خطيب الجامع الأزهر: كل ظلم للغير هو في الأصل ظلم من الإنسان لنفسه

صوت الأمة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر فضيلة الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية ودار موضوعها حول "الأشهر الحرم".

قال فضيلة الدكتور محمود الهواري: إن شهر رجب من الأربعة الحرم، التي ذكرها الله جل جلاله في القرآن الكريم بقوله: «إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ»، وبين أسماءها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمـُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ"، وإنَّنا كلما أهل هلال شهر حرام استلهمنا الدروس والعبر والتوجيهات، ومن أوضح هذه التوجيهات قول ربنا جل جلاله: «فلا تظلموا فيهن أنفسكم»، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، أو إيقاع الشيء في غير زمانه أو مكانه أو مع غير أهله، وهو أمر محرم بالكتاب والسنة، ففي صحيح مسلم من رواية أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى: «يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي وجعلتُهُ بينَكم محرَّمًا فلا تَظالموا».

وأضاف الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، إن الظلم ليس مقصورا على ظلم الغير سواء في بيع أو شراء أو أي شيء من أمور الدنيا، بل هناك نوع آخر من الظلم وهو ظلم الإنسان لنفسه، وكأنما أراد الله أن يصحح فكر الإنسان وتصوره أن كل ظلم للغير إنما هو في حقيقته ظلم للنفس!، وكأنه يقال إن رأيت في نفسك قوة من مال أو منصب أو عصبة فظلمت بذلك الناس وأنت تظن أن ذلك يمنعك ففي الحقيقة أنت ظالم لنفسك، وأشنع الظلم هو ظلم الإنسان نفسه، فالإنسان إنما يحرص على نفسه، ويسعى لرغبات نفسه، ويحرص على تحقيق مراد نفسه؛ لذا كان ظلم الإنسان لنفسه شديدًا ومستغربًا، وفي قول ربنا "فلا تظلموا فيهن أنفسكم" جاء الخطاب بلفظ الجمع، وكأنه يقال للناس على تعددهم وكثرتهم أنتم وحدة واحدة، ينبغي أن يشعر بعضكم ببعض، وأن يوقن الجميع بأن الظلم وإن وقع على غيرك فإنه واقع عليك.

 

وأوضح خطيب الجامع الأزهر أن الظلم ورد في القرآن الكريم في ثمانية وعشرين موضعًا، وكلها مردودة مرفوضة، ومن أكثرها إجمالا "ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه"، وعلى هذا المعنى فكل ظلم للغير ظلم للنفس، وأكبر ظلم للنفس أن يتخذ الإنسان إلها من دون الله، ومن شواهده قول سيدنا موسى عليه السلام لقومه: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾، وهناك وهم جديد في هذه الأيام يحاولون وضع الشباب فيه، بتهوين الباطل في نفوسهم، وتخفيف الإحساس بالجرم والحرمة في أفئدتهم، فهذه الشبهات المريبة التي تعمل عليها أجهزة ومنظمات حتى نجعل شبابنا بلا طعم ولا لون، يريدون من شبابنا أن يكونوا بلا هوية، وهو ما يصل بشبابنا إلى الإلحاد وإلى إنكار الله سبحانه وتعالى، وهم بهذا التصور يظلمون أنفسهم ويلقون بأنفسهم إلى الهلاك في الدنيا والآخرة، لأنه لا راحة في الدنيا والآخرة إلا برضا الله سبحانه وتعالى ولا نجاة في الآخرة إلا بفضله سبحانه وتعالى. 

 

وبين الهواري أن من ظلم النفس أيضًا ظلم الأزواج بعضهم بعضا، يظن الزوج أنه وحده من له حقوق أو تظن المرأة أنها وحدها من لها حقوق، وينسى كل منهما حق الآخر عليه، بل ينسيان هما الاثنان حقوق الأسرة والأولاد والمجتمع عليهما، وقول نبينا صلى الله عليه وسلم: لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر" روشتة نبوية تربوية لاستقرار الأسرة وسعادة البيوت. 

ولا شك أن الحياة الزوجية في أكمل صورها قائمة على الحب بين الزوجين، لكن ذلك لا يعني أن الحياة بلا حب مستحيلة، فثمة عوامل أخرى تمد هذه الحياة بمادة بقائها واستمرارها، من هذه العوامل الإحسان إلى المرأة بإبقائها، أو إحسان المرأة إلى زوجها بالصبر عليه، أو الإحسان إلى الأبناء إن وجدوا ببقاء رابطة الزواج قائمة، ومما يذكر هنا أن رجلاً جاء إلى عمر يريد أن يطلق زوجته معللاً ذلك بأنه لا يحبها، فقال له عمر: ويحك، ألم تُبْنَ البيوت إلا على الحب، فأين الرعاية وأين التذمم؟ والتذمم هو الإحسان إلى من يذم بترك الإحسان إليه، وقال عمر لامرأة سألها زوجها هل تبغضه؟ فقالت: نعم، فقال لها عمر: فلتكذب إحداكن ولتتجمل فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام، فالمقصود أن رابطة الزواج لا تُبَت لعاطفة متقلبة أو لنزوة جامحة أو لهوى يذهب مع الريح، أو لاعتبارات تافهة لا قيمة لها، وإذا وصل الأمر إلى استحالة بناء هذه الرابطة أو كانت في بقائها مشقة، كان الطلاق آخر الحلول، ولكن من أعاجيب زماننا أن نلجأ للطلاق أول ما نلجأ إما تهديدا من الرجل، أو تهديدا من المرأة وهنالك تضعف النفوس ويكون ما يكون.

 

وفي ختام الخطبة حذر خطيب الجامع الأزهر من فساد التصور والفكرة، لأنه ظلم للنفس وظلم للمجتمع، ومن شواهد هذا قوله تعالى: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا ﴾، فإنه ظلم نفسه باستجابته لأهوائها وشهواتها يسبب هلاكها.

والعلاج أن نستجيب لتوجيهات الله وإرشاداته الواردة في القرآن والسنة: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾

 

أحمد مسعود
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق