ارتبط الوجود السوري «اللافت» في الأحياء المصرية على مدى أكثر من عقد بتشكيلات كثيرة من الروابط والكيانات، تقدم خدماتها للجالية الوافدة، غير أن الشاب السوري (الثلاثيني)، شاهر رجوب، لا يرى حالياً وجود تأثير لتلك التجمعات، بعد أن تجاوزتها حالة اندماج السوريين داخل المجتمع المصري، إلى جانب توقف نشاط غالبية الروابط.
ويُقيم الشاب السوري في إحدى ضواحي مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة)، منذ قدومه مع والدته وشقيقه عام 2013، وهي منطقة تشتهر بكثرة عدد السوريين فيها، كما تضم عشرات المطاعم والمقاهي والمحلات السورية.
و«رغم انتشار المطاعم والمحال التي يعمل بها ويديرها سوريون، فإن هذا العدد الكبير يفتقد لروابط وكيانات فعّالة في الوقت الراهن بعد أن باتت مُشتتة بلا تأثير، على عكس حضورها النشط في أعقاب الثورة السورية عام 2011»، وفق شاهر رجوب.
يتذكر رجوب، الذي يعمل مصوراً، البدايات الصعبة عند وصوله إلى مصر، فقد آثر العمل على استكمال دراسته لضيق الحاجة، واضطر إلى الانخراط في أكثر من عمل على مدار اليوم، لتأمين عيشه، لكنه يؤكد أن ما خفف عبء سنوات كفاحه الأولى هو الدعم الإغاثي، الذي كانت تقدمه مؤسسات وكيانات سورية للأسر الوافدة، وفق حديثه لـ«الشرق الأوسط».
وشاهر رجوب واحد من بين نحو مليون ونصف المليون سوري يقيم في مصر، وفق المنظمة الدولية للهجرة، وارتفع عدد المسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين إلى نحو 153 ألف سوري، ليشكلوا ثاني أكبر نسبة لاجئين في مصر، بعد السودانيين بنسبة 17 في المائة.
مع ازدياد أعداد السوريين الوافدين إلى مصر بعد عام 2011، أسس نشطاء ورموز بالجالية السورية «رابطة» لدعم الوافدين، تنوعت مساعداتها، ما بين مراكز تعليمية، كانت تستقبل نحو 3500 طفل سوري، ومبادرات لدعم الأسر غير القادرة، حسب الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي.
غير أن الأتاسي أشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن نشاط (رابطة السوريين)، «تجمّد منذ عام 2020، مع وقف التجمعات بسبب جائحة (كورونا)، وتوقف مصادر تمويلها من المؤسسات المانحة عربياً ودولياً»، منوهاً بوجود كيان رسمي للجالية السورية تأسس قبل سنوات، لكن تأثيره يظل محدوداً كون غالبية أعضائه من رجال الأعمال.
وأقامت الجالية السورية كياناً تنظيمياً في صيغة «جمعية أهلية»، ومنحتها الصفة الرسمية بإشهار من وزارة التضامن المصرية في عام 2018، ويرأسها رجل الأعمال السوري، باسل سماقية، ولم يخرج نشاط الجمعية خلال عام 2024، عن لقاءات مع السفير السوري بالقاهرة حسام الدين آلا، وبعض الأنشطة الخيرية.
وقبل تأسيس رابطة الجالية، كان الحضور الأبرز لائتلافات قوى المعارضة السياسية بين أعضاء الجالية، بعد أن اتخذ كثير من التيارات السياسية مقرات لها بالقاهرة، بعد الثورة السورية في 2011، منها «مجلس سوريا الديمقراطية»، وأيضاً «الائتلاف الوطني لقوى الثورة»، و«تيار الغد السوري»، حسبما يروي الكاتب والمحلل السوري، عبد الرحمن ربوع.
ورغم أن الكيانات السياسية كانت تسهم في تأمين الخدمات المعيشية للجالية، فإن كثيراً من مكاتبها أُغلق بعد عام 2016، وانتقل نشاطها لدول أخرى مثل تركيا والعراق، وفق حديث ربوع لـ«الشرق الأوسط»، وعزا ذلك إلى «مغادرة غالبية مؤسسي تلك الائتلافات مصر»، وقال إن الأسر المقيمة تعتمد حالياً على «المبادرات الفردية، ونشاط الجمعيات الخيرية ومفوضية شؤون اللاجئين».
تمتلك الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخيرية النشاط الأكبر في أوساط المهاجرين السوريين حالياً، حيث تقدم أكثر من 10 جمعيات، أسسها نشطاء سوريون (بإشهار رسمي من الحكومة المصرية)، خدماتها لدعم الأسر غير القادرة، خصوصاً الأيتام والأرامل، إلى جانب تقديم نشاط تعليمي للأطفال، وفق مدير مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن نشاط هذه المؤسسات امتد ليشمل جنسيات أخرى مثل السودانيين واليمنيين.
وتعدّ «سوريا الغد»، واحدة من المؤسسات الأهلية السورية، وتم إشهارها قانوناً عام 2013، ووسعت من نشاطها، بفضل تبرعات رجال أعمال سوريين، وشراكات مع منظمات دولية، مثل الاتحاد الأوروبي ومفوضية شؤون اللاجئين، لتقيم فروعاً لها في عدد من المدن المصرية، مثل العبور ودمياط والعاشر من رمضان، ووصل عدد المستفيدين من خدماتها إلى نحو 76 ألف فرد، بإجمالي نحو 15 ألف خدمة سنوياً، وفق ملهم الخن.
من جهته، يرى راسم الأتاسي أن نشاط تلك الجمعيات «غير كافٍ، ولا يلبي كل احتياجات السوريين المقيمين في المدن المصرية»، عادّاً الدعم الذي تقدمه «لا يغطي سوى نحو 60 في المائة من متطلبات معيشة الأسر السورية».
مدارس سورية
ولا تواجه الجالية السورية إشكالية كبيرة في تأمين التعليم لأبنائها، فقد استفاد السوريون من استثناءات الحكومة المصرية بإتاحة التحاق أبنائهم في المدارس المصرية، إلى جانب أنشطة المراكز التعليمية، التابعة للجمعيات الخيرية، وتشكل أحد الحلول الأساسية لتأمين التعليم لأبناء السوريين بأسعار رمزية، وفق مدير مؤسسة «سوريا الغد».
غير أن الأتاسي يرى أن «عدد المدارس السورية غير كافٍ»، مشيراً إلى أن «هناك نحو 60 ألف طالب سوري يدرسون في مصر، مقابل 10 مدارس بمحافظات القاهرة والجيزة ودمياط والإسكندرية»، وقال إن بعض الطلاب «تركوا التعليم بسبب عدم استطاعة أسرهم تأمين تكلفة تعليمهم».
روابط «سوشيالية»
لم تعد نسبة كبيرة من الجالية في حاجة إلى دعم إغاثي وإنساني، كانت تقدمه روابط الجالية، وفق شاهر رجوب، مشيراً إلى أن «معظم السوريين باتوا يعتمدون على أنفسهم، من خلال الاستثمارات والأعمال، التي توفر فرص عمل لأعضاء الجالية»، وقال إن «كثيراً من الخدمات والإغاثات بات يقدم عن طريق مجموعات التواصل الاجتماعي حالياً، التي تضم عدداً كبيراً من الجالية».
وتعتمد نسبة كبيرة من السوريين في مصر، في تواصلهم اليومي، على منصات التواصل الاجتماعي، لتأمين الاحتياجات المعيشية لغير القادرين، وفق ملهم الخن، الذي يشرف على «غروب» تواصل على منصة «فيسبوك» يضم أكثر من 150 ألف سوري.
ويقول الخن إن «المجموعة توفر تواصلاً أسرع وأوسع مع أعضاء الجالية، خصوصاً لتقديم الخدمات والتوعية لأعضاء الجالية».
تكهنات التغيير
يثير التغيير الذي شهدته سوريا أخيراً، بعد سقوط نظام بشار الأسد، وتولي إدارة جديدة للبلاد، التكهنات بشأن مستقبل روابط الجالية السورية، خصوصاً أن شاهر رجوب يرى أن «كثيراً من السوريين لا يعترفون بأي رابطة تمثلهم حالياً»، لكنه يعتقد أن «الفترة الحالية تحتاج روابط فاعلة، أكثر من أي وقت مضى، لدعم الراغبين في العودة لسوريا، وتأمينهم من وقائع الاحتيال والنصب من شركات السفر الوهمية»، وفق تعبيره.
ورغم أن راسم الأتاسي لا يتوقع تغييراً في مستوى فاعلية الروابط السورية، بعد سقوط نظام الأسد، فإن ملهم الخن يرى أن التغيير في سوريا «سيعزز من روابط أعضاء الجالية»، وقال إن «هناك رغبة لدى سوريين لتدشين روابط وتجمعات جديدة، كالتجمعات المهنية للأطباء والمهندسين».
0 تعليق