حققت التسوية الضريبية الطوعية التي أطلقتها المملكة المغربية خلال سنة 2024 نجاحا بارزا، حيث أسفرت عن تحصيل مداخيل استثنائية بلغت 127 مليار درهم، ما يعادل 9 في المائة من الناتج الداخلي الخام بنهاية دجنبر 2024. هذه العملية ساهمت في إدماج ثلث الاقتصاد غير المهيكل، الذي يُقدر حجمه بنحو 330 مليار درهم.
وحسب الخبراء الاقتصاديين، فإن هذه المبادرة لم تقتصر على تعزيز المداخيل الضريبية، بل أتاحت تسوية الأوضاع الضريبية لعدد كبير من المواطنين؛ مما عزز المصالحة مع إدارة الضرائب، وحقق نوعا من الإنصاف الجبائي. كما ساهمت في ضخ سيولة إضافية في البنوك المغربية لدعم الاقتصاد الوطني.
وعلى الرغم من هذه الإنجازات، فإن الخبراء أكدوا أن هناك حاجة إلى استراتيجيات جديدة تضمن توجيه هذه الموارد نحو استثمارات منتجة تخلق فرص عمل وتخفض مستويات البطالة، إلى جانب إدماج الثلثين المتبقيين من الاقتصاد غير المهيكل في النظام الاقتصادي الوطني.
وفي هذا الإطار، قال يوسف كراوي الفيلالي، خبير اقتصادي رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، إن “قيمة المبالغ المحصلة والمُضمّنة من خلال هذه العملية بلغت حوالي 127 مليار درهم تم تحصيلها؛ وهو ما يعادل حاليا 9 في المائة من الناتج الداخلي الخام حتى نهاية دجنبر 2024، كما يمثل أكثر من ثلث حجم الاقتصاد غير المهيكل”.
وأضاف كراوي الفيلالي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “الدراسات السابقة تشير إلى أن حجم هذا القطاع كان يُقدر بنحو 300 مليار درهم، بينما يُقدر اليوم بنحو 330 مليار درهم”.
وتابع رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير قائلا: “بناء على ذلك، أعتبر أن هذه العملية بمثابة خطوة أولى نحو إدماج جزء من الاقتصاد غير المهيكل، يقدر اليوم بالثلث”.
واستدرك الخبير الاقتصادي قائلا: “ومع ذلك، يتضح أن هناك حاجة إلى عملية أخرى مستقبلا لاستيعاب الثلث الثاني من هذا القطاع؛ وهو ما سيؤدي إلى دمج حوالي ثلثي الاقتصاد غير المهيكل في المنظومة الاقتصادية الوطنية”، مؤكدا أن “هذا الإدماج سيُسهم في تعزيز الناتج الداخلي الخام؛ لكنه ليس كافيا في حد ذاته”.
وحسب المتحدث عينه، فإن “الجانب الأهم هو أن يتم توجيه هذه الأموال نحو استثمارات منتجة تُسهم في خلق فرص عمل وتحقيق النمو الاقتصادي”.
وفي هذا الصدد، شدد يوسف كراوي الفيلالي على أن “الحكومة مدعوة إلى أن تفكر في آليات فعالة لضمان أن تُستثمر هذه المبالغ، التي تُقدّر حاليا بـ170 مليار درهم، في مشاريع تساهم في تقليص معدلات البطالة المرتفعة التي تواجهها البلاد اليوم”.
من جانبه، قال محمد جدري، خبير اقتصادي: “أعتقد أن التسوية الضريبية الطوعية التي قامت بها المملكة المغربية خلال سنة 2024 حققت نجاحا ملحوظا، حيث أسفرت عن تحقيق مداخيل ضريبية استثنائية بلغت حوالي مليار درهم. إلى جانب الإيرادات، حققت هذه المبادرة مجموعة من الأهداف المهمة”.
وأوضح جدري، ضمن تصريح لهسبريس: “أولا أتاحت هذه التسوية الفرصة للعديد من الأشخاص لتسوية وضعياتهم الضريبية، مما أزال عنهم الخوف من التعامل مع إدارة الضرائب. ثانيا، ساهمت في تحقيق نوع من الإنصاف الضريبي، حيث كان الموظفون في القطاع العام والأجراء في القطاع الخاص يخضعون لضريبة تُقتطع من المصدر، بينما كانت مهن أخرى وعمال غير أجراء يصرحون بدخلهم بناء على إنتاجيتهم، مما كان يفتح الباب أمام التهرب الضريبي والغش”.
وأضاف الخبير الاقتصادي سالف الذكر قائلا: “عززت هذه التسوية المصالحة بين المواطنين وإدارة الضرائب، ما يتيح فرصة لفتح صفحة جديدة في العلاقة بين الطرفين. وأخيرا، وهو الأهم، أن البنوك المغربية استفادت من سيولة إضافية ستسهم بلا شك في تعزيز تمويل الاقتصاد الوطني، خاصة أن هذه البنوك كانت تعاني من نقص السيولة”.
0 تعليق