صراع عالمى على الساحة السورية ‏

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

المساومات هى لغة المصالح التى تحكم العلاقات السياسية، هكذا على ما يبدو ‏كان أحد أسباب سقوط  نظام بشار الأسد، فتناول الحالة السورية يجب أن يكون ‏من ضمن منظور الأحداث الإقليمية والعالمية التى فى مجملها هى حالة من ‏المخاض المتعسر والصعب نتيجة الصراع الشرس ما بين نظام عالمى يرفض ‏التراجع بقيادة أمريكا والغرب ونظام آخر قادم بقوة بقيادة مجموعة بريكس ‏وتتقدمه كلٌ من الصين وروسيا.‏

فقد أشار المحللون إلى العلاقة بين الملفين السورى والأوكراني، لما ‏يمثله الملفان من تأثير فى صراع النفوذ ما بين النظامين، فالملف الأوكرانى هو ‏ورقة ضغط من الغرب على روسيا التى بدأت استفاقتها منذ سنوات وساهمت فى ‏تشكيل مجموعة بريكس التى ترى أمريكا ونظامها العالم الخطر الحقيقى الذى ‏يهدد وحدانية وجودها بقيادة النظام العالمي، وهنا تأتى أهمية جزيرة القرم التى ‏استولت عليها روسيا فى 2014 كمرتكز هام لطريق الحرير الصينى والتى  ‏ستكون البوابة التجارية مع معظم دول الاتحاد الأوربى عن طريق روسيا، ومن ثم ‏يأتى موقع سوريا ذات الأهمية الجيوسياسية فى المنطقة والتى استخدمتها روسيا ‏فى السنوات الأخيرة فى مواجهة مخطط الشرق الأوسط الجديد، الذى يديره النظام ‏العالمى القائم بقيادة أمريكا والذى يهدف إلى إعادة تموضع إسرائيل لضمان امنها ‏وقوتها تحسبًا لأى متغيرات فى المستقبل القريب والبعيد، من هنا جاءت المساومة ‏على الملفين لفك الاشتباك بين روسيا والغرب.‏

هنا يلزم تسليط الضوء على عدد من التساؤلات، ما مصير إسرائيل عندما تتراجع ‏أمريكا ومعها النظام العالمى القائم الذى يمثل الضامن الأمنى لها؟ هل يحدث صدام ‏عسكرى بين النظامين القائم والقادم؟ فى حال المساومات السياسية بين النظامين ‏فما هى أنواع تلك المساومات وعلى ماذا تكون؟ هل سيعاد تدوير الربيع العربى ‏مرة أخرى فى دول المنطقة؟ ماذا سيكون وضع مصر مستقبلًا ومساحة تموضعها ‏فى النظام العالمى القادم؟ والسؤال الأخير من سيحكم سوريا بعد سقوط نظام بشار ‏الأسد.‏

أولًا. مصير إسرائيل فى حال تراجع الضامن الأمنى لها والمتمثل فى النظام ‏العالمى القائم بقيادة أمريكا، سيكون مرهونًا بنجاح مشروع الشرق الأوسط ‏الجديد القائم على تفتيت دول المنطقة والسيطرة على الممرات والدروب التجارية ‏والملاحية مع الثروات والموارد، ومن ثم تحويلها إلى مرتكز تجارى وسياسى ‏يجعل مصير شعوب المنطقة مرتبطًا بوجودها، وإن لم ينجح المخطط فستسمر ‏إسرائيل فى حالة خطر وجودى لأنها جسم أيدلوجى وسياسى غريب عن ثقافة ‏المنطقة.‏

ثانيًا. من المستبعد أن يحدث صدام عسكرى بين النظامين، لكن من الوارد حدوث ‏صراعات بالوكالة فى مناطق النفوذ، لأن الصدام العسكرى يعنى دمار أجزاء كبيرة ‏من العالم، لكن الصراعات ستمثل وسائل ضغط لتحسين المساومات والاتفاقيات.‏

ثالثًا. بالطبع سيحدث مساومات بين النظامين ستتمثل فى مساحة تموضع وتأثير ‏كلٍ منهما بين أقطاب نفوذهما، بجانب كيفية إعادة هيكلة المؤسسات الأممية ‏الحاكمة مع تغيير القوانين والأدوات طبقا لنفوذ وتأثير كل قطب، وستكون ‏المعاملات التجارية هى الأكثر تعقيدا ومشقة لانها ارتبطت عبر عقود طويلة ‏بعملة الدولار، ولذا سيكون الصراع ما بين العملات المشفرة التى تحاول أمريكا ‏إحلالها مكان الدولار، وما بين عملة موحدة تعتزم مجموعة البريكس طرحها وفى ‏كل الأحوال سيصبح الذهب هو الغطاء لأى منهما.‏

رابعًا. اعتقد ليس من الوارد إعادة تدوير الربيع العربى مرة أخري، بل سيكون ‏هناك تدوير لبعض أدواته المتمثلة فى الإرهابيين، لاستخدامهما فى الضغط من ‏اجل تحسين المساومات والاتفاقيات التى تخدم تموضع إسرائيل فى المستقبل.‏

خامسًا. ليس خفيًا على احد أن مصر كانت هى الهدف الأكبر لمخطط الشرق ‏الأوسط الجديد عن طريق إسقاط جيشها ومن ثم إسقاط الوطن، وهذا كان كفيلًا ‏بإسقاط كل المنطقة وتحقيق هدف المخطط بكل سهولة ويسر، لكن الجيش المصرى وأجهزة الدولة نجحوا فى إدارة المعركة بشكل لم ‏يتوقعه قادة المشروع، حتى وصلت مصر إلى مرحلة أنها تمثل خطرًا على ‏المشروع وليس العكس.‏

سادسًا. الذى سيحكم سوريا بعد سقوط نظام الأسد هى رؤية إقليمية عالمية ‏تتماشى من المتغيرات القادمة التى ستحكم منطقة الشرق الأوسط الجديد، ‏فالمسلحون الموجودون حاليًا بقيادة أبو محمد الجولانى ليسوا سوى مرحلة مؤقته فرضتها ‏الظروف السياسية، فالداخل السورى متنوع فى تكوينه الأيدلوجى والقبلى والاثنى ‏الذى يصعب معه الاستقراء السياسى لما هو قادم، فهل يكون نظام حكم ذاتى لعدد ‏من المناطق؟ أم حكم فيدرالي؟ أم يتدخل المجتمع الدولى والإقليمى لخلق نظام ‏قوى يجمع سوريا تحت مظلته؟ كل ذلك يتوقف على المدة الزمنية الذى ‏سيستغرقها النظام العالمى القائم والقادم فى صراعهما.‏

صلاح جميل

الكاتب

صلاح جميل

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق