د. حسام البحيري يكتب: الارتقاء بالذكاء الاصطناعي إلى المستوى التالي في التصنيع

الرئيس نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

الذكاء الاصطناعي (AI) هو فرع من علوم الحاسب ويهدف إلى إنشاء أنظمة قادرة على محاكاة القدرات العقلية البشرية. يشمل ذلك القدرة على التعلم، الاستنتاج، والتفاعل مع البيئة بطريقة تزيد من فرص نجاح النظام في تحقيق أهدافه. يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه “علم وهندسة صنع الآلات الذكية”، كما صاغه عالم الحاسوب جون مكارثي في عام 1956.

تعود جذور الذكاء الاصطناعي إلى منتصف القرن العشرين، حيث بدأ عدد من العلماء استكشاف طرق جديدة لبناء آلات ذكية تعتمد على الاكتشافات الحديثة في علم الأعصاب ونظرية المعلومات. تم تأسيس المجال الحديث للذكاء الاصطناعي خلال مؤتمر عُقد في كلية "دارتموث" عام 1956، حيث اجتمع مجموعة من الباحثين الذين أصبحوا رواد هذا المجال. لذلك يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا متزايد الأهمية في قطاع التصنيع، حيث يتم استخدامه لتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف وتعزيز الابتكار. 

وللارتقاء بالذكاء الاصطناعي إلى المستوى التالي في التصنيع، يجب على الشركات المصنعة دمج تقنيات الأتمتة الذكية مثل أتمتة العمليات الروبوتية  والأنظمة الآلية المتقدمة. هذه التقنيات تساعد في تقليل الأخطاء البشرية وزيادة سرعة الإنتاج. من خلال استخدام الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يمكن تحسين عمليات الإنتاج بشكل كبير. ويمكن لتقنية إنترنت الأشياء أن تلعب دورًا حاسمًا في جمع البيانات وتحليلها. من خلال ربط الآلات والأجهزة بشبكة الإنترنت، يمكن للشركات تتبع الأداء في الوقت الفعلي وتحليل البيانات لتحسين العمليات. هذا يسمح بتحديد المشكلات قبل أن تؤثر على الإنتاج.

مع تزايد كمية البيانات التي يتم جمعها من العمليات الصناعية، يصبح تحليل البيانات الكبيرة أمرًا ضروريًا. يجب على الشركات استثمار أدوات التحليل المتقدمة لفهم الأنماط والاتجاهات داخل بياناتها، مما يساعد على اتخاذ قرارات مستندة إلى البيانات. يمكن استخدام التعلم الآلي لتحسين عمليات التصنيع من خلال التنبؤ بالأعطال وصيانة المعدات قبل حدوثها. هذا النوع من الصيانة الاستباقية يمكن أن يقلل من وقت التوقف ويزيد من كفاءة الإنتاج.

يجب على الشركات الاستثمار في نماذج المحاكاة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لاختبار سيناريوهات مختلفة دون الحاجة إلى تنفيذ تغييرات فعلية على خط الإنتاج. هذا يساعد في تحديد أفضل الممارسات وتجنب المخاطر المحتملة. لكن مع تزايد الضغط لتحقيق الاستدامة البيئية، يجب أن تتبنى الشركات حلول الذكاء الاصطناعي التي تساعد في تقليل النفايات وتحسين كفاءة الطاقة. يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين استهلاك الموارد وتقليل البصمة الكربونية.

من الضروري أن تستثمر الشركات في تدريب موظفيها على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة وفهم كيفية دمجها ضمن العمليات اليومية. التعليم المستمر سيمكن الفرق من الاستفادة القصوى من هذه التقنيات. لذلك يجب على الشركات العمل مع مزودي التكنولوجيا والشركاء الأكاديميين لتطوير حلول مخصصة تناسب احتياجاتهم الخاصة وتساعدهم في تحقيق أهدافهم الصناعية. وبهذا ومن خلال اتباع هذه الخطوات، يمكن للشركات المصنعة الارتقاء بالذكاء الاصطناعي إلى المستوى التالي وتعزيز قدرتها التنافسية في السوق العالمية.

من أهم الأهداف التي يفكر بها المصنعون؛ تحسين عمليات المصنع دون إجراء إصلاحات جذرية، جذب وتدريب العمال الجدد وإعادة تدريب العمال الحاليين، خفض التكاليف للحفاظ على أسعار تنافسية، الحصول على مواد مستدامة دون تضخيم التكاليف أو التأثير على المهل الزمنية، انخفاض استخدام الطاقة والانبعاثات لزيادة الاستدامة. لذلك يجب الإبقاء على الاطلاع على اللوائح البيئية المتطورة عبر مواقع المنشأة. وقد يكون الابتعاد عن الممارسات التقليدية بمثابة تحول صعب بالنسبة للمصنعين. ومع ذلك، فإن فوائد تبني هذه التقنيات المتطورة أكبر من أن نتجاهلها. وبالنظر إلى المستقبل، فإن الشركات المصنعة التي تتبنى التقنيات المتقدمة سوف تقود العمليات الذكية، وتعزز جودة المنتج، وتزيد من الاستدامة بطرق لا يمكن أن تضاهيها الأساليب التقليدية.

إذا استعرضنا تحديات التصنيع فسنجد أن التكاليف التشغيلية المرتفعة تؤدى إلى انخفاض هوامش الربح ودفع العملاء إلى المنافسين. العملية اليدوية يمكن أن تتسبب في فترات توقف متكررة، وتضر بجودة المنتج، وتتسبب في عدم كفاءة الموارد. تدفع المخاوف البيئية والاستدامة الشركات المصنعة إلى استخدام موارد أكثر استدامة وتحسين استخدام الطاقة. وأيضا فإن المنافسة المتزايدة على المواهب في سوق العمل الضيق تجعل من الصعب العثور علىِ موظفين جدد يمكن الاعتماد عليهم، في حين أن إعادة تدريب الموظفين الحاليين يمكن أن تؤدي إلى إجهاد الموارد التنظيمية والتأثير سلبًا على الإنتاج.

لذلك في ظل مشكلات سلسلة التوريد ونقص العمالة التي تؤدي إلى تقليص أرباح التصنيع والإنتاجية، يمكن أن تساعد الاستراتيجيات المعتمدة على التكنولوجيا في معالجة التحديات الأكثر إلحاحا في الصناعة. ويمكن لمؤسسات التصنيع زيادة كفاءتها والحفاظ على مرونتها أثناء اضطرابات سلسلة التوريد والقوى العاملة من خلال استخدام الحلول القائمة على التكنولوجيا مثل الحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء والتحليلات المتقدمة - ثم دمج الذكاء الاصطناعي لتعزيز فعاليتها بشكل أكبر.

لقد برزت المصانع الذكية كحل تحويلي لمساعدة الشركات المصنعة على مواجهة بعض التحديات الأكثر أهمية التي تواجهها. وذلك من خلال اعتماد التقنيات الرقمية مثل الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، وتحليلات البيانات وغيرها من التقنيات الحديثة. ونجد كذلك ان مرافق التصنيع المتقدمة توفر المزيد من إمكانات تحسين الموارد والتكلفة التي لا تكون ممكنة في بيئة المصنع التقليدية. فأن إحدى الفوائد الرئيسية للمصنع الذكي هي الرؤية المستمرة لما يحدث على أرض المصنع. 

تستخدم المصانع الذكية البيانات الواردة من أجهزة الاستشعار والآلات لتمكين الرؤية والمراقبة في الوقت الفعلي، مما يمنح الشركات المصنعة رؤية دقيقة للعمليات لتعزيز الكفاءة الإجمالية للمعدات وتحسين استخدام الموارد. كما تسهل تقنية المصنع الذكية على الشركات المصنعة صيانة المعدات بشكل استباقي. فبدلًا من انتظار تعطل المعدات، يمكن للمصنعين استخدام التعلم الآلي والتحليلات التنبؤية لتوقع أين ومتى ستكون هناك حاجة إلى الصيانة قبل أن تتسبب مشكلة محتملة في توقف العمل باهظ الثمن أو تؤثر سلبًا على جودة المنتج. تعمل المصانع الذكية أيضًا على تسهيل مشاركة رؤى الإنتاج مع فرق التصميم والهندسة، مما يعزز الابتكار القائم على ردود الفعل الواقعية. علاوة على ذلك، يتم تمكين العاملين الأذكياء في الخطوط الأمامية في المصانع من خلال أدوات الاتصال والتعاون، وسير العمل الرقمي، وأدوات المساعدة عن بعد ِ التي تعمل في النهاية على تحسين مهاراتهم وإنتاجيتهم وسلامتهم.

غالبًا ما يواجه المصنعون التقليديون نظاما بيئيا تكنولوجيا ً معقدا ومجزءًا عبر مواقع مصانعهم. ونتيجة لذلك، هناك نطاق واسع من النضج عندما يتعلق الأمر بقدرة الشركات المصنعة على اعتماد ودمج التكنولوجيات المتقدمة. ومع ذلك، يظل الهدف الأسمى هو الحفاظ على تشغيل المصانع بسلاسة وضمان إنتاج أعلى مستوى ممكن.

وأخيرا فالذكاء الاصطناعي أصبح جزءا لا يتجزأ من صناعة التصنيع، حيث يسهم في تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف وزيادة الإنتاجية. لتحقيق الارتقاء بالذكاء الاصطناعي إلى المستوى التالي في هذا القطاع، يمكن النظر في عدة مجالات رئيسية:

التحليل المتقدم للبيانات: تعتبر البيانات هي العمود الفقري لأي نظام ذكاء اصطناعي. من خلال استخدام تقنيات مثل التعلم الآلي وتحليل البيانات الكبيرة، يمكن للمصنعين استخراج رؤى قيمة من كميات ضخمة من البيانات التي يتم جمعها من العمليات الإنتاجية. هذه الرؤى تساعد على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن تحسين العمليات وتقليل الفاقد.

الأتمتة الذكية: الأتمتة ليست جديدة على الصناعة، ولكن دمج الذكاء الاصطناعي مع الأتمتة يمكن أن يؤدي إلى تحسينات كبيرة. الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكنها التعلم من التجارب السابقة وتكييف سلوكها بناءً على الظروف المتغيرة في بيئة العمل. هذا يسمح بتحسين الكفاءة وتقليل الأخطاء البشرية.

الصيانة التنبؤية: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا حاسمًا في الصيانة التنبؤية، حيث يقوم بتحليل بيانات الأداء والتشغيل للأجهزة والمعدات لتوقع الأعطال قبل حدوثها. هذا يقلل من وقت التوقف عن العمل ويزيد من عمر المعدات.

التصميم المدعوم بالذكاء الاصطناعي: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات التصميم والإنتاج، حيث يمكنه تحليل الأنماط والاتجاهات في السوق وتقديم توصيات حول المنتجات الجديدة أو التحسينات الممكنة على المنتجات الحالية.

سلسلة الإمداد الذكية: يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين إدارة سلسلة الإمداد من خلال تحليل البيانات المتعلقة بالمخزون والطلب والتوريد. يساعد ذلك الشركات على اتخاذ قرارات أفضل بشأن الشراء والتوزيع، مما يؤدي إلى تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة.

تجربة العملاء المحسنة: يمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا تحسين تجربة العملاء من خلال تخصيص المنتجات والخدمات بناءً على تفضيلات العملاء وسلوكهم الشرائي، مما يزيد من رضا العملاء وولائهم.

التعاون بين الإنسان والآلة: من المهم تعزيز التعاون بين العمال البشريين والأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. يجب تصميم واجهات المستخدم بشكل يسهل التواصل بين الإنسان والآلة، مما يعزز الفعالية والإنتاجية.

وفي الختام، إن الارتقاء بالذكاء الاصطناعي إلى المستوى التالي في التصنيع يتطلب استثمارا مستمرا في التكنولوجيا والتدريب والتطوير لضمان تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه التقنيات الحديثة.     

صلاح جميل

الكاتب

صلاح جميل

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق