نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصراع الإيراني – الإسرائيلي: رقصة على حافة الهاوية, اليوم السبت 14 يونيو 2025 10:15 مساءً
يقف العالم متسمّرًا أمام تصعيد بالغ الخطورة بين إسرائيل وإيران، تجاوز في أيام معدودة خطوطًا حمراء كانت لوقت طويل تُعدّ غير قابلة للمساس. ففي سابقة نادرة، شنّ الجيش الإسرائيلي ضربة دقيقة ومركزة استهدفت عمق الأراضي الإيرانية، لترد طهران بهجوم مباشر وغير تقليدي على تل أبيب، مستخدمة أكثر من ست رشقات صاروخية، في مشهد يعيد رسم قواعد الاشتباك في المنطقة.
رغم مرور 48 ساعة فقط على بداية هذا التصعيد، إلا أن محاولة فهم مآلاته تتطلب ما هو أكثر من متابعة الأخبار العاجلة. فالتقييم الدقيق لا يُبنى فقط على النتائج الآنية، بل على قدرة كل طرف على ترجمة تحركاته إلى مكاسب استراتيجية بعيدة المدى. ورغم ضبابية المشهد، يمكن – إذا ما استُخدمت أدوات التحليل الرصين – تلمّس ملامح أولية لميزان القوة والتحول في معادلات الردع.
تمتلك إسرائيل تفوقًا واضحًا على مستوى التقنية العسكرية والاستخباراتية، وهي ميزة شكلت على مدار العقدين الماضيين جوهر استراتيجيتها في كبح الطموحات الإيرانية. الضربات الجراحية التي استهدفت منشآت نووية وعلماء بارزين في طهران، أو العمليات السيبرانية التي عطلت برامج حساسة، كانت رسائل دقيقة ومدروسة لا تخطئ أهدافها. هذا النمط من العمل العسكري القائم على الدقة والتوقيت والاستخبارات هو ما منح إسرائيل ما يمكن تسميته بـ"الردع المتقدم"، حيث تُهاجم لتمنع لا لتنتقم.
في المقابل، تعتمد إيران على مقاربة مختلفة تمامًا، تعكس ما يمكن تسميته بـ"ردع التآكل". تقوم استراتيجيتها على توظيف الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية ذات الدقة المحدودة، لكن بأعداد كبيرة تهدف إلى إنهاك الدفاعات الجوية وتوليد شعور دائم بعدم الاستقرار. ولئن كانت هذه المقاربة أقل فاعلية من حيث الدقة، إلا أنها تعكس قدرة إيران على الاستمرار في المواجهة عبر أدوات غير مباشرة وعبر وكلاء إقليميين، ما يمنحها هامش مناورة أكبر في بيئة مشبعة بالحساسيات الجيوسياسية.
ما يميز هذا التصعيد عن المواجهات السابقة ليس فقط حجم الرد الإيراني، بل نوعيته وجرأته، الذي يعد تحوّل في قواعد الاشتباك، فأن تبادر طهران بإطلاق صواريخ مباشرة نحو تل أبيب، فهذا يشكل خروجًا عن نمط حروب الوكالة الذي طالما استخدمته، ويدشن مرحلة جديدة من المواجهة القائمة على سياسة الردع المتبادل العلني. لكن، ورغم رمزية هذا الهجوم، فإن قدرته على إحداث اختراق استراتيجي تظل محدودة، نظرًا لنجاح أنظمة الدفاع الإسرائيلي (مدعومة بالأمريكية) في اعتراض الجزء الأكبر من القذائف.
يطرح هذا التصعيد عشرات الأسئلة التي تتجاوز اللحظة الراهنة وتبحث عمن يفرض قواعد اللعبة؟
هل تنجح إيران في تطوير منظومات توجيه دقيقة تُحدث فارقًا في ساحة القتال؟.. إلى أي مدى يمكن لإسرائيل الاستمرار في الاعتماد على تفوقها التكنولوجي دون أن تجر إلى حرب شاملة؟.. وهل تظل المواجهة محصورة بين "ضربات محسوبة" أم تتدهور إلى مواجهة إقليمية مفتوحة؟.
ما بين رهانات الردع وحسابات الرد، يبدو أن الشرق الأوسط دخل مرحلة جديدة من سياسة "حافة الهاوية"، حيث تراهن كل دولة على أن خصمها لن يجرؤ على القفز إلى المجهول. غير أن التاريخ يعلمنا أن اللعب بالنار، وإن بدا تحت السيطرة في بداياته، سرعان ما ينفلت من عقاله إذا اختلطت المصالح بالعقائد، والحسابات بالعواطف.
0 تعليق