بعد ثلاث سنوات من الحرب فى أوكرانيا والشعور بالحاجة الملحة إلى الإمدادات العسكرية، فضلاً عن عدم اليقين الذى يحيط بالتزام الإدارة الأمريكية المقبلة، سوف يكون لزاماً على الاتحاد الأوروبى فى عام 2025 أن يثبت قدرته على تمويل طموحاته الدفاعية.
وأوضحت منصة "يوراكتيف" الأوروبية - فى تقرير اليوم /الجمعة/ - أن الحكومات الأوروبية تواجه حاليا تحديا مزدوجا يتمثل فى ضرورة تمويل أسلحة فعالة بأسعار معقولة بشكل سريع لتلبية الاحتياجات الفورية، مع دعم التطوير طويل الأجل للصناعة والابتكار الأوروبى فى مجال الدفاع.
وبعد مرور ثلاث سنوات على بداية الحرب فى أوكرانيا، لا يزال الصراع المسلح بين موسكو وكييف فى صدارة أجندة القادة الأوروبيين، الذين أكدوا مجدداً خلال اجتماعهم الأخير فى ديسمبر الجارى على أن "روسيا لا يجب أن تنتصر".
ومع ذلك، على أرض المعركة، لا تزال القوات الأوكرانية تنتظر أنظمة الدفاع الجوى التى تم وعدها بها فى يوليو الماضي، بينما طلب الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى 19 نظاماً جديداً لتحقيق تأثير على الأرض، فى مواجهة روسيا المجهزة جيداً وداعميها، ستحتاج القوات الأوكرانية إلى المزيد من الذخائر والدبابات والطائرات المقاتلة.
وتسعى سلطات كييف إلى تعزيز موقفها فى المفاوضات مع موسكو، مع ضمان استمرار الدعم من الولايات المتحدة وأوروبا، كما يتعين على أوكرانيا أيضاً أن تثبت قدرتها على الصمود فى انتظار إحراز تقدم ملموس نحو العضوية فى منظمة حلف شمال الأطلسى (الناتو).
وتسعى الدول التى قدمت تبرعات من المعدات العسكرية والأسلحة والذخائر لأوكرانيا إلى إعادة تزويد مخزوناتها بأسعار معقولة، ومع ذلك، فإن حرب سلاسل التوريد، بين عامى 2022 و2023، أدت إلى مضاعفة تكلفة قذائف الذخيرة أربع مرات، وهى علامة على عدم كفاية القدرة الإنتاجية.
وفى الوقت نفسه، يلوح فى الأفق سباق لزيادة إنتاج الأسلحة فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
بينما لا تزال تكلفة الدفاع الأوروبى الحقيقية غير واضحة فى هذه المرحلة، تتداول العديد من الأفكار لتمويله مثل، إصدار سندات يورو من قبل المفوضية، وإعادة تخصيص أموال الاتحاد الأوروبى للدفاع، واستخدام الأموال غير المنفقة من آلية التعافى والقدرة على الصمود بعد الجائحة، وإنشاء كيان خاص، واستخدام آلية الاستقرار الأوروبية، أو حتى إنشاء بنك دفاع جديد بالكامل.
وعلى الرغم من أن معظم الخيارات تتضمن اقتراض الأموال، فإن السؤال المطروح هو من يرغب فى الانضمام إلى هذا النادى بأى ثمن.
تواجه الدول الأوروبية الأعضاء فى حلف الناتو تحديًا آخر: حيث يفكر بعض الحلفاء فى زيادة نسبة 2% من الناتج المحلى الإجمالى التى يجب على كل دولة تخصيصها للدفاع، بهدف العودة إلى مستويات قريبة من تلك التى كانت خلال الحرب الباردة.. ومع ذلك، لا يزال ثلثهم حتى الآن لم يحقق الهدف المحدد.
وفى الثالث من فبراير المقبل، سيحاول قادة الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى التوصل إلى توافق حول الحلول، فى مناقشات ستجرى بالتوازى مع المناقشات حول الميزانية طويلة الأجل المقبلة للاتحاد الأوروبى (الإطار المالى المتعدد السنوات 2028-2034).
وحتى فى غياب القيود المالية، يمثل التمويل واتخاذ القرارات المشتركة فى مجال الدفاع تحديات كبيرة لأعضاء الاتحاد الأوروبى .
وفيما يتعلق بآلية السلام الأوروبية (FEP)، التى تهدف إلى تعويض الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى عن مساعدتها العسكرية لأوكرانيا، فإنها حالياً معطلة بسبب المجر.. فى المقابل ، إن العائدات من الأصول الروسية المجمدة ضعيفة للغاية، مما يجعل من الصعب تحديد ما إذا كانت ستخصص لتحديث صناعة الدفاع الأوكرانية بعد العام المقبل.
بينما تتركز المناقشات حول وقف إطلاق النار، والحفاظ على السلام، وإنهاء الحرب بسرعة، لا تزال معظم الصناعات الكبرى فى أوروبا تنتظر عقوداً طويلة الأجل للاستثمار فى مصانع جديدة وسلاسل الإمداد.
لقد كانت آمال السلام فى أوكرانيا حتى الآن استراتيجية، كما أوضح رئيس رابطة صناعات الفضاء والدفاع الأوروبية (ASD) غيوم فوري، فى بداية فصل الخريف ، وتظل سلاسل الإنتاج تحت ضغط ،على سبيل المثال، اضطرت هولندا إلى تأجيل إنفاق 750 مليون يورو على المساعدات العسكرية لأوكرانيا إلى العام المقبل بسبب فترات التسليم الطويلة.
فى عام 2024، قدمت المفوضية الأوروبية برنامجاً أوروبياً للاستثمار فى مجال الدفاع (EDIP) بهدف تشجيع الحكومات والشركات على زيادة الإنفاق المشترك. ومع ذلك، فإن رؤية الهيئة التنفيذية - التى تهدف إلى إصلاح صناعة عسكرية تعانى من نقص التمويل منذ سنوات - تتعارض مع رغبات الحكومات فى استخدام أموال الاتحاد الأوروبى لحلول سريعة وقصيرة الأجل.
يواجه هذا البرنامج تحديات فى المناقشات المستمرة حول معايير الأهلية، كما أوضحت الرئاسة المجرية لمجلس الاتحاد الأوروبي، التى تتولى المفاوضات منذ ستة أشهر، فى مذكرة داخلية تم الاطلاع عليها من قبل يوراكتيف .
سيكون من الصعب حل النزاعات بين بولندا وهولندا وفرنسا واليونان وقبرص بشأن ما إذا كان بإمكان الدول استخدام الأموال المشتركة لتمويل منتجات من شركات أجنبية.
تعود الاختلافات فى الآراء حول هذا الموضوع إلى تقاليد مختلفة فيما يتعلق بأهداف الاستقلال واستراتيجيات التجارة فى مجال الأسواق العامة الأوروبية.
وأقر الأمين العام لحلف شمال الأطلنطى "الناتو"، الهولندى مارك روت، مؤخرًا بأن هذه الجهود ستكلف ثمنًا يتطلب تضحيات، قائلاً "أعلم أن زيادة الإنفاق على الدفاع تعنى تقليل الإنفاق على أولويات أخرى، لكن ذلك سيكون فقط أقل قليلاً "، مشيرًا على سبيل المثال إلى إمكانية استخدام "جزء صغير" من النفقات الاجتماعية لتحقيق ذلك.
وحتى الآن، تتعلق جميع هذه المناقشات بالحروب "الكلاسيكية" ولم يتم بعد الاستعداد للأنشطة الهجينة، مثل الهجمات السيبرانية، وتعطل البنى التحتية الحيوية، واستغلال الهجرة من قبل بعض الدول، والإرهاب، وانقطاع سلاسل الإمداد، أو ببساطة المعلومات المضللة وزعزعة الاستقرار فى الدول المجاورة.
ومع ذلك، كما أوصى الرئيس الفنلندى السابق ساولى نينيستو فى تقريره حول تعزيز الاستعداد المدنى والعسكرى للاتحاد الأوروبي، يجب أن تتحول أى خطوة تهدف إلى إعداد المجتمع للحرب إلى استراتيجية حقيقية بحلول عام 2025.
0 تعليق