نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق : عندما يصبح رغيف الخبز طعما للموت, اليوم الخميس 5 يونيو 2025 12:54 صباحاً
نشر في الشروق يوم 04 - 06 - 2025
"من غير المقبول أن يخسر مدنيون حياتهم لمجرد أنهم يسعون إلى الحصول على غذاء"، بهذه الكلمات المقتضبة المشحونة بالألم علّق المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك على المجزرة المروعة التي وقعت فجر الثلاثاء 3 جوان الجاري، عندما قصف الجيش الصهيوني الفاشي آلاف الفلسطينيين المتجمعين قرب مركز لتوزيع المساعدات في رفح جنوب قطاع غزة لتحصد أرواح 27 شهيدا بينهم نساء وأطفال أمام مرأى ومسمع من العالم كله.
هذه الجريمة النكراء على بشاعتها، تعدّ الحلقة الأحدث في سلسلة ممتدة وممنهجة لتحويل الغذاء، أبسط مقومات الحياة، إلى سلاح فتاك وطعم ممزوج بالدناءة والحقارة الصهيونية لاستدراج المدنيين العزل إلى مصائد الموت، فبعد أشهر من الحصار الخانق والقيود المتعمدة على دخول المساعدات، والتي دفعت غزة إلى حالة مجاعة حقيقية بشهادة المنظمات الأممية ، يعلن الصهاينة عن نقاط توزيع هزيلة للمساعدات في مناطق خطرة وآليات مشبوهة لتجذب إليها آلاف الأبرياء الباحثين عن لقمة خبز تسد رمق أطفالهم ليواجهوا بنيران الدبابات والطائرات المسيرة الصهيونية في مجزرة تخجل منها كل معايير الإنسانية.
لقد بات النمط الإجرامي الصهيوني واضحا والتعطش للدماء والقتل ماثلا أمام أعين العالم بأسره، فمن ينسى "مجزرة الدقيق" في فيفري 2024 عند دوار النابلسي والتي راح ضحيتها أكثر من مائة شهيد، ومن يتجاهل مصائد الموت حول مراكز التوزيع، ليطلع إثرها الصهاينة دون استحياء وبكل صفاقة ليتحدثوا عن "مشتبه بهم" يشكلون "خطرا على القوات" لتبرير ما يمارسونه من تقتيل ممنهج يوميا، فالضحايا هم مدنيون عزّل كل جريرتهم أنهم جاعوا بفعل الحصار وحاولوا الوصول إلى فتات المساعدات ليواجهوا بآلة الغدر الصهيونية تغتالهم.
ولا يمكن فصل هذه الممارسات الوحشية عن سياق أوسع وأشد خطورة، هو الإبادة الجماعية مكتملة الأركان التي تتكشف فصولها كل لحظة في غزة، ف"إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا" هو أحد الأفعال الصريحة التي تعرّف جريمة الإبادة الجماعية وفقا لاتفاقية 1948، وهو ما يمارسه العدو الصهيوني يوميا من خلال التجويع الممنهج وقتل المدنيين الأبرياء العزّل عندما يحاولون الحصول على الطعام في حرب على الوجود الفلسطيني نفسه تستهدف بقاء الجماعة من خلال حرمانها من مقومات الحياة الأساسية وقتل أفرادها بدم بارد.
وأمام هذه الفظائع، يقف "المجتمع الدولي المتحضر" موقفا يرقى إلى مستوى التواطؤ المخزي، فتتوالى الإدانات اللفظية الخجولة من هنا وهناك وتتبدد سريعا دون أثر ملموس على الواقع الميداني ودون عقوبات وردع للجلاد، ويعجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار ملزم يوقف العدوان الصهيوني الغاشم وضمان تدفق المساعدات دون قيود، مكبّلا بحق النقض الذي تستخدمه القوى الاستعمارية لحماية المعتدي في تجلّ لازدواجية المعايير في أبشع صورها حيث تمنح إسرائيل حصانة مطلقة لمواصلة جرائمها من جهة وتقوّض مصداقية القانون الدولي ومبدأ "مسؤولية الحماسة "من جهة أخرى الذي لا يطبّق عندما يكون الضحايا فلسطينيين.
فصمت العواصم الكبرى هو ضوء أخضر لاستمرار الإبادة الجماعية وتشجيع للصهاينة على المضي قدما في جرائمهم بما يجعلهم شركاء بالصمت والتجاهل فيما يمارسه الإسرائيليون من إزهاق للأرواح جوعا وقصفا في غزة، فالتاريخ لن يرحم وسيسجل أن العالم "المتحضر" وقف متفرجا ومشاركا بصمته على إبادة شعب أعزل، تستخدم فيها لقمة العيش كطعم للموت دون رقيب ولا حسيب في مشهد مقيت يلطخ جبين الإنسانية جمعاء بالعار.
هاشم بوعزيز
.
0 تعليق