حينما نحاول الحديث عن يحيى حقي نجد أننا أمام عالم من الحكايات التي لا تنتهي فأينما حاولت الذهاب تجد نفسك أمامه كطفل صغير يتعلم خطواته الأولى في الحياة، فعالم يحيى حقي الملئ بالتفاصيل التي لم يتطرق غليها أحد سواه، فمن أين نبدأ في الدخول لهذا العالم، البسيط العميق المضيء المعبق بعطر الزمان والمكان.
تكاد شخصياته التي رسمها على الورق أن تخرج لتعلن بانها ليست مجرد حبر على ورق، بل أناس من لحم ودم يعيشون معنا ونعيش معهم بل تكاد تخرج من بين سطور الكلام وتتحدث إلينا، أما كتبه ومقالاته وعلاقته بكل من حوله، فهو مثلما يطلق عليه الآن المثقف العضوي ولكن دون ضجيج تلك المصطلحات والكلمات الرنانة في الوقت الراهن، فكان يحي حقي يأخذ من المجتمع ويعطيه بسلاسة القول وسهولة الحديث، فلم يكن غريبًا حتى مع الفن الغربي، بل جعله جزء من ثقافتنا المصرية، كانت مقالته تحمل هذا المزيج الراقي بين اللغة العربية واللغة والعامية المصرية والحس الفكاهي التي تمتا بها تلك اللهجة، التي تدخل إلى القلب مباشرة دون استئذان.
فمن أين نبدأ في الدخول إلى عالم يحي حقي؟.. هل من رسائله إلى ابنته أو ما يحمله من مشاعر على أصدقائه وتلاميذه أم تفاصيل أبطال حكاياته وأزماتهم أم من الناقد أم المترجم؟، ولنكن أبسط من ذلك، فلنكن يحيى حقي ببساطته المعهودة وحديث حول أنشودة البساطة.
أقرب الطرق
كان يحيى حقي يرى أن البساطة هي أقرب الطرق للوصول إلى عقل وقلب القارئ في نفس الوقت، فلم يكن مجرد أسلوب يتخذه للحديث أو النقد أو في الكتابة الروائية أو القصة القصيرة أو المقال الصحفي أو النقدي بل جعل من البساطة أنشودة يعزف بها على جميع الأوتار، فكان في أغلب الأوقات يبدأ حديث بطرح التساؤلات التي قد تبدوا ساذجة أو بسيطة لكنها عميقه، فنجد في كتابه أنشودة البساطة يبدأ بتساؤل قد يبدو بسيطًا لكنه يفتح معه مجالا للنقاشات التي تكاد لا تنتهي فنجده يتساءل «لمن يكتب الكاتب؟» ويبدو هذا التساؤل من الأسئلة التي يسهل الإجابة عليها ولكن في حقيقة الأمر إنه تساؤل يحتاج إلى التفكير العميق، فلمن نكتب؟ وماذا نكتب لهم؟ وماذا نريد أن نقول؟ وهل نوعية الجمهور الذي نكتب له يفرض علينا طريقة معينة في الكتابة، أو نوعًا معينًا من الموضوعات، وهل نوعية الجمهور تفرض علينا مجموعة من القراءات؟ قد يفتح هذا التساؤل البسيط العديد من التساؤلات مثلما طرحنا منها وأكثر من ذلك؟ فهل توقف يحيى حقي عند هذا التساؤل..؟ بالطبع لا؟ ولم يكن غرضه أن يخرج بمنهج علمي أو دراسة بحثية عن لمن يكتب الكاتب، خاصة وإذا كان الأمر يتعلق بالحركة الأدبية المعاصرة، لكن ركز "حقي" في هذا التساؤل عن نوعية الجمهور الذي يكتب له والأسلوب الأمثل للحديث والذي يتسم بسمات خاصة لا به استهانة بنوعية الجمهور ولا به تعال بل على الكاتب أن يقوم بعمل موازنة بين الجمهور المستهدف ونوعية الموضوعات التي يتطرق إليها الكاتب.
❞رسائل يحيى حقى لابنته أن تكون صادقه وأن تخرج الكلام من القلب ❝
لمن نكتب وكيف؟
ويحكي «حقي» عن تجربته في مجلة «التعاون»، والتي كان أغلب قرائها من الفلاحين أعضاء النقابات الزراعية، وتلك الحيرة التي انتابته وهو يحاول إيجاد الطريقة المُثلى التي يتحدث بها معهم فكان قراره أن يكتب مقاله باللغة العامية ويحاول أن يصنع أسلوبًا خاصًا بهم مثل تبسيط الأسلوب وأن يكتب بالعامية وان يقطع الجمل، ولكنه رأي أن تلك حماقة، فهم ليسوا بالتلاميذ الصغار في حصة الدرس، ولا يجب أن ينزل بلغة هابطة فلم يفسر الفلاحين هذا الأسلوب على الرغم من النية الطيبة إلا أنه مجرد استهانة بهم وبقدراتهم على الفهم ومجاراة الأمور مهما كانت معقدة وأن تلك الطريقة قد تؤدي إلى نتيجة عكسيه لأنه افترض في البداية أن الجمهور الذي تتحدث إليه غير قادر على الفهم أو الإدراك، والأمر كما هو الحال بالنسبة لمن يريد الكتابه للطفل أيضًا.
ويقول حقي: «الكاتب الذي يستحق البقاء هو الذي يندمج في هذه العجيبة فلا يبقى عندها هم يخالط وجدانها إلا خالط وجدانه هو أيضًا، فإذا تم هذا الاندماج استقام الكاتب من حيث لا يدري الأسلوب الذي ينفذ به إلى قلوب قومه فيصيحون إليه بأسماعهم ويحسون في الوقت ذاته أن الكاتب يصلهم أيضًا بالتراث الروحي للإنسان في كل زمان ومكان، وأن المشاركة الوجدانية بين الكاتب والجمهور هي الشرط الأساسي لتحقيق اللقاء بين الاثنين، وأن الكاتب يخاطب جمهورًا يجمع بين كل ما سبقه أو عاصره من كبار الكتاب في جميع الأجناس وبين المعدن الأصيل فيقومه كما يبدو في صورته الأخيرة». والكتابات كان يراها من خلال تعمقه الكبير بالتفاصيل والهوية والتي ظهرت جليًّا سواء في كتاباته الإبداعية أو حتى مقالاته النقدية أو مقالات الرأي.
فهم الكاتب
فهذا العدد الاحتفالي بحيي حقي والذي يُعد فرصة كبيرة لإعادة التعرف على المبدعين ومن أثروا وأثروا في الحياة الأدبية المصرية والعربية، وفرصة لإعادة مناقشة أفكارهم وإبداعاتهم والتعرف عليها ولتعريف الأجيال الجديدة بهم أيضًا.
يحيى حقي لم يكن مجرد كاتب يسرد أحداثًا، بل كان عازف على أوتار آلته الموسيقية بأعذب وأبسط الكلمات التي تبعث الحياة، يجعل من كل جملة لوحة فنية تنبض المشاعر والأحاسيس.
❞ الإنسان كائن غريب، يضحك على أحلامه حين تتحقق ويبكى عليها حين تضيع❝
درس في الحياة
فكانت رسائله لابنته بمثابة درس في الحياة والإنسانية فنجده يقول: «إنني اكره وأمقت الإنسان الذي يتكلم من لسانه وليس من قلبه، يقول بلسانه شيئًا ويضمر في قلبة شيئًا آخر، يتحدث ولا يحس بما يقوله، إن هذا هو الرياء الاجتماعي، أنا لا أطلب منك أن تكوني فظة أو غليظة أو قليلة الذوق، ولكن على الأقل تعبرين عما تشعرين به، لا أريدك مثل هؤلاء السيدات اللاتي تجلس إحداهن على التليفون تكلم صديقتها وكل اهتمامها بتنظيف وتهذيب أظافرها وتقول لها: وحشتيني يا حبيبتي، نفسي أشوفك.. إنه كلام فارغ ليس نابعًا من شعور أو إحساس حقيقي وهذا أكرهه لأنه يغيظني وينرفزني، يستفزني، إنها صورة أكرهها وأرفضها، فلا بديل عن الصدق يا ابنتي فهو أفضل رأسمال للإنسان الذي يحترم نفسه ويحترم الآخرين».
«قنديل أم هاشم»، مثلًا، يواجه البطل حامد تحديًا يربط بين العلم والإيمان، بين التقاليد والحداثة. كيف يمكن أن نحقق التوازن بين هذين العالمين؟ وما الذي يجعلنا نختار طريقًا دون الآخر؟
العلاقات الإنسانية في أعمال حقي تأتي محملة بالرمزية والتأمل. تراه يصف العلاقات بين الشخصيات بتفاصيل دقيقة، مما يجعلها تبدو قريبة من القلب وملامسة للوجدان. في كل تفاعل، نجد ما يعكس معاناة الكاتب الشخصية ورؤيته العميقة للعالم. فهل يمكننا أن نجد في هذه العلاقات مرآة تعكس تعقيدات علاقاتنا نحن أيضًا؟
وهنا تكمن عبقرية يحيى حقي فكانت رسائله لابنته دروسا في الحياة وهو الأمر الذي لم يبتعد كثيرًا عن قناعاته الشخصية التي ظهرت في أعماله الابداعية، ولهذا تظل إبداعاته مؤثرة عبر الزمن، تتخطى الحدود الثقافية لتصل إلى قلب القارئ، وهنا يكمن سر عبقريته وهو الصدق وعمق إحساسه إيمانه الشديد بأن كل فعل يخرج من القلب لابد وأن يذهب مباشرة إلى القلب، ذلك الإحساس الذي يجعل من كل رواية حكاية نستطيع أن نعيشها ونفهمها بطرق مختلفة في كل قراءة جديدة.
❞كان يقطر شعبية في كتاباته.. وقال عن نفسه: لو عصَرتَنى فى عصَّارة قصب، فلن تنزل منى إلا نقطٌ مصريةٌ تمامًا ❝
القدرة على استخدام اللغة
لعل أبرز ما يميز يحيى حقي هو قدرته على استخدام اللغة بشكل يبعث الحياة في كل زاوية من زوايا عمله الإبداعي. في كل مرة نقرأ فيها له، نجد أنفسنا نعيد النظر في حياتنا، في علاقاتنا، وفي قراراتنا. إن تأثير يحيى حقي يتجاوز حدود الأدب ليصبح درسًا في الحياة، ودعوة للتأمل في أنفسنا وفي العالم من حولنا.
فقد كان دقيقًا في رؤية الأشياء والناس والتعامل معهم بالحب والتعاطف، ينزل إليهم ولا يتركهم يصعدون إليه، إنه يتعامل مع الفران، وبائعة الفجل والبواب واولاد البلد أطال قصصه ونماذج حبه للبساطة، هؤلاء الناس الذين يعيشون في الظل، ويمثلون الشعب على حقيقته ويحتفظون بتراثه بين جوانجهم وعلى ألسنتهم.
وربما تكمن العبقرية في اختيار الشخصيات وتفاصيلها أو مثلما وصفها بـ«شخصيات الظل» فهي شخصيات متواجدة ولا نكاد نلمحها، نمر من أمامها ولا نشعر بوجودها لكن لا يمكن أن يكتمل المشهد بدونها، أو تعلو أصوات المارة دون ندائهم، فمن منا لا يشتهي صوت بائعة الخضروات أو بائع اللبن، أو الفول، أو أصحاب عربات الكارو الجائلين بالفواكة والخضروات بين الشوارع والأزقة الضيقة، وأصوات حتى الشحاتين والمتسولين وقديمًا كانت أصوات السقايين وسانني السكاكين الذين يجوبون الشوارع بحثًا عن مصدر الرزق، فجميع هؤلاء "شخصيات الظل" لا يمكن أبدأ تصور المشهد بدونهم، فهم من يعطون للطعام مذاقًا مثل التوابل التي لا يمكن الاستغناء عنها، والتي تذهب الأكلة إلى مكان آخر بفضل وجودهم، تخيل معي أن تجد نفسك في مشهد درامي بداخل إحدى الروايات يقتصر فقط على وجود شخصية البطل وهو يسير في أحد الشوارع دون أن يقابله أي تفاصيل أو حدث أو شخصية من تلك الشخصيات، ستشعر حتمًا بالملل وتلوذ بالفرار من داخل تلك القصة أو الرواية، وهكذا كان عالم يحيى حقي ملسئًا بالتفاصيل والحكايات والشخصيات التي بدونها لا يمكن أن تتخيل المشهد، لأنها جزء من لوحة فنية رُسمت باقتدار.
فلا يمكن أن نقبل صور ميدان السيدة زينب في «قنديل أم هاشم» بكل ما فيه من تفاصيل وانعكاس تلك التفاصيل عن المشاعر الداخلية للدكتور إسماعيل. نظرته إلى الناس والأشياء من حوله. إشفاقه وقلقه وحبه وسخطه، وتلك الصور المركبة بين عين الشاب الصغير والزحام والناس وصخبهم. والتغيُّر في نظرة إسماعيل بعد عودته من لندن، فهو لا يرضى عن إنسان، ولا عن شيء، سمج، ثرثار، أقرع، عارٍ، حافٍ، وأيضًا صورة الميدان وهو يتصالح معه والمزج بين إيمانه بالعلم وحرصه على الموروث في حياة أهل السيدة.
❞في كل مرة نقرأ فيها له، نجد أنفسنا نعيد النظر فى حياتنا في علاقاتنا وفي قراراتنا إن تأثير يحيى حقى يتجاوز حدود الأدب ليصبح درسًا فى الحياة❝
عاشق للمصرية
قال عنه الكاتب الكبير محمد جبريل في كتابه «قراءة في شخصيات مصرية» إن يحيى حقي كان عاشقًا للمصرية، ناسها ومفرداتها وطبيعتها السهلة، والقاسية. يتحدث عن مرحلة اتصاله بالحضارة الأوروبية؛ يقول: «كنتُ دائمًا أشعُر أن في داخلي شيئًا صُلبًا لا يذوب بسهولة في تيَّار حضارة الغرب. وقد وضَّحتُ ذلك مرةً في مقالٍ قارنتُ فيه بين الأثَر الذي تتركُه روما في القادمين إليها من الشمال، والقادمين إليها من الجنوب؛ فأهل الشمال ينبهرون بشمسها وحضارة عصر النهضة.. أما أنا فقد وصلتُها وعندي قدْرٌ أكبر من اللازم من الشمس، وعندي حضارةٌ إن لم تفُق، فهي تُماثِل حضارتها، وعندي دينٌ هو نظامٌ متكامل فيه الغَناء».. أعجبَني تعبيره: أنت لو عصَرتَني في عصَّارة قصب، فلن تخرَّ مني إلا نقطٌ مصريةٌ تمامًا. تُحِس في أحاديثه، وفي كتاباته، أنه يقطر شعبية، وأنه الأشد تعبيرًا عن الأدنى، برغم اشتغاله، معظَم أعوام حياته العملية، في السلك الدبلوماسي، ثم زواجه من سيدةٍ فرنسية. يقول إنه لا يدري سببًا في التصاقه بالشعب، إنما يشعُر شعورًا جازمًا بأنه قطعةٌ منه. وعندما يكتُب عن سيدةٍ مصريةٍ من أعرق الأحياء شعبية، يُحِس أنه يفهمها ويفهم لغتها واصطلاحاتها، ولا يجد عناءً من أي نوع. وهو يتمثَّلها وكأنه واحدةٌ من بنات الغورية أو باب البحر.
ومع أن عمل يحيى حتى في منفلوط لم يَزِد عن عامَين، فقد انعكسَت تلك الفترة القصيرة نسبيًّا على الفنان، سواء من حيث إبداعه الفني، أو من حيث تعاطفه الإنساني مع الغلابة والمُنكسِرين، وتعرُّفه المباشر إلى ما كان مجهولًا عنه في الحياة المصرية.
وهو ما تؤكده أغلب كتابات يحي حقي سواء في قنديل أم هاشم أو البوسطجي وأم العواجز غيره من الأعمال الروائية او القصصية.
خليها على الله
في تلك المذكرات يقول يحي حقى هذه مذكرات عابر سبيل أرويها عفو الخاطر تاركا نفسي على سجيتها، والحبل على الغارب، لا أعتمد فيها إلا على الذاكرة وحدها والذاكرة خؤون، من أجل هذا التمس العذر ممن عنده العلم الصادق إن سهوت أو أخطأت.. إن كان قد سبق لي في حياتي أن حاولت تسجيل حوادثها يومًا بيوم، فإني لم أستطع أن أكتب إلا صفحة يوم واحد ثم يشل الملل يدي..
ويقول أيضًا عن تلك المذكرات: «يكفيني أن تخرج هذه المذكرات كأنها نجوى تدور بيني وبين نفسي ملتزمًا فيها الصدق والصراحة والنفع، مهتما بالعبرة لا بالتفاصيل وعزائي أنني أستقبل وأشبع كل خطوة بابتسامة، ولو كانت الذكري ممضة والكلام عنيفا، فالابتسام وحده هو الذي يجعل طلب الصفح جميلًا».
وتمتاز تلك المذكرات بخفة الظل والصدق والصراحة وأيضًا وصفًا تفصيلًا عن شكل الحياة الاجتماعية والسياسية في تلك الفترة الهامة ما يجعها جزء من ذاكرة المجتمع في العصر الحديث، وهموم الوطن في تلك الفترة فنجده يقول عن سحر الخطابة: «كان لي شغف قديم بالخطباء، دسست نفسي وأنا تلميذ صغير أخاف الزحمة- فما بالك بالرصاص- وسط المتظاهرين حتى بلغت بيت الأمة لأسمع سعد زغلول، صورته الباقية عندي كخطيب تعود إلى يوم في سرادق كبير كانه يوم الحشر» ففي ذلك الوسف البسيط الذي يتحدث فيه "حقي عن ولعه بالخطابه" نستطيع أن نتصور شكل التجمعات في البيت الأمة وكيف كان يقف سعد زغلول يخطب في الجميع وكيف كانت الحشود تلتف حوله من أجل القضية الوطنية، والتي وصف قوة وكبر الحشود من الجماهير باعتبارها يوم الحشر نظرًا لكثرة أعداد المتوافدين على حضور وسماع خبطة الزعيم.
ففي واقع الأمر نجد أننا في حاجة ماسة للعودة للقراءة مرة أخرى والتعرف على أدبائنا وإعادة قراءة ما قدموه سواء أعمال نقديه أو أديبة وإعادة طرحه وفقًا للرؤى الجديدة ووفقًا لمقتضيات العصر الحديث، أي نعم من الممكن أن نطلق على يحيى حقي أنه أحد أهم المفكرين والنقاد والذين كانوا يسبقون عصرهم، ذلك لأنه كان واضحًا وصادقًا مع نفسه أولًا لهذا جاءت كتاباته لاسيما النقدية منها متفردة وسابقه لعصرها، فإذا أخذنا القارئ في رحلة مه كتابه «تعالى معي إلى الكونسير. مع الكاريكاتير في موسيقى سيد درويش» ستعرف ببساطة كيف استطاع يحي حقى المزج ببراعة بين الموسيقى الكلاسيك وقائد الأوركسترا والفن الشعبي وكيف عمل على رفع الموسيقى العربية في مقابل الموسيقى الأجنبية والكلاسيكية ويقول حقي عن هذا الكتاب: «وما أردت بهذا الكتاب الصغير أن أقتحم ميدانك، وإنما جملت همي كله أن أنقل جو حفلة الكونسير وأقف عند لحظاتها العفوية وأدور حول جانبها الإنساني متبسطًا في الكلام، خالطًا الجد بشيء من الدعابة، والقصد بالمبالغة، مسترجعا ذكرياتي حين بدأت في روما- قبل الحرب العالمية الأخيرة أخالط الكونسير لأول مرة، وعشمي أن أحث القارئ الذي حاله كحالي قبل هذه الخلطة أن يتوكل على الله ويشتري تذكرة».
وهنا وبعد استعراض الكثير من المهام المنوطة بالناقد الموسيقى، يقول يحي حقي: «مهمة الناقد الموسيقى هي المقارنة بينها وقياس كلمتها على فهمه هو للعمل وكيف ينبغي أن يكون أداؤه، أما عندنا في مصر، فإن كل شرح وتعليق على الموسيقى العربية لا يتطرق فى كلمة واحدة إلا الحكم على الأداء الذي سمعه ومن حسن الحظ، ليس هناك ثبات».
0 تعليق