تونس تعلن "تقرير المصير" أولوية .. غموض رسمي يفتح أبواب التأويلات

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

على خلفية استقباله وزير خارجية بلاده بقصر قرطاج، نهاية الأسبوع الماضي، أكد الرئيس التونسي قيس سعيد أن “للدبلوماسية التونسية ثوابت راسخة ويجب أن تكون اليوم أكثر إشعاعا في العالم، ليس فقط على المستوى الدبلوماسي التقليدي، سواء الثنائي أو متعدد الأطراف، بل أيضا على المستوى الاقتصادي”، مشيرا إلى أنه “في طليعة هذه الثوابت حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”، حسب ما أفاد به بيان لرئاسة الجمهورية التونسية عبر صفحتها على موقع “فيسبوك”.

ويثير تعبير الدبلوماسية التونسية عن تمسكها بمبدأ “حق الشعوب في تقرير المصير” تساؤلات عميقة حول حقيقة موقفها من قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، خاصة في ظل الغموض الذي يكتنف الموقف الرسمي لتونس من هذا النزاع الإقليمي، وهو ما يفتح الباب أمام تفسيرات متباينة، فقد يُفهم على أنها إشارة ضمنية إلى دعم جبهة البوليساريو التي استقبل الرئيس التونسي زعيمها خلال قمة “تيكاد” المنعقدة في تونس سنة 2022، وهو ما تسبب في أزمة دبلوماسية بين المغرب وتونس مازالت تبعاتها مستمرة إلى حدود كتابة هذه الأسطر.

غير مقصودة

قال أحمد أونيس، وزير الخارجية التونسي الأسبق، إن “الحديث عن دعم تونس حق الشعوب في تقرير مصيرها لم يكن كاملاً، ويمكن أن يجر إلى تأويلات غير مقصودة، مثل دعم تونس لما يسمى الشعب الصحراوي”، مشدداً على أن “تونس لا تؤمن بوجود شعب في الصحراء خارج إطار المملكة المغربية، رغم أنها استقبلت إبراهيم غالي الذي يطلق على نفسه صفة رئيس الجمهورية الصحراوية، غير أنه كان ضيفاً للاتحاد الإفريقي حينها”.

وتابع الدبلوماسي التونسي السابق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن “الدولة التونسية لا تعترف بوجود كيان صحراوي”، وزاد: “نحن نتفهم حساسية هذا الموضوع بالنسبة للمملكة المغربية، ونتأسف لاستمرار البرود الدبلوماسي بين البلدين”.

وسجل المتحدث ذاته أن “تونس سعت إلى طي هذا الخلاف والعمل على عودة سفيري البلدين إلى منصبيهما، غير أن هناك بعض التحفظات من جانب إخواننا في المغرب”، معتبراً أن “الرباط سبق أن حددت شرط بناء علاقاتها الدولية، وهو الموقف من قضية الصحراء”، وأردف: “غير أننا نؤكد مرة أخرى أن تونس لا تعترف بوجود كيان في الصحراء خارج الوطن الأم، أي المغرب”.

وأورد أونيس: “مواقف دول المغرب الكبير من قضية الصحراء لها ثقل وأبعاد أكبر من مواقف باقي الدول، كالموقفين الفرنسي والإسباني اللذين رحبت بهما شخصياً. غير أنه يجب أن نستحضر هنا أن تونس تشغل جغرافياً موقعاً حساساً، ويمكن أن تدفع ثمناً باهظاً جراء أي اصطفافات إقليمية؛ وعليه يكفي في الوقت الحالي أن تبقي على موقفها غير المعترف بما تسمى الجمهورية الصحراوية، أو التصريح بما يعكس غير ذلك”.

غموض رسمي

أوضح هشام معتضد، باحث في الشؤون الإستراتيجية، أن “الإشارة إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها بمعزل عن سياقه القانوني والسياسي، ودون ربطه بمبدأ احترام الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للدول، تثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة التوظيف السياسي لهذا المفهوم القانوني؛ ذلك أن تطبيق هذا الحق يخضع لآليات قانونية دقيقة ومركبة تضمن تحقيق التوازن بين المبادئ الدولية واحترام السيادة الوطنية، لاسيما في السياقات الإقليمية الحساسة مثل الحال في الفضاء المغاربي”.

وتابع معتضد بأن “تناول هذا المفهوم في بيان رئاسي تونسي، خصوصاً في ظل غموض الموقف الرسمي التونسي من قضية الصحراء المغربية، قد يُسهم في تعميق الفتور في العلاقات المغربية-التونسية بدلاً من تقريب وجهات النظر، خاصة أن هذه التطورات تأتي في سياق توتر سياسي قائم منذ استقبال الرئيس التونسي زعيم جبهة البوليساريو، وهي خطوة أثرت سلباً على مسار التعاون التقليدي بين البلدين”.

وبين المصرح لهسبريس أن “تونس تحت قيادة الرئيس قيس سعيد تتبنى نهجاً سياسياً يختلف عن التوجهات التقليدية التي ميزت تاريخها الدبلوماسي”، وزاد: “تونس، التي لطالما عُرفت بمواقفها السياسية المتزنة واحترامها سيادة الدول الشقيقة في فضائها الإقليمي، باتت اليوم تسير في مسار غامض ومتذبذب. وهذا التحول يثير العديد من التساؤلات حول قدرة البلد على الحفاظ على موقعه كفاعل مسؤول داخل محيطه الإقليمي والقاري”.

وشدد المتحدث ذاته على أن “تجاوز تونس خطها السياسي التاريخي واعتماد مواقف تتسم بالتبعية السياسية لبعض القوى الإقليمية يُضعف مكانتها الإستراتيجية ويُعقد علاقاتها الثنائية، خاصة مع المملكة المغربية”، مردفا: “تونس بحاجة إلى إعادة تقييم سياساتها الإقليمية والعمل على تعزيز التفاهم مع الرباط، خصوصاً في ما يتعلق بالنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية”.

وخلص الباحث نفسه إلى أن “تبني سياسات غير تقليدية، دون مراعاة التراكمات التاريخية والعمل المشترك لبناء الفضاء المغاربي، يُضعف الرصيد السياسي التونسي، ويجعله أقل تأثيراً في مواجهة التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة المغاربية والساحل والصحراء والقارة الإفريقية”، خاتما: “في ظل هذه الحركية المتسارعة يصبح لزاماً على تونس تبني رؤية سياسية واعية تستند إلى الفهم العميق للواقع الإقليمي والالتزام بمسؤولياتها التاريخية”.

عبد الله السعيد
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق