بحثًا عن "البوز" .. حملة "التسوية الضريبية" تواجه موجة من المعلومات المضللة

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

تحولت الحملة التحسيسية الأخيرة التي أطلقتها مصالح المديرية العامة للضرائب من أجل تحفيز الملزمين (الأشخاص الذاتيين) لتسريع تسوية وضعيتهم الجبائية فيما يتعلق بأرباحهم ودخولهم المفروضة عليها الضريبة بالمغرب قبل فاتح يناير المقبل، إلى أداة لنشر “الرهاب الضريبي” والهلع في صفوف الملزمين بيد رواد ومؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، أنتجوا بدافع تحقيق مكاسب مالية من “البوز”، مئات الفيديوهات والمنشورات المتضمنة لمعطيات غير صحيحة حول “ضريبة جديدة على الحسابات البنكية!”، و”حجوزات مرتقبة على الحسابات في 2025 دون إشعار مسبق”، ودعوات بعدم إيداع الأموال في البنوك وغيرها من المغالطات.

وفي ظل تعدد الروايات والتفسيرات والتحليلات من قبل صناع “البوز” على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن عملية التسوية الطوعية للوضعية الجبائية، حاولت المديرية العامة للضرائب، التي أعلنت، إلى جانب البنوك، عن فتح شبابيكها خلال نهاية الأسبوع الجاري استثناء لفائدة الراغبين في الاستفادة من التسوية، تفسير إجراءات وشروط العملية، حيث أكدت أنها تهم أساسا الأشخاص الذاتيين وأرباحهم ودخولهم المفروضة عليها الضريبية في المغرب ولم يتم التصريح بها قبل فاتح يناير من السنة الجارية، فيما تتشكل من الموجودات المودعة في حسابات بنكية والمحتفظ بها في شكل أوراق بنكية، وكذا المنقولات والعقارات المقتناة وغير المخصصة لغرض مهني، إضافة إلى السلفات المدرجة في حسابات جارية للشركاء أو في حساب المستغل أو عمليات القروض الممنوحة إلى الغير.

وحسب الإدارة الجبائية، التي فسرت عملية التسوية الطوعية في مذكرتها بشأن التدابير الضريبية المقررة في قانون المالية لسنة 2025، فإن الملزمين المعنيين سيضطرون إلى تحمل ضرائب ثقيلة بعد تاريخ 31 دجنبر الجاري، بعدما كان يكفيهم أداء مبلغ مساهمة لا يتجاوز 5 في المائة فقط من قيمة الموجودات والنفقات المصرح بهما، مع ضمان المحافظة على السرية، حيث يتعين عليهم إيداع الموجودات والإقرار المرتبط بها لدى المؤسسة البنكية المعتمدة، أو تقديم إقرار لدى المصالح الضريبية وأداء المساهمة المتعلقة بالمنقولات أو العقارات أو مبالغ السلفات المدرجة في الحسابات الجارية للشركاء، أو في حساب المستغل والقروض الممنوحة للغير.

وأكدت مديرية الضرائب أن مبلغ الموجودات والنفقات المصرح به، الذي كان موضوع أداء المساهمة الإبرائية المحددة في 5 في المائة من قيمة هذه الموجودات، لن يؤخذ بعين الاعتبار خلال تصحيح أسس الضريبة أثناء المراقبة الجبائية للخاضع للضريبة المعني بالأمر، وتقييم مجموع الدخل السنوي، في إطار مسطرة فحص مجموع الوضعية الضريبية للأشخاص الذاتيين المشار إليها في المادة 216 من المدونة العامة للضرائب، مشددة على أنه عند أداء المساهمة لدى البنك، لا يرسل هذا الأخير أي معلومات لإدارة الضرائب تسمح بتحديد هوية صاحب التصريح، ضمانا لسرية العملية.

ثقافة “دافع الضرائب”

بعيدا عن سعي الدولة المشروع، من خلال وسائل تنظيمية مثل قانون المالية، إلى توسيع الوعاء الجبائي وزيادة نجاعة التحصيل الضريبي، بما يسمح للخزينة بتحمل وتغطية التكاليف المرتبطة بأوراش الحماية الاجتماعية والصحية ومكافحة التضخم والجفاف وتطوير البنية التحتية استعدادا لاحتضان “مونديال 2030″، برز على السطح مشكل مزمن متعلق بضعف ثقافة “دافع الضرائب” في المغرب، حيث ما زال ملزمون يجتهدون في التملص والتهرب من أداء المستحقات الضريبية، فيما يعتبر آخرون الوفاء بالتزاماتهم الجبائية مؤشرا على المواطنة، ووسيلة للمساهمة في التنمية المجتمعية.

وأكد عز الدين محياوي، أستاذ باحث متخصص في علم النفس الاجتماعي، في تصريح لهسبريس، أن تدني “دافع الضرائب” في المغرب يشير إلى إشكالية عميقة تتداخل فيها العوامل النفسية والاجتماعية، موضحا أنه “رغم الجهود الحكومية لتوسيع الوعاء الجبائي وتحسين التحصيل الضريبي، إلا أن هناك ضعفا مستمرا في الثقافة الضريبية لدى الأفراد. ومن أبرز العوامل التي تسهم في هذا الوضع هو انعدام الثقة في المؤسسات الحكومية، ما يدفع المواطنين إلى التهرب الضريبي، إذ يعتبرون أن الأموال التي يدفعونها لا تُستثمر في تحسين حياتهم أو في تطوير الخدمات العمومية”، مشيرا إلى أن ضعف التضامن الاجتماعي يعكس تباينا في المواقف تجاه الضرائب، إذ يعتبر البعض دفع المستحقات الجبائية “عبئا” لا ينبغي تحمله، بينما يراه آخرون واجبا ووسيلة للمساهمة في بناء الوطن.

وشدد محياوي، في السياق ذاته، على “غياب الهوية الوطنية في تعزيز مفهوم المواطنة الضريبية، حيث لا ينظر إلى دفع الضرائب كجزء من المسؤولية الوطنية الجماعية، ذلك أنه في العديد من الحالات، تصبح فكرة التهرب الضريبي مقبولة اجتماعيا، وهو ما يعكس خللا في القيم الثقافية التي تدعم الامتثال للقوانين. ولتحقيق تغيير حقيقي، يجب أن تسعى الدولة إلى تعزيز الشفافية والمساواة في توزيع الموارد المالية، وتحسين كفاءة الأداء الحكومي، من أجل بناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات”، مشيرا إلى ضرورة تكثيف السلطات جهودها في التوعية الإعلامية والتعليمية لتوضيح العلاقة المباشرة بين الضرائب والتنمية المجتمعية، بما يسمح بتغيير السلوكيات الاجتماعية وتعزيز المواطنة الفعالة التي ترى في دفع الضرائب وسيلة أساسية للمساهمة في التنمية المجتمعية.

تمديد عصا التضريب

لم تتضمن نسخة القانون المالي لسنة 2025، المصادق عليها والمنشورة بالجريدة الرسمية مؤخرا، أي إشارة إلى تجديد أو تمديد عملية التسوية الطوعية للوضعية الجبائية، ما يعني أن هذه العملية ستستنفد غاياتها في غضون أيام قليلة، لتنتقل الدولة بعدها إلى استغلال إجراءات أخرى واردة في قانون المالية الجديد للتوسع في تضريب المداخيل بمختلف أنواعها. يتعلق الأمر بما حملته المادة 70 مكررة لمرة واحدة في الوثيقة المذكورة، تحت مسمى “الدخول والمكاسب الأخرى”، التي نصت في فقرتها الثالثة على مداخيل تطبق عليها الضريبة على الدخل غير واردة في التصنيفات المحددة بالمادة 22 من المشروع المالي، متمثلة في “الدخول والمكاسب المتأتية من عمليات هادفة للحصول على ربح، والتي لا ترتبط بصنف آخر من الدخول”.

وأفاد عبد الصمد جديلي، متخصص في المالية العمومية والسياسات الضريبية، بأن المادة 70 مكرر هي امتداد طبيعي لمقتضيات مدونة التجارة التي عرفت النشاط التجاري وحددت طبيعته، إذ شددت المدونة على أن “أي شخص يمارس نشاطا تجاريا بشكل اعتيادي ومتكرر، خاضع لأحكامها وأحكام مدونة الضرائب”، وقس على ذلك المداخيل المتأتية من أنشطة جديدة، مثل التجارة الإلكترونية والإشهارات الرقمية وغيرها من العائدات الواردة عن مواقع التواصل الاجتماعي، على أساس أن كل نشاط تجاري يمارس بصفة منتظمة يلزم صاحبه بأداء الضرائب المفروضة، وفقا للمقتضيات الجبائية الجاري بها العمل، مؤكدا أن تضمين القانون المالي الجديد المقتضى الجبائي المذكور ينذر بحملة مراقبة واسعة خلال السنة المقبلة في صفوف ملزمين ظلوا لمدة سنوات بعيدا عن رادار مراقبي المديرية العامة للضرائب، رغم أن بعضهم بادر إلى تنظيم نشاطه في شكل شركة أو تحت نظام “المقاول الذاتي”.

وأضاف جديلي، في تصريح لهسبريس، أن عملية التسوية الطوعية للوضعية الجبائية للأشخاص الذاتيين، من خلال أداء قيمة المساهمة المحددة في 5 في المائة على الأرباح والدخول المفروضة عليها الضريبة، وغير المصرح بها قبل فاتح يناير من السنة الجارية، لا تهم جميع الأرباح ولا المداخيل المودعة لدى البنوك، بل تتعلق بعمليات أو أنشطة خاضعة للتضريب لكن لم يصرح بها للإدارة الجبائية، إذ سيستفيد أصحابها من هذه المساهمة الإبرائية، قبل الخضوع لتصحيح أو مراجعة ضريبية ثقيلة، مشددا على أن سوء فهم شروط وإجراءات هذه العملية يمكن أن يؤدي إلى عمليات سحب كبيرة للودائع والأموال في الحسابات الجارية للزبائن من البنوك، بسبب الخوف من الحجز على الحسابات البنكية من قبل الإدارة الجبائية في حالة ضبط تهرب ضريبي محتمل، بالإضافة إلى خطر تفاقم مشكل تداول الأوراق النقدية “الكاش”، بعلاقة مع الخروج من المسارات البنكية.

صلاح جميل

الكاتب

صلاح جميل

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق