الأمين: مقترحات تعديل المدونة تعزز قيم العدل والإنصاف داخل الأسرة المغربية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

في حوار مع هسبريس، أكد الدكتور عبد الرحيم الأمين، أستاذ بكلية الحقوق أكدال بالرباط عضو المجلس العلمي المحلي بفاس، أن التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة تعكس التوجيهات الملكية وتستجيب لتطلعات الأسرة المغربية.

وأشار إلى أن هذه التعديلات تهدف إلى معالجة الاختلالات المسطرية والإجرائية التي ظهرت خلال عشرين سنة من تطبيق المدونة، وتفعيل الاجتهاد لتطوير بعض المقتضيات بما يعزز قيم العدل والإنصاف داخل الأسرة.

نص الحوار:

ما رأيكم في مضمون التعديلات المقترحة لمدونة الأسرة بصفة عامة؟

التعديلات التي وردت خطوطها العريضة في كلمة السيد وزير العدل في اللقاء التواصلي مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية والدولية كانت هامة للغاية، تُجسد التوجيهات الملكية، وتستجيب لتطلعات الأسرة المغربية، ويظهر من خلال الملامح الأولى لهذه المقترحات والتعديلات أنها تسعى إلى معالجة الاختلالات المسطرية والإجرائية التي أبان عنها التطبيق العملي لمدونة الأسرة خلال عشرين سنة من دخولها حيز التنفيذ من جهة، وتفعيل آلية الاجتهاد البناء لتطوير بعض المقتضيات الموضوعية التي تعزز قيم العدل والإنصاف، وتحقق التوازن داخل الأسرة.

حسب وزير الأوقاف، فإن ثلاثة مواضيع ضمن التعديلات تتعلق بنصوص قطعية لا تجيز الاجتهاد فيها، وهي المتعلقة باستعمال الخبرة الجينية للحوق النسب، وإلغاء العمل بقاعدة التعصيب، والتوارث بين المسلم وغير المسلم. كيف يمكنكم تفسير ذلك؟

هذه الأمور الثلاثة اعتبرها المجلس العلمي الأعلى غير قابلة للاجتهاد، وأعطى رأيه بعدم الأخذ بها، لمجموعة من الاعتبارات:

أولها، أن اعتماد الخبرة الجينية سببا من أسباب لحوق النسب يؤدي إلى الاعتراف بنسب الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزوج، وهو ما قد يفتح الباب واسعا للاعتراف بنمط وشكل جديد من الأسرة غير قائمة على مؤسسة الزواج، وهذا ما يتنافى مع المادة 32 من الدستور التي تنص على أن: “الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع”، ولا شك أن المجتمع المغربي في حاجة إلى تقوية مؤسسة الأسرة وحمايتها والمحافظة عليها لما هو منوط بها من مهام ووظائف قيمية واجتماعية واقتصادية، وتثبيت وحماية الهوية المغربية ونقلها للأجيال المقبلة.

ثانيها، أن إلغاء العمل بقاعدة التعصيب يخالف الإجماع، مع العلم أن أهم سبب يرفعه من يقترح إلغاء التعصيب، هو حظ البنات من أموال الوالدين في حالة عدم وجود الابن ودخول العاصب البعيد كابن العم ومشاركته لهن في الإرث، غير أن المجلس العلمي الأعلى أعطي حلولا شرعية بديلة، هي هبة الوالدين لبناتهم في حياتهم ما يشاؤون، وقيام الحوز الحكمي مقام الحوز الفعلي.

ثالثها، أن التوارث بين المسلم وغير المسلم لا يجوز شرعا، ولكن المجلس العلمي الأعلى أعطى فيه حلا بديلا، حسب كلمة السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، هو اعتماد الوصية أو الهبة، وقيام الحوز الحكمي مقام الحوز الفعلي.

في رأيكم، لماذا لم تتم الموافقة على مقترحات من قبيل منع تعدد الزوجات وحتى منع زواج القاصرات وتقييدهما بمجموعة من الشروط؟

صحيح، لم تتم الموافقة على مقترح منع تعدد الزوجات، لكن سيكون من الواجب على العدول استطلاع رأي الزوجة عند إبرام العقد حول إمكانية اشتراط عدم التعدد عليها أو عدم اشتراطه، وفي حالة اشتراطه يمنع التعدد نهائيا وفاء بالشرط، وفي حالة عدم اشتراطه يباح التعدد في الحالات الاستثنائية، ولم تتم الاستجابة للمنع المطلق لسببين: أولا للنص الوارد به في القرآن الكريم في مشروعية التعدد، وثانيا لأنه يحل بعض المشكلات الاجتماعية.

أما زواج القاصر فلم يتم منعه نهائيا، ولكن تم تقييده بسن 17 سنة كحد أدنى للإذن القضائي، مع مجموعة من الشروط التي تضيقه وتبقيه كحل استثنائي، وبهذا نكون بصدد المزيد من التضييق على زواج القاصر، سواء من حيث تحديد سن الإذن القضائي في 17 سنة أو من حيث إضافة شروط أخرى، وينبغي العناية بمداخل أخرى للقضاء على الزواج المبكر، وهو الجانب التوعوي وتقريب المؤسسات التعليمية والظروف الملائمة للاستمرار في الدراسات العليا، وفي هذه الحالة لن تكون الحاجة ماسة لزواج القاصرات والقاصرين.

ألن يفتح ما تمت تسميته “المبرر الموضوعي الاستثنائي” في قضايا التعدد الباب أمام ممارسات تحايلية على القانون مثل استثناء تزويج القاصر في المدونة الحالية؟

في نظري، التعديلات المرتقبة سوف تعمل على إغلاق الباب على إمكانية التحايل على هذه الحالات الاستثنائية، وذلك من خلال عدم قابلية هذين النوعين من الزواج للإثبات، أي إن الزواج بالقاصر لا تقبل فيه دعوى ثبوت الزوجية، ولربما حتى في حالة التعدد، وبهذه الطريقة يمكن القطع مع التحايل في هاتين الحالتين.

أيمكن أن نشرح أكثر معنى مقترح المجلس العلمي الأعلى بخصوص موضوع “إرث البنات”، القاضي بإمكانية أن يهب المرء قيد حياته ما يشاء من أمواله للوارثات، مع قيام الحيازة الحُكمية مقام الحيازة الفِعلية؟

هذه المسألة تعني الشخص الذي عنده بنات فقط، وليس معهن ابن ذكر، فمن المعلوم أن نصيبهن في التركة هو الثلثان، والبنت الواحدة نصيبها النصف، والباقي يستحقه الورثة الآخرون من أصحاب الفروض ثم الباقي للعصبة، ومن المقترحات التي تقدمت بها بعض الفعاليات الحقوقية والمجتمعية أن يرجع إليهن الباقي عن طريق الرد أو التعصيب أو غيره، وإلغاء التعصيب، ولكن المجلس العلمي الأعلى اقترح حلا شرعيا مهما يؤدي الدور نفسه، وهو أن يهب المرء قيد حياته ما يشاء من أمواله للوارثات، مع قيام الحيازة الحُكمية مقام الحيازة الفِعلية، بمعنى أنه إذا وهب الأب أو الأم عقارا محفظا لبناته وسجل ذلك في المحافظة العقارية، فذلك كاف في لزوم الهبة، حتى ولو بقي ساكنا في ذلك العقار إلى أن يموت، فلا يحق لأحد أن يطلب ببطلان الهبة؛ لأن الحيازة الحُكمية تقوم مقام الحيازة الفِعلية، وهو حل شرعي بديل عن مقترح إلغاء التعصيب الذي لم يوافق عليه المجلس العلمي الأعلى.

ما معنى إيقاف السكن أو احتفاظ الزوج الذي بقي على قيد الحياة به؟ وما هو الأساس الذي تم الاعتماد عليه في هذا الاجتهاد المتقدم؟

هذه المراجعة تسعى إلى تحقيق مقصد التكافل الأسري والاجتماعي ومعالجة بعض المشكلات التي أفرزها الواقع الاجتماعي، ومن ذلك إيقاف بيت الزوجية واحتفاظ الزوج الذي ما زال على قيد الحياة به، في حالة وفاة الزوج الآخر بشكل مؤقت وفقا لشروط وضوابط يحددها ويضبطها القانون، وهذا الاجتهاد يجد أساسه في القياس على تمكين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من الحجرات التي تركها، على سبيل الإرفاق بهن؛ لأن ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم يؤول إلى بيت المال، وليس إلى زوجاته الحق فيه لأنه لا حق لهن في إرثه؛ لأن الأنبياء لا يورثون، وكذا في القياس على النساء المهاجرات اللائي اشتكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيةَ إخراجهن من السكن بعد وفاة أزواجهن، فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لهن بالسكن، فقد روى الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن كلثوم بن المصطلق، عَنْ زينب، أَنَّهَا كَانَتْ تَفْلِي رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَنِسَاءٌ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ وَهُنَّ يَشْتَكِينَ مَنَازِلَهُنَّ أَنَّهَا تَضِيقُ عَلَيْهِنَّ، وَيُخْرَجْنَ مِنْهَا «فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم أَنْ تُوَرَّثَ دُور الْمُهَاجِرِينَ النِّسَاءُ»، فَمَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَوُرِّثَتْهُ امْرَأَتُهُ دَارًا بِالْمَدِينَةِ”، قال الخطابي في معالم السنن: “فأما توريثه الدور نساء المهاجرين خصوصا؛ فيشبه أن يكون ذلك على معنى القسمة بين الورثة، وإنما خصصهن بالدور؛ لأنهن بالمدينة غرائب لا عشيرة لهن بها، فجاز لهن الدور لما رأى من المصلحة في ذلك؛ وفيه وجه آخر وهو أن تكون تلك الدور في أيديهن مدة حياتهن على سبيل الإرفاق بالسكنى دون الملك كما كانت دور النبي صلى الله عليه وسلم وحجره في أيدي نسائه بعده لا على سبيل الميراث، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: “نحن لا نورث ما تركناه صدقة”، ويحكى عن سفيان بن عيينة أنه قال كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم في معنى المعتدات؛ لأنهن لا ينكحن، وللمعتدة السكنى فجعل لهن سكنى البيوت ما عشن ولا يملكن رقابها”، ونظرا لضعف التكافل الاجتماعي في هذا العصر، وما يمكن أن يلحق الزوج الباقي على قيد الحياة من الحرج الشديد في حالة إخراجه من السكن، فليس هناك ما يمنع من قياس هذه الحالة على حالة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وحالة النساء المهاجرات بالمدينة، ويخصصن بهذا السكن مدة معينة على سبيل الإرفاق بشروط وضوابط تحول دون إلحاق الضرر بباقي الورثة، ويقاس الأزواج على الزوجات في ذلك.

ما معنى دعوة الملك المجلس العلمي الأعلى إلى “مواصلة التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة عبر إحداث إطار مناسب ضمن هيكلته لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة وما تتطلبه من أجوبة تجديدية تساير متطلبات العصر”؟

المجلس العلمي الأعلى مؤسسة دستورية تتشرف برئاسة مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، وبهذا التوجيه الوارد في البلاغ الملكي يدعو جلالته المجلس إلى مواصلة التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة وإحداث آلية ضمن هيكلته للقيام بهذا الدور، حتى تكون لهذه الهيأة تصورات وحلول شرعية لكل الإشكالات المطروحة بشأن الأسرة.

هل يمكن أن نتوقع أن مدونة الأسرة المستقبلية ستتلاءم مع مبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام، النابعة من ديننا الإسلامي الحنيف، وكذا القيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، كما دعا إلى ذلك الملك؟

أكيد، نحن متفائلون جدا بهذه المكتسبات، ونتوقع مدونة جديدة تتضمن حلولا مبتكرة للإشكالات المتعلقة بتطبيق مدونة الأسرة، وتسعى إلى تحقيق العدل والمساواة والتضامن بين مكونات الأسرة، وحمايتها وضمان استمرارها واستقرارها، لأن هذه المقترحات ساهمت فيها مؤسسات دستورية مسؤولة من قبيل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، ووزارة العدل، وهي مؤسسات تمتلك من المعطيات والخبرات والتجارب ما يجعلها قادرة على تحقيق كل الأهداف المرجوة من الإصلاح، كما أن المجلس العلمي الأعلى أضاف الطابع الشرعي على المقترحات المتعلقة بالمرجعية الفقهية، وذلك تحت الرعاية السامية والعناية الكريمة لمولانا أمير المؤمنين أعز الله ونصره.

عبد الله السعيد
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق