سجلت أعمال تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي في حوض هيرودوت العملاق تطورات جديدة تبشّر باستفادة مصر العطشى للإمدادات، بعد تراجع إنتاج حقل ظهر الأكبر محليًا.
ويصل حجم احتياطيات الغاز غير المكتشفة بالحوض إلى 122 تريليون قدم مكعبة، وتمتد حدوده إلى داخل مياه البحر المتوسط بين 4 دول، هي مصر وليبيا وقبرص واليونان.
وفي آخر تحديثات حقول النفط والغاز لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فإن شركة إكسون موبيل الأميركية ستطلق قريبًا أعمال حفر أولى آبار الحوض قبالة سواحل قبرص، باحتياطيات تصل إلى 30 تريليون قدم مكعبة.
سبق ذلك طرحُ مصر مربعًا بحريًا واحدًا في حوض هيرودوت خلال المزايدة العالمية التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط ودلتا النيل.
وتبحث 3 شركات طاقة عالمية اقتراحًا جديدًا لبناء محطة تسييل برية أو بحرية للغاز القبرصي المكتشف بالحوض أو الحقول الأخرى في حالة تحقيق اكتشافات بكميات تجارية.
قطاع الغاز في مصر
في تصريحات له بتاريخ اليوم (16 ديسمبر/كانون الأول 2024)، دعا وزير البترول المصري المهندس كريم بدوي قبرص إلى استغلال البنية التحتية لقطاع الغاز في مصر.
وتسعى مصر -التي تحولت إلى استيراد الغاز على خلفية تراجع الإنتاج- إلى التفاوض مع جارتها الشمالية لاستقبال الغاز القبرصي وإعادة تصديره أو استعماله في تلبية احتياجات السوق المحلية، وفي الصناعات ذات القيمة المضافة مثل البتروكيماويات.
ومن جانبه، أبدى وزير الطاقة القبرصي جون باباناستاسيو في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني (2024) رغبة بلاده في الاستفادة من مرافق التسييل المصرية، ثم إعادة تصدير الغاز إلى الأسواق العالمية.
ومصر هي الدولة الوحيدة التي تمتلك محطات إسالة في شرق المتوسط، وتصل الطاقة الإنتاجية لكل من محطتَي إدكو ودمياط إلى أكثر من 12 مليون طن سنويًا.
وبحسب متابعات منصة الطاقة المتخصصة، يُعدّ اكتشاف "غلاكوس" (Glaucus) حيث ستُحفر البئر "إلكترا" (Elektra) في منتصف يناير/كانون الثاني المقبل (2025) حديثًا في قبرص التي لا تمتلك صناعة غاز محلية قائمة بذاتها، وهو ما يُفسح المجال لمدّ يد التعاون مع مصر.
وبعد إعلان اكتشاف أفروديت القبرصي (خارج حوض هيرودوت) قبل نحو 13 عامًا، لم يسجل قطاع الغاز في قبرص اكتشافات بأحجام تجارية سوى "غلاكوس".
وأعرب أحد المسؤولين عن حملة الحفر في قبرص، عن تفاؤل حذِر إزاء النتائج، مشيرًا إلى أن كل العناصر متوفرة للعثور على ما يتراوح بين 25 و30 تريليون قدم مكعبة داخل البئر "إلكترا"، صعودًا من تقديرات أولية وضعت الاحتياطيات القابلة للاستخراج بين 5 و8 تريليونات قدم مكعبة.
منطقة شرق المتوسط
من بين أهم فرص التعاون المطروحة في مجال الطاقة بين مصر وقبرص، إقامة ممر طاقة يربط شرق البحر المتوسط إلى أوروبا لنقل الغاز.
ولدى حضوره فعاليات منتدى استخبارات الطاقة في نوفمبر/تشرين الثاني (2024)، قال الرئيس السابق لقطاع التنقيب والإنتاج في شركة إكسون موبيل ليام مالون، إن منطقة شرق المتوسط تماثل مكانة غايانا كونهما أكبر موقعين للنفط والغاز في العالم على مدار الـ30 عامًا الماضية.
وفي شرق المتوسط يوجد حقل ظهر المصري، وحوض ليفانت، الذي يضم حقلَي ليفاثيان (Leviathan) وتمار (Tamar) الإسرائيليين.
وفي المنطقة الواعدة، تستحوذ إكسون موبيل على حقوق التنقيب في المربعين 10 و5 في عامي 2017 و2021، كما حققت اكتشاف غلاكوس في حوض هيردوت عام 2019.
وفي مصر، استحوذت إكسون بنسبة 60% على مساحات شاسعة، بالتعاون مع شركة قطر للطاقة (40%).
احتياطيات حوض هيرودوت
تحمل احتياطيات حوض هيرودوت نحو 122 تريليون قدم مكعبة من الغاز غير المكتشف، لذلك تسعى مصر وقبرص بقوة إلى الاستفادة من هذه الكميات الهائلة.
ومن جانبها، تسابق قبرص الزمن للّحاق بركب مصر في استغلال احتياطيات هيرودوت الغني؛ إذ ستبدأ أعمال الحفر داخل البئر "إلكترا" في منتصف يناير/كانون الثاني المقبل (2024).
وستُحفَر البئر الواقعة داخل الحدود الجنوبية للمربع رقم 5 بوساطة منصة الحفر "فالاريس دي إس-9" (Valaris DS-9) إلى جانب بئرين أخريين، هما بياغسوس (Pegasus) بالمربع 10 في قبرص ونفرتاري بمنطقة شمال مراقيا في مصر.
وأرست القاهرة امتياز استكشاف منطقة شمال مراقيا على إكسون موبيل في عام 2020، وتصل مساحتها إلى 4 آلاف و847 كيلومترًا مربعًا على عمق ألفي متر.
أمّا المربع المصري 1 شمال فوكا داخل حدود حوض هيرودوت أيضًا، فلم تعلَن حتى الآن نتائج المزايدة العالمية المصرية، إذ ستغلق باب المشاركة في فبراير/شباط المقبل (2025).
وكانت شركة فرونتيير (Frontier) صاحبة الامتياز السابقة، ولم تحفر أيّ آبار هناك.
ويقع المربع في المياه العميقة شمال غربي سواحل مصر على مساحة 3131.47 كيلومترًا مربعًا، ويتراوح عمق المياه بين ألفين و500 وألفين و900 متر.
وسبق أن أبرمت شركة النفط متعددة الجنسيات شل في مارس/آذار (2021) اتفاقيتين للتنقيب عن النفط والغاز في امتيازي شمال مارينا وشمال كليوباترا مع الحكومة ممثلة في وزارة البترول والثروة المعدنية، في المياه العميقة بحوض هيرودوت.
ووفق تحديثات قطاع الغاز لدى منصة الطاقة المتخصصة، تسعى شركة شل (المشغّلة بنسبة 67% من حقوق الرخصة) إلى وضع أول اكتشاف غاز في امتياز شمال كليوباترا على خطوط الإنتاج خلال العام المالي الجاري الذي ينتهي في 30 يونيو/حزيران (2025).
منافس قوي لمصر
في الوقت الذي تعلّق فيه مصر آمالًا كبيرة على جذب قبرص لاستعمال مرافق التسييل في إدكو ودمياط وتحقيق منافع متبادلة، يدرس تحالف عالمي الاضطلاع بهذا الدور.
وتُجري شركة إكسون موبيل المطورة لبئر إلكترا في حوض هيرودوت، مباحثات مع شركتي إيني الإيطالية وتوتال إنرجي الفرنسية للمشاركة في تطوير حقول الغاز جنوبي قبرص.
وجاء في التصريحات على لسان وزير الطاقة القبرصي جورج باباناستاسيو، أن التعاون ثلاثي الأطراف من شأنه أن يسرّع وتيرة استغلال احتياطيات الغاز بالجزيرة بالمربعات رقم 5 و6 و10، بما يعزز أمن الطاقة في أوروبا، وخاصة بعد الأزمة التي أعقبت الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط (2022).
وستكون البداية مع البئر بيغاسوس التي تخطط إكسون لحفرها في المربع 10 في العام الجديد، وفي حالة تحقيق اكتشاف غاز بكميات تجارية، فمن شأن ذلك أن يوطّد أواصر الشراكة المقترحة.
تقع البئر بالقرب من اكتشاف غاز غلاكوس في المربع 5، وفي المربع 6 اكتشفت شركتا إيني وتوتال الغاز داخل حقل كرونوس (Cronos) بإجمالي احتياطيات 2.5 تريليون قدم مكعبة.
ومع وجود المربع 10 إلى الشمال من المربع 6، يشير القرب بين الآبار إلى إمكان إقامة مرافق مشتركة تربط غلاكوس وبيغاسوس، ولكن في حالة العثور على موارد غاز كبيرة بعد اكتمال أعمال التقييم في منتصف 2025.
ومن بين الخيارات المتاحة تسييل الغاز الطبيعي (تحويله إلى صورته السائلة) عبر إقامة منصة عائمة، أو معالجته داخل منصة برية في قبرص.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
1- تفاصيل حفر البئر إلكترا من مجلة ميس الاقتصادية
2- خطة 3 شركات لتطوير الغاز القبرصي من مجلة نيوزويك
0 تعليق