د. محمد كامل يكتب: الجامعة قاطرة الأمة 7.. مجالس التأديب

كشكول 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

لقد قدّر المشرّع قيمة الجامعة ونظر إليها كالبحر الذي ينظّف نفسه بنفسه، لجلالة قدرها وحفاظًا على مكانة أساتذة الجامعة بصفتهم فلاسفة الأمة في تخصصاتهم، والمنوط بهم رسم خطط استراتيجية للنهوض بكل جوانب التطور وإدارة الأزمات والتنمية المستمرة.

وقد تم تحديد المخالفات التي توجب الإحالة لمجالس التأديب، واقتصرها غالبًا على المخالفات التي تسقط وقار أستاذ الجامعة، مثل المخالفات المخلة بالشرف، وعدم الأمانة العلمية، والظلم. وتدرجت العقوبات بين التنبيه واللوم مع تأخير الترقية (أو بدون ذلك) وصولًا إلى العزل من الوظيفة مباشرة. بل وصل تقدير المشرّع لمكانة الجامعة إلى حد رفع مجلس التأديب إلى درجة المحكمة الإدارية درجة أولى.

وتم تشكيل مجلس التأديب من ثلاثة أعضاء: الرئيس وهو نائب رئيس الجامعة، ومستشار من قضايا الدولة، وعميد كلية الحقوق. ورغم ذلك، وقع المشرّع في إخفاقات؛ أولها اختياره نائب رئيس الجامعة، الذي يعتبر زميلًا لعضو هيئة التدريس المحال، مما يفسح المجال للمحال للتأثير على القرار بحكم الزمالة أو توسيط المقربين من رئيس مجلس التأديب. ثانيًا، غالبًا ما يكون رئيس مجلس التأديب غير متخصص في القانون، فيترك الأمر لمستشار مجلس الدولة، الذي غالبًا ما يحقق رغبة العضوين الآخرين، وهما يميلان إلى تخفيف الحكم في أغلب الأحيان.

أصبح الطلاب، في حالات التظلم، على يقين بأن مجلس التأديب لن ينصفهم، بل يخشون تسلّط عضو هيئة التدريس عليهم إذا كان التظلم خلال السنوات الانتقالية. وتلك المآسي الكثيرة تخرج طالبًا ذا نظرة خاطئة تجاه أساتذته وتجاه القضاء.

لقد وصل الأمر إلى أن تحولت مجالس التأديب إلى وسيلة للضغط وتصفية الحسابات أكثر من كونها مجالس لإنصاف المظلوم. وأدت هذه الحالة إلى إصابة الطلاب خاصة بحالة من عدم الاحترام للقانون، وفقدان الإيمان بأن عضو هيئة التدريس يمكن أن يخضع للمحاسبة بشكل عادل، مما يجعلهم يعتقدون أن محاسبته مجرد عملية صورية، يتبعها الانتقام منهم. فهل يمكن أن تخرج الجامعة طالبًا سويًّا نفسيًا متمسكًا بحقه ومؤمنًا بمن ينصفه؟

من الجوانب السلبية، أن أحد أعضاء هيئة التدريس تلاعب بنموذج الإجابة وغير نصف الإجابات للانتقام من الطلاب، وبصورة فجة يمكن أن يتعرف عليها غير المتخصص. ومع ذلك، خشي الطلاب التقدم بشكوى خوفًا من التسلط عليهم، واشتكى طالب واحد فقط. أحيل العضو إلى مجلس التأديب، الذي برأه تمامًا رغم ثبوت التهمة بوضوح.

ومع تفشي تلك الظواهر في الجامعة، التي يُفترض أنها نبراس القيم والنزاهة العلمية والالتزام، لا بد أن تكون مجالس التأديب مشكلة من ثلاثة قضاة تنتدبهم الجامعة، لضمان مداولات قانونية حقيقية بين قضاة متخصصين. فما جدوى المداولة بين رئيس مجلس تأديب (محكمة) غير متخصص، وقد يكون طبيبًا أو مهندسًا أو باحثًا علميًا، مع قاضٍ؟ مما لا شك فيه أن تلك المداولات تكون غير قانونية، رغم وجود القاضي الذي يحكم بالقانون، بينما يدرس رئيس المجلس المسألة بعاطفة "هذا زميل"، أو بدوافع شخصية تؤدي إلى تبريرات تكرّس الظلم والإفساد.

الجامعة هي القدوة والمثل والأخلاق، وعضو هيئة التدريس ليس فوق القانون. ولا يمكن أن يرفض ذلك إنسان له ضمير. ولابد من النظر إلى الأمر بجدية، للحفاظ على صورة أساتذة الجامعة في نظر المجتمع، التي تغيرت كثيرًا عن الماضي نتيجة التجاوزات التي قفزت خارج أسوار الجامعة. وللحديث بقية.

عبد الله السعيد
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق