العفو الجبائي.. مداخيل هامة تُثير تساؤلات حول نجاعة التدبير الضريبي في التفاصيل،
مع نهاية صلاحية العفو الجبائي الذي أقرته الحكومة المغربية في 31 دجنبر الماضي، بدأت تتجلى تداعيات هذا الإجراء على المداخيل الضريبية والخزينة العامة. العفو الذي شمل عمليتين رئيسيتين، وهما التسوية التلقائية للممتلكات بالخارج والتسوية الطوعية للوضعية الجبائية للأرباح والدخول بالمغرب، حقق عائدات إضافية تُقدر بأكثر من 8 مليارات درهم. هذه النتائج تعكس حجم الموارد الضريبية غير المستخلصة، لكنها في الوقت ذاته تفتح باب التساؤلات حول استدامة هذه السياسة ومدى تحقيقها للعدالة الضريبية.
وفي تفاصيل العمليتين، تجاوزت المداخيل المحصلة ملياري درهم عن الممتلكات بالخارج، فيما ساهمت التسوية الطوعية للوضعية الجبائية بمبلغ يزيد عن 6 مليارات درهم. رغم أهمية هذه الأرقام في دعم الخزينة العامة، إلا أنها تثير مخاوف من الاعتماد على إجراءات استثنائية بدل اعتماد نظام ضريبي مستدام وفعال.
تسعى الحكومة إلى تحقيق مداخيل ضريبية بقيمة 320.1 مليار درهم خلال السنة الجارية، وهو ما يعادل 19.5% من الناتج الداخلي الخام. هذا الهدف الطموح يفرض على الحكومة تحسين أساليب التحصيل الضريبي، والعمل على استقطاب المتهربين ضريبيًا بطريقة تُحفز على الامتثال دون الحاجة إلى ضغط ضريبي كبير، ما يعزز الثقة بين المواطنين والإدارة الضريبية.
العفو الجبائي ورهان الامتثال الضريبي
في سياق التحولات الاقتصادية والاستعداد لاستحقاقات كبرى مثل تنظيم مونديال 2030، يمثل تعزيز الامتثال الضريبي محورًا أساسيًا في السياسة المالية للدولة. الالتزام الضريبي لا يقتصر على كونه وسيلة لتعزيز موارد الخزينة العامة، بل يساهم أيضًا في تحقيق العدالة الضريبية وترسيخ الثقة بين الأفراد والدولة.
الخبير المحاسب محمد أمين بنرحمون أكد في تصريح له أن الامتثال الضريبي يعزز الاستقرار المالي من خلال تمويل القطاعات الحيوية، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، ما يخلق بيئة اقتصادية مشجعة للاستثمار المحلي والدولي. كما أوضح أن الاتجاه نحو رقمنة الإدارة الضريبية يمثل خطوة حاسمة في تسهيل الإجراءات وتقليص الهدر وتعزيز الشفافية، ما يساهم في مكافحة التهرب الضريبي وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تحسين الامتثال الضريبي إلى تقليل الضغط على الفئات الملتزمة حاليًا. فمن خلال توسيع القاعدة الضريبية ودمج القطاع غير المهيكل، يصبح بالإمكان تخفيف العبء على الملزمين الحاليين، ما يعزز الشعور بالعدالة ويحفز المزيد من المواطنين على الانخراط في النظام الضريبي بشكل طوعي.
جدوى العفو الضريبي
العفو الضريبي، رغم نتائجه الإيجابية في استرجاع موارد مالية كبيرة، يظل إجراءً استثنائيًا يحمل تأثيرات متباينة. فمن جهة، يُعد وسيلة فعالة لجذب الفئات غير الملتزمة وتوفير عائدات سريعة للخزينة، لكنه من جهة أخرى يهدد العدالة الضريبية عند تكراره.
الخبير الاقتصادي محمد يازيدي شافعي أشار إلى أن العفو الضريبي يجب أن يُعتمد بحذر، مع ضرورة مرافقة هذه الإجراءات بإصلاحات هيكلية تعزز الشفافية والرقابة، مع رقمنة العمليات الضريبية لتسهيل الامتثال ومكافحة التهرب بشكل فعال. وأضاف أن تعزيز الامتثال الضريبي يُساهم في دمج القطاع غير المهيكل، ما يوسع القاعدة الضريبية بشكل مستدام ويدعم الاستقرار المالي للمملكة.
كما أن فعالية العفو الجبائي تعتمد بشكل كبير على استهداف الفئات المناسبة. فالتركيز على إدماج الأنشطة الاقتصادية غير المهيكلة يمكن أن يشكل نقلة نوعية، من خلال جذب المزيد من الموارد طويلة الأجل بدل الاعتماد على التحفيزات قصيرة المدى. هذه الخطوة تتطلب رؤية استراتيجية تشمل تحسين التواصل مع المواطنين وتعزيز الوعي بمزايا الامتثال، لتصبح العلاقة بين الإدارة الضريبية ودافعي الضرائب أكثر قوة وشفافية.
0 تعليق