية والتحولات العميقة”، مبرزا للمشاركين “التهديدات والتحديات التي تواجه دول حوض الأطلسي، فضلاً عن الفرص التي ظهرت على ضفتيْ هذا الفضاء”.
“براديغمات جديدة”
عدد من القضايا الرئيسية التي يشهدها “الجنوب العالمي” في السنوات الأخيرة حضرت بقوة في صلب النقاش، مبرزاً أهمية “التوافق بين الشمال والجنوب”، و”تكامل المسائل الجيو-إستراتيجية مع نظيرتها الجيو-اقتصادية، فضلا عن تحديات التحول الطاقي، وتغير المناخ، والهجرة، والأمن الغذائي والاستقرار في المنطقة الأفرو-أطلسية”، مقترحين بعض “سبل تعزيز التعاون بين دول الأطلسي” لتوسيع نطاقه.
لوليشكي، الذي أطّرَ وأدار نقاشاً بين أربعة متحدثين من مناطق مختلفة تمثل ضفتَي الأطلسي، شدد على أن “تقرير هذه السنة من تيارات أطلسية يدعو بوضوح إلى نماذج/براديغمات جديدة من التعاون لمواجهة تحديات الجنوب، ويستكشف الفرص التي توفرها دول المحيط الأطلسي”.
من جانبه أشار آلان هيرش، زميل باحث في “معهد الجنوب الجديد” بجنوب إفريقيا، إلى ما وصفها بـ”تحديات انعدام الأمن الاقتصادي” بالنسبة لعدد من دول إفريقيا المطلة على الأطلسي، مبرزا أن “التحدّي الرئيسي من وجهة نظر إفريقية هو السياق الاقتصادي المالي الحالي الذي نجد فيه مستويات عالية من المديونية”، مثيرا “إشكالية التنافس العالمي على الموارد العالمية والفرص”.
كما اعتبر هيرش، ضمن أبرز أفكاره، أن “الولايات المتحدة الأمريكية والصين مع دول وقوى كبرى ومتوسطة هي جزء أساسي من هذا التنافس المحموم على الفضاء الأطلسي”.
المبادرة الملكية الأطلسية محط إشادة
شكلت المبادرة الملكية من أجل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي محط إشادة وتنويه من مجموع المتدخلين، الذين أبرزوا أهميتها وراهنيتها في تحقيق “الأطلسي المُوسَّع”، خاصة أنها قد تتكامل في وقت لاحق مع المبادرة الأمريكية للأطلسي.
وفي معرض حديثه أشاد فابيو ألبيرغاريا كويروز، باحث في “كلية الدفاع البرازيلية”، بالمبادرة المغربية، معتبرا أنها من “أفضل الأمور العملية”، قبل أن يستدرك بأن “تحقيق الاتحاد الأطلسي والتكامل بين دوله يظل رهيناً بتحقيق الإجابة عن سؤال من نحن؟”، أي إن الأمر متعلق أساسا بمشكل “الهوية” بين بلدان الحوض الأطلسي.
وتابع الباحث ذاته محاولا الإجابة بأن “الهوية هي عملية البحث عن معنى، ومنظورنا تجاه الآخر، وهو مفهوم يتعزز بفكرة الحوض الأطلسي والذهاب أبعد من الجغرافيا”، إذ الأهم هو “مجتمع أمني أطلسي، ونؤكد على المبادرة المغربية الملكية ودورها في تجسيد هذه الغاية”.
أما سانتياغو ثيودولوز، مدير الإستراتيجية بمجموعة بلومزبري للسياسات في أوروغواي، فشدد على أهمية “النظر في المسألة الأمنية”، رغم أن منطقة الأطلسي تبقى “مسالمة وآمنة مقارنة مع مناطق أخرى من العالم”، مثيرا إشكالية “البنى الهيكلية والموارد”، قبل أن يتساءل: “كيف سيُغير صعود الرئيس الأمريكي ترامب مستقبل الأطلسي والعلاقات بين دوله؟… ولا ندري ماذا سيفعله بخصوص الأطلسي”.
وتهدف هذه الجلسة إلى تحفيز المناقشات حول رؤية مشتركة للمنطقة، بالاعتماد على وجهات نظر متنوعة للتأكيد على التعاون، وتعزيز أطلسي أوسع وأكثر مرونة وترابطًا.
وخلصت المناقشات إلى أن “تحقيق الأطلسي الأوسع نطاقاً يمكن أن تضمَنه، من بين عناصر أخرى، المبادرة الدولية الأطلسية، التي يقُودها الملك محمد السادس، كمنصة ديناميكية للتفاعل الإنساني والتكامل الاقتصادي؛ كما هي إطار تعاوني يوسع نطاق المنافع والفرص الإستراتيجية لتشمل البلدان غير الساحلية، ما يمكّنها من التغلب على العوائق الهيكلية التي تعترض تنميتها الاقتصادية والاجتماعية”.
ويتناول التقرير مجموعة واسعة من الديناميكيات الإقليمية، بما في ذلك التكامل الاقتصادي وتعزيز الثقة الرقمية والتحديات الاجتماعية والأمنية الملحة. ويستكشف إصدار عام 2024 من تقرير “التيارات الأطلسية” كيف يمكن لدول المحيط الأطلسي أن تتعاون بفعالية للتغلب على العقبات المستمرة، وتعزيز الاستقرار، والسعي إلى تحقيق فرص النمو المستدام للجميع.
" frameborder="0">
0 تعليق