قصر البحر في آسفي .. أيقونة تنتظر مبادرات تثمين الموروث التاريخي

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

يعد قصر البحر في مدينة آسفي من أبرز المعالم التاريخية التي تجسد الحقبة البرتغالية في المغرب وتأثيراتها البحرية، خاصة أن مدينة آسفي تقع على الساحل الأطلسي وكانت منذ القدم محطة استراتيجية مهمة بفضل موقعها الجغرافي المميز، وتعتبر شاهدة على التفاعلات التاريخية بين المغرب والقوى الأوروبية، وعلى رأسها البرتغال التي احتلت المدينة في بداية القرن السادس عشر.

يعود تاريخ بناء قصر البحر إلى سنة 1508 ميلادية، عندما احتل البرتغاليون مدينة آسفي، حيث في تلك الفترة كانت أوروبا تعيش حقبة من التوسع البحري والاستكشافات الجغرافية، وكانت القوى الأوروبية تتنافس للسيطرة على الموانئ الاستراتيجية على طول السواحل الإفريقية.

وحسب الروايات التاريخية، فإن البرتغاليين، الذين كانوا من أوائل رواد الاستكشاف البحري، استهدفوا سواحل المغرب لأسباب عدة، أبرزها تأمين طرق التجارة البحرية مع إفريقيا جنوب الصحراء والبحث عن موارد جديدة.

قام البرتغاليون بتشييد قصر البحر في موقع استراتيجي يطل مباشرة على المحيط الأطلسي، وكان الهدف الرئيسي من بنائه تأمين الحماية للمدينة التي أصبحت ميناء مهما لتجارة البرتغاليين. وفي هذا الصدد، قال عبد الصمد المسفيوي، أحد المهتمين بتاريخ مدينة آسفي، إن الميناء كان يشكل نقطة عبور رئيسية للتبادلات التجارية بين أوروبا وإفريقيا، حيث يتم شحن السلع مثل الذهب، التوابل، العبيد والموارد المحلية المغربية كالمعادن والجلود.

وأضاف المسفيوي، في تصريح لهسبريس، أن البرتغاليين كانوا يسعون من خلال بناء القصر إلى تعزيز نفوذهم العسكري في المنطقة، وذلك عن طريق إنشاء حصن قوي يحميهم من هجمات القوى المنافسة وكذلك من مقاومة السكان المحليين.

تم تصميم القصر ليكون حصنا منيعا، إذ يتميز بجدرانه السميكة وأبراجه الدفاعية التي تطل على البحر، مما جعله قاعدة عسكرية هامة، وفق المسفيوي، الذي أكد أن هذا التصميم مكن البرتغاليين من مراقبة أي تحركات بحرية قد تهدد وجودهم أو مصالحهم في المدينة، مبرزا أن القصر كان يوفر لهم أيضا حماية من أي هجمات محتملة تأتي من البر، وبالتالي كان يشكل جزءا أساسيا من استراتيجية الدفاع البرتغالية في المغرب.

أما بالنسبة لتسمية “قصر البحر”، فقد أجمع عدد من المهتمين بتاريخ هذه المدينة أن هذه التسمية تعود إلى الموقع الاستراتيجي للقصر المطل مباشرة على البحر، حيث كان يبدو وكأنه جزء من البحر، مما جعل السكان المحليين يطلقون عليه هذا الاسم، مؤكدين أن هذا الموقع البحري أضفى على القصر طابعا خاصا، إذ كان يمثل واجهة المدينة البحرية ويعكس أهمية البحر بالنسبة للبرتغاليين الذين اعتمدوا عليه بشكل كبير في توسيع نفوذهم وتجارتهم.

في تعليقه على الموضوع، ذكر بناصر الهاشيمي، أستاذ باحث في تاريخ مدينة آسفي، أن قصر البحر ليس مجرد حصن عسكري فقط، بل هو رمز لتاريخ آسفي وتفاعلها مع القوى الأوروبية في تلك الفترة، مضيفا أن القصر يمثل أحد الشواهد الحية على الحقبة البرتغالية في المغرب، حيث كان جزءا من شبكة الحصون والموانئ التي أنشأها البرتغاليون على طول الساحل الإفريقي، مبرزا أن قصر البحر، رغم كونه منشأة عسكرية في الأصل، إلا أنه أصبح اليوم رمزا ثقافيا وسياحيا يعكس تاريخ المدينة العريق.

وأضاف الأستاذ بناصر الهاشيمي، في تصريح لهسبريس، أن قصر البحر اليوم يمثل جزءا من الهوية الثقافية لمدينة آسفي، إذ يروي قصة تاريخية عن تفاعل المغرب مع القوى الأجنبية، كما أن القصر، الذي صمد لقرون عديدة، يعكس قوة التصميم المعماري البرتغالي، وكذلك التحديات التي واجهتها المدينة خلال تلك الفترة. ورغم أن البرتغاليين غادروا المدينة في نهاية المطاف، إلا أن قصر البحر بقي شاهدا على تلك الحقبة التاريخية.

من جهته، كشف علي كرم، فاعل جمعوي بمدينة آسفي، أنه على الرغم من الأهمية التاريخية الكبيرة لقصر البحر، إلا أنه يواجه اليوم تحديات عديدة تتعلق بالحفاظ عليه وصيانته، مشيرا إلى أن العوامل المناخية، مثل الرطوبة والملوحة، تشكل تهديدا مستمرا لبنية القصر، الذي يحتاج إلى جهود ترميمية ضخمة للحفاظ عليه.

وقال كرم، في تصريح لهسبريس، إنه رغم بعض الجهود المبذولة من قبل السلطات المحلية وجميع الشركاء، إلا أن هناك حاجة ماسة لتضافر الجهود على المستوى الوطني والدولي لحماية هذه المعلمة التاريخية، مشيرا إلى أن الحفاظ على قصر البحر لا يقتصر على الجانب التراثي فقط، بل يمكن أن يسهم في تعزيز السياحة الثقافية في المدينة، مما يساعد في تنميتها الاقتصادية.

ومن أجل إعادة الاعتبار لهذه المعلمة التاريخية، تم توقيع اتفاقية إطار بين مجموعة من المؤسسات العمومية، على رأسها عمالة آسفي ووزارة الثقافة، بغلاف مالي يناهز 139 مليون درهم.

تهدف هذه الاتفاقية إلى تحصين وتدعيم الواجهة البحرية لقصر البحر، وترميمه وتجهيزه، وتحويله إلى مركز للتراث البحري الوطني، وهي الأشغال التي انطلقت وبلغت مراحل متقدمة.

ويتمثل المشروع في ترميم وتجديد القسم الشمالي الشرقي من معلمة قصر البحر بمدينة آسفي، ويشمل إعادة ترميم الواجهة البحرية للقصر، بما في ذلك بناء رصيف وقائي بطول 257 مترا، وتحصين وتدعيم الجرف المحيط بالقصر.

كما يهدف المشروع إلى إعادة بناء الأجزاء المنهارة من الجهة البحرية للقصر، مما سيسهم في الحفاظ على هذا المعلم الهام وإعادة الاعتبار إليه. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تحويل قصر البحر إلى مركز للتراث البحري الوطني المغربي، مما يعزز دوره كمركز ثقافي يعكس تاريخ المغرب البحري الغني، ويشكل وجهة سياحية مهمة تعزز من القيمة الثقافية والاقتصادية للمدينة.

عبد الله السعيد
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق