تحت شعار: “سِيرَةُ البِيعَةِ: حكايتُها، قِصَّتُها، تاريخُها.. وسِيَرُ البِيعَةِ: تاريخُ بَطارِكَتِها”، قال شريف رمزي، الباحث في تاريخ الكنيسة، وعضو اللَّجنة البابويَّة للتَّاريخ القبطي إنه تُعَرِّف المعاجم العربيَّة «السِّيرَةُ» بأنَّها: الطَّريقة، الحالة الَّتي يكون عليها الإنسان وغيره، السُّلوك والتَّصَرُّف، تاريخ حياة الإنسان، والجمع: «سِيَرٌ». أمَّا كلمة «بِيعَة» -بكسر الباء- فتُشير إلى: الكنيسة، موضع عبادة المسيحيِّين، والجمع: «بِيَع». حسب المعاجم السُّريانيَّة جاءت كلمة «بِيعَة» من: «ܒܥܕܬܐ» (تُكتب: بعِدْتُو، وتُلفَظ: بعِتو، أو بعِتا)، وهذه الكلمة اختصار لـ: «ܒܝܬ ܥܕܬܐ» (بيث عِتو)، ومعناها: بيت أو موضع الاجتماع.
يُمَثِّل «سِيَر البِيعَة المُقَدَّسَة» التَّاريخ شبه الرَّسميّ للكنيسة القبطيَّة، وأحد أهمّ المصادِر التَّاريخيَّة الَّتي ترجع إلى حِقبة العُصور الوسطى، وهو وإنْ كان يؤرِّخ بشَكلٍ أساسيّ لسِيَرِ بطاركة الإسكندريَّة، إلاَّ أنَّه يُقَدِّم أيضًا صورةً غاية في الأهمِّيَّة عن تاريخ مصر السِّياسيّ والاجتماعيّ بعُيون المؤرِّخين الأقباط.
وبوصفه التَّاريخ شبه الرَّسميّ للكنيسة القبطيَّة يحتَلُّ «سِيَر البِيعَة المُقَدَّسَة» مركز الصَّدارة بين الكتابات الَّتي تؤرِّخ للكنيسة وبطاركتها، وفي الوقت نفسه يُسَلِّط الضَّوء على جوانب مُختلفة في علاقتها بالكنائس الأخرى وعلى وجه الخصوص الكنيسة السُّريانيَّة، ويتوقَّف عند محطَّات هامَّة في العلاقة بين الكنيستين الشَّقيقتين، لا سيَّما جهادهما المُشترَك ضدّ البدع والهرطقات، وعلاقة كُلّ منهما بالسُّلطة الحاكمة في مُختلَف العُصور، والتَّحدِّيات والمصاعب الَّتي واجهتهما، والَّتي وصلَت إلى حدِّ الاضطهاد المرير في بعض الأحيان.
ويؤرِّخ «سِيَر البِيعَة» للزِّيارات المُتبادَلة بين بطاركة الكنيستين، ولرسائل «السِّنوديقا»، وهي الرَّسائل المجمعيَّة المُتبادَلة بين أولئك البطاركة لتأكيد الشَّركة الإيمانيَّة بين الكنيستين، والمُصطَلح نفسه مُشتَقٌّ من الكلمة اليونانيَّة: سِنودُس «σύνοδος»، ومعناها: مجمع.
يُسهِم «سِيَر البِيعَة» مع بعض المصادر السُّريانيَّة، وفي مُقدِّمتها تاريخ البطريرك ميخائيل الكبير (†١١٩٩م)، في تقديم صورة أكثر وضوحًا للعلاقة بين الكنيستين القبطيَّة والسُّريانيَّة، ولتاريخهما المُشترك عبر العُصور، ولجوانب القوَّة والضَّعف، وأوجه الاتِّفاق والاختلاف، ما يصبُّ في صالح فَهم حقيقيٍّ ومُتبادَل يُزيد من عُمقِ ومتانة هذه العلاقة في وقتنا الحاضر وفي المُستقبل.
0 تعليق