الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

أظهرت المملكة المغربية التزامًا ثابتًا بدعم الليبيين في مسار إعادة بناء دولتهم وتقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية في ليبيا، بعيدًا عن أي أجندات ضيقة أو مصالح ذاتية؛ فقد استضافت مجموعة من المشاورات السياسية، كان آخرها مشاورات بوزنيقة بين مجلسي النواب والدولة، التي أسفرت عن تفاهمات واتفاقات مهمة لتجاوز حالة الانقسام السياسي وتشكيل حكومة موحدة تقود البلاد نحو إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة تحترم إرادة الشعب الليبي.

وفي وقت لقي الاتفاق الذي تم على أرض المملكة ترحيبًا وإجماعًا من طرف معظم الفرقاء، وعلى رأسهم مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد، قوبل برفض بعض الأطراف التي تواجه إشكاليات كبرى على مستوى الشرعية، وفي مقدمتها حكومة عبد الحميد الدبيبة، إذ بعثت وزارة خارجيتها مراسلة إلى نظيرتها المغربية لفتت فيها إلى ما وصفته بـ”ضرورة التنسيق معها لعقد أي اجتماعات بين الأطراف الليبية في المغرب”.

مراسلة رفضتها اللجنة التنسيقية للقاءات المشتركة بين مجلسي النواب والدولة، التي جددت شكرها المغرب على استضافة اجتماع بوزنيقة. وأكدت اللجنة في بيان لها أن “أعضاء المجلسين لا يحتاجون إلى موافقة أحد من أجل الاجتماع في أي مكان تتوفر فيه الظروف الملائمة للنجاح، سواء داخل البلاد أو خارجها”.

من جهته عبر المجلس الأعلى للدولة، برئاسة خالد المشري، عن استغرابه العميق البيان الصادر عن وزارة الخارجية لحكومة الدبيبة منتهية الولاية، واعتبر أن “مطالبة وزارة الخارجية المغربية بالتنسيق المسبق مع وزارة خارجية حكومة الوحدة الوطنية يُعد تدخلًا سافرًا في شؤون المجلسين، وينم عن قصور معرفي بحدود السلطة التنفيذية وجهل بمبدأ الفصل بين السلطات، ما يستوجب المساءلة”؛ كما أكد أنه ينشئ السلطة التنفيذية ولا يقع تحت سلطتها.

ويعكس بيان وزارة الخارجية في حكومة عبد الحميد الدبيبة، التي سحب مجلس النواب الثقة منها، وفقًا لمتابعي الشأن الليبي، وجود أطراف خارجية داعمة لهذه الحكومة، وفي مقدمتها الجزائر، تمارس ضغوطًا سياسية على الدبيبة لإعاقة تنفيذ مخرجات الاجتماعات التشاورية في المغرب وتعميق الانقسام الليبي. إذ تعتمد الجزائر على إستراتيجية إفشال المبادرات التي يحتضنها المغرب، مستغلة هشاشة وضع بعض الأطراف لتوجيهها بما يخدم أجندتها الإقليمية وصراعها مع المملكة، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار ليبيا ووحدة أراضيها.

إجماع ليبي وتدخل جزائري

تعليقًا على ذلك قال شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، إن “التفاهمات التي تمخضت عنها مشاورات بوزنيقة لقيت ترحيبًا كبيرًا من جل الأطراف السياسية في ليبيا، وبالتالي فإن بيان خارجية حكومة الدبيبة غير مفهوم، ويكشف عن وجود صراع وتضارب مصالح داخل هذه الحكومة التي تعاني من إشكالية كبيرة على مستوى تمثيل الشعب الليبي”.

وأضاف بن زهرة، متحدثًا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذا البيان يكشف أيضًا وجود تدخلات وضغوط من بعض الجهات الخارجية المقربة من هذه الحكومة، وعلى رأسها النظام الجزائري، من أجل ضرب هذه التفاهمات والعودة بالبلاد إلى نقطة الصفر”، مؤكدًا في هذا الإطار أن “النظام في الجزائر ينظر بكثير من التوجس إلى الدور المغربي في الملف الليبي، بالنظر إلى عجزه عن التأثير فيه، وبالتالي فهو يحاول توظيف بعض الأطراف لتصفية حساباته مع المغرب”.

وتابع المتحدث ذاته بأن “النظام الجزائري راكم مجموعة من السوابق في التدخل السلبي في الملف الليبي من خلال دعم أطراف معينة على حساب أخرى، بل وصل الأمر إلى حد دخول عناصر من الجيش الجزائري إلى الأراضي الليبية ودعم بعض الجماعات المسلحة للإطاحة بالمشير خليفة حفتر”، مسجِّلًا أن “النظام يسعى إلى ضرب أي اتفاق احتضنه المغرب، إذ سبق أن حاول ذلك إبان التوقيع على اتفاق الصخيرات عام 2015”.

وأشار الناشط السياسي الجزائري المعارض إلى أن “النظام الجزائري سيتدخل من أجل إعاقة تنفيذ مخرجات مشاورات بوزنيقة، بحكم أن لديه إشكالية كبيرة مع احتضان المغرب هذه المشاورات، من خلال تغذية النزاع والانقسام السياسي في ليبيا”، معتبرًا أن “المملكة المغربية بلد محايد لديه القدرة على الحديث مع جميع الفرقاء الليبيين وجمعهم، عكس النظام في الجزائر الذي سيحاول مضايقة الأدوار المغربية في الملف الليبي بعيدًا عن مضمون هذا الملف في حد ذاته”.

جهود مغربية وأطماع جزائرية

من جهته أوضح محمد عطيف، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، أن “اتفاق بوزنيقة كان نتيجة التراكمات التي حققها المغرب في الملف الليبي، إذ احتضن العديد من جلسات الحوار السياسي الليبي التي خرجت بنتائج جد مهمة في اتجاه إعادة بناء الدولة الليبية، وتجاوز حالة الانقسام السياسي الحاد في هذا البلد المغاربي”.

وأكد عطيف، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المملكة تؤكد من خلال جمع الأطراف السياسية الليبية على دورها الإقليمي الفاعل في تثبيت الاستقرار بالمنطقة، والتزامها بأمن دول الجوار بعيدًا عن أي أجندة أو أطماع”، مبرزًا أن “الجزائر لا تنظر إلى الجهود الدبلوماسية المغربية في القضية الليبية بعين الرضا، وتسعى دائمًا إلى نسفها ولو على حساب إرادة الليبيين والأمن والاستقرار في هذا البلد”.

وبيَّن المصرِّح لهسبريس أن “الجزائر تحاول ممارسة ضغوط سياسية على بعض الأطراف الليبية للتأثير على الدور المغربي وتقزيمه، من أجل التغطية على فقدان نفوذها الإقليمي وتراجع أدوارها في العديد من الملفات والقضايا الإقليمية”، مؤكدًا أن “النظام العسكري الذي تبنى عقيدة تغذية النزاعات وخلق التوترات يثبت في كل مرة أنه عامل من عوامل عدم الاستقرار في المنطقة، ومستعد للتدخل في الشؤون الداخلية للدول وضرب سيادتها عرض الحائط فقط من أجل معاكسة المغرب ونسف جهوده الدبلوماسية التي تحظى بقبول الليبيين”.

صلاح جميل

الكاتب

صلاح جميل

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق