كفاءة الطاقة بقطاع النقل في الجزائر.. كيف تدعم العمل المناخي؟ (مقال)

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

تعدّ الطاقة عنصرًا أساسيًا في قطاع النقل في الجزائر، ويشكّل الانتقال الطاقي في هذا القطاع تحديًا يتطلب مراعاة عدّة جوانب.

وأهم هذه الجوانب التركيز على استعمال الوقود البديل وتقليل استهلاك الطاقة، إضافة إلى الحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

كما يتعين تنظيم الرحلات بشكل أكثر كفاءة وتطوير مشروعات جديدة وتركيب المعدّات اللازمة لتحقيق التحول نحو الطاقة المتجددة.

يشمل ذلك أيضًا بناء البنية التحتية المناسبة لهذا التحول، مع مراعاة التكاليف والقدرة التنافسية.

وأخيرًا، يجب ضمان حماية الصحة والبيئة خلال هذه العمليات الانتقالية.

تطورات الاقتصاد العالمي

يتطلب تعزيز التنقل وتكامل أنماط النقل تكييف الأنماط المختلفة لتلبية تطورات الاقتصاد العالمي وتنظيم أنشطة النقل.

في هذا السياق، انخرطت الجزائر في مبادرات دولية تهدف إلى تسهيل التبادل التجاري مع مناطق إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي وأفريقيا جنوب الصحراء، إضافةً إلى التركيز على تطوير المواني.

ضمن هذا الإطار، تسعى الجزائر إلى تقليل تأثير قطاع النقل في البيئة من خلال تحديث "الخطة الوطنية للعمل من أجل البيئة والتنمية المستدامة" التي أُطلقت في عام 2002، وتطبيق التشريعات البيئية بشكل أكثر فعالية.

كما تولي الجزائر أولوية لتطوير النقل المتعدد الوسائط وفقًا لقانون 01-13 لعام 2001، مع التركيز على تحسين سلاسل الإمداد اللوجستية.

إن التزام الجزائر بتطوير قطاع النقل مع مراعاة معايير الاستدامة البيئية يعكس رؤية إستراتيجية تهدف إلى مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية في آن واحد.

ومن خلال تنفيذ مشروعات واسعة في قطاع النقل الجماعي، والسككي، والبحري، والجوي، واتّباع سياسات تهدف إلى تقليل انبعاثات غازات الدفيئة، تواصل الجزائر خطواتها نحو تحقيق التحول الطاقي في قطاع النقل.

إن الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا الحديثة يفتح أمام البلاد فرصًا جديدة نحو تنقُّل أكثر استدامة، ومن ثم نحو بيئة أكثر نظافة وصحة للمستقبل.

النقل البري

يشكّل قطاع النقل، خاصة النقل البري، أحد أبرز مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وفقًا لجرد عام 2020.

ويواجه القطاع تحديات كبيرة في إطار التغير المناخي، بكونه المسهِم الأكبر في الانبعاثات، مما يتطلب اتخاذ خطوات ملموسة نحو التحول الطاقي.

في هذا السياق، وضعت وزارة النقل خطة تطوير تمتد حتى عام 2030، تتضمن تدابير مستدامة للحدّ من الانبعاثات، تشمل جميع أنماط النقل: الجوي، والبري، والبحري، والسككي.

وتتركز جهود التخفيف على تقليل الانبعاثات المرتبطة بنقل البضائع والمسافرين، بناءً على تصنيف دقيق لأنواع المركبات ووسائل النقل.

كما تنسجم هذه التدابير مع خطط وطنية كالإسهامات المحددة وطنيًا، والخطة الوطنية للمناخ، بهدف دعم العمل المناخي في هذا القطاع الحيوي.

وأُطلِق برنامج وطني في الجزائر منذ عام 2005، بهدف تحديث نظم النقل العام الحضري وتحسينها.

ويشمل البرنامج تنفيذ مشروعات متكاملة لإنشاء أنظمة النقل الحديثة وتشغيلها، مثل المترو، والترامواي، والنقل بالكابلات، في المدن الكبرى.

تغير المناخ

وقد أسهم ذلك في الاستبدال بأنماط النقل التقليدية مثل السيارات الخاصة، وسيارات الأجرة، والحافلات، مما يؤدي إلى تحسين الكفاءة وتخفيف الضغط على الشبكة المرورية.

منذ عام 2012، شهدت البلاد إنشاء شبكات "ترام" في مدن رئيسة مثل الجزائر ووهران وسيدي بلعباس وقسنطينة وسطيف وورقلة ومستغانم، وسجّل عدد المسافرين زيادة ملحوظة، من أكثر من مليوني مسافر في 2012، إلى أكثر من 80 مليون مسافر في 2019، مما يؤكد أهمية هذا النمط من النقل.

كما أن مشروعات التوسع ما زالت قيد الدراسة لتلبية الطلب المتزايد، أما "مترو" الجزائر، الذي يتألف حاليًا من 19 محطة بطول 20 كيلومترًا، فقد شهد أيضًا تطورًا ملحوظًا، مع ارتفاع عدد مستعمِليه من مليوني شخص في عام 2011، إلى أكثر من 46 مليون مستعمِل في 2019، مع خطط مستقبلية لتوسيع الشبكة إلى 40 كيلومترًا.

في مجال النقل بالسكك الحديدية، ارتفع طول الشبكة الوطنية من 4,504.68 كيلومترًا في 2011 إلى 4,695.50 كيلومترًا في 2021، بزيادة بلغت 4.24%، مع تمديد الخطوط المستغَلة من قبل الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية (SNTF) من 3866.44 كيلومترًا، منها 419.27 كيلومترًا مكهربة في 2011، إلى 4661.70 كيلومترًا، منها 486.45 كيلومترًا مكهربة في 2021.

خلال المدة 2016-2020، ركّزت استثمارات قطاع النقل الحديدي في الجزائر على تطوير كهربة الخطوط الحديدية، حيث نُفِّذَت مشروعات رئيسة مثل خط بيرتوتة - زرالدة (23 كم)، خط مطار الجزائر (2.8 كم) ،كما أُدخِلَت 60 قاطرة من نوع EMD USA وفق معايير USA EPA Tier 2 وIMO Tier 2.

ويقلل ذلك انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 50%، كما سُجِّلَ اقتناء 17 قطار ديزل Coradia و17 قطار CAF التي تقلل الانبعاثات بنسبة 60%، بالإضافة إلى 59 قاطرة كهربائية لا تُنتج أيّ انبعاثات كربونية.

النقل البحري

تمتلك الجزائر بنية تحتية بحرية تتضمن 10 موانٍ تجارية و3 موانٍ مخصصة لنقل المحروقات في كل من أرزيو وبطيوة غربًا، وبجاية وسكيكدة شرقًا.

وبدأت السفن الجزائرية تطبيق التعديلات الجديدة وفقًا للملحق الرابع لاتفاقية(MARPOL)، لمنع التلوث، وذلك منذ نوفمبر 2022.

وتهدف هذه القواعد إلى خفض كثافة الكربون للسفن بنسبة 40% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2008.

وتشمل الإجراءات حساب كفاءة الطاقة باستعمال مؤشرين رئيسين: مؤشر الأداء الطاقي للسفن (EEXI) ومؤشر كثافة الكربون السنوي، حيث يقيس الأخير كثافة الكربون من خلال ربط انبعاثات الغازات بحجم البضائع المنقولة والمسافة المقطوعة، مما يعزز استدامة النقل البحري.

النقل الجوي

يتألف قطاع النقل الجوي الجزائري من 38 مطارًا مفتوحًا لحركة الطيران المدني في عام 2021، منها 14 مطارًا في الجنوب، بالإضافة إلى المطار الرئيس في الجزائر العاصمة، الذي يتعامل مع أكثر من 10 ملايين مسافر سنويًا.

في إطار البرنامج الوطني للمناخ (PNC)، اقتُرحَت عدّة إجراءات لتخفيف انبعاثات غازات الدفيئة في قطاع النقل الجوي.

تتضمن هذه الإجراءات استعمال وحدات توليد الطاقة الكهربائية (GPU) ووحدات تكييف الهواء (ACU) لتقليل استهلاك الكيروسين في أثناء توقُّف الطائرات على الأرض بنسبة تصل إلى 80%، عن طريق ربط الطائرة بنظام GPU/ACU مباشرة بعد الهبوط.

كما يُقترح تحسين الملاحة الجوية من خلال استعمال مسارات أقصر وتقنية "المباشر" لتقليل وقت الطيران بناءً على اتجاه الرياح وتوجيه الطائرات.

بالإضافة إلى ذلك، يشمل البرنامج تخفيف وزن الطائرات عبر ضبط عملية إدارة الأمتعة وإزالة المعدّات غير الضرورية، مثل العجلات الاحتياطية.

وأخيرًا، تُختار زاوية الهبوط المثلى بناءً على الظروف الجوية لتقليل استهلاك الوقود خلال عمليات الهبوط.

الطاقة الخضراء

تحديات تواجه قطاع النقل في الجزائر

يشهد قطاع النقل في الجزائر تحديات كبيرة، على الرغم من التطورات التي شهدها في السنوات الأخيرة، حيث يواجه القطاع عدّة صعوبات بيئية وتنظيمية ومالية تحتاج إلى حلول فعالة لضمان استدامته وكفاءته في المستقبل.

تأثيرات جائحة كوفيد-19 في قطاع النقل:

أدت جائحة كوفيد-19 إلى انخفاض ملحوظ في حركة النقل بجميع أنواعه، سواء عبر الطائرات أو السفن أو القطارات، مما انعكس سلبًا على إيرادات القطاع، وأثّر باستمراره.

لمواجهة هذه التحديات، ينبغي العمل على تطوير استراتيجيات مرنة للتعامل مع الأزمات الصحية، تشمل تحسين أنظمة النقل الذكي والرقمي لضمان استمرار العمليات في ظل الأزمات.

كذلك التركيز على تطبيق معايير صحية صارمة على وسائل النقل العامة لحماية الركّاب وضمان سلامتهم.

بالإضافة إلى ذلك، يُعزز الاستثمار في قطاع النقل الجوي لاستعادة حركة المسافرين وتحسين البنية التحتية للمطارات بما يتماشى مع التحديات المستقبلية.

التلوث البيئي وغازات الاحتباس الحراري:

يعدّ قطاع النقل، وخاصة النقل البري، من أبرز المسهِمين بانبعاث غازات الدفيئة في الجزائر، مما يؤدي إلى تلوث الهواء، ويسهم في تفاقم أزمة التغير المناخي.

ولمواجهة هذه التحديات، أُطلِقَت برامج تهدف إلى تخفيف انبعاثات الغازات من هذا القطاع، حيث تشمل هذه الجهود تطبيق معايير بيئية صارمة على وسائل النقل المختلفة، وتوسيع استعمال وسائل النقل الكهربائية، مثل القطارات و"الترام".

وكذلك التركيز على تعزيز استعمال الوقود البديل وتبنّي التكنولوجيا الحديثة في المركبات، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

بالإضافة إلى ذلك، العمل على تحسين البنية التحتية للمواصلات العامة وتوسيع شبكة النقل الجماعي، بهدف تشجيع استعمال وسائل النقل المستدامة، وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة.

الاحتباس الحراري

الازدحام المروري في المدن الكبرى:

أسهم التوسع العمراني السريع وزيادة عدد السكان في الجزائر بزيادة الضغط على شبكة الطرق، مما أدى إلى تفاقم مشكلات الازدحام المروري، خاصة في المدن الكبرى، مثل الجزائر العاصمة ووهران.

ولمواجهة هذه التحديات، يجري العمل على توسيع شبكات المترو والترامواي، حيث أحرزت البلاد تقدمًا ملحوظًا في مدن مثل الجزائر ووهران وسيدي بلعباس.

كما تشمل الجهود تخطيط وتنفيذ مشروعات جديدة لتحسين وتوسيع شبكة الطرق، كذلك لا بد من تطوير أنظمة النقل الذكية التي تسهم في إدارة حركة المرور بكفاءة.

بالإضافة إلى ذلك، يُرَكَّز على تشجيع السكان لاستعمال وسائل النقل العامة، من خلال توفير الحوافز التي تدعم التحول إلى النقل الجماعي بديلًا أكثر استدامة.

البنية التحتية لقطاع النقل في الجزائر

تواجه الجزائر تحديات كبيرة في تطوير وتحسين البنية التحتية للنقل، حيث ما تزال بعض الأنظمة بحاجة إلى تحديث، خاصة في المناطق النائية التي تعاني من نقص في الخدمات.

وللتغلب على هذه التحديات، يُعمَل على تعزيز الاستثمارات في تطوير البنية التحتية، بما في ذلك تحديث السكك الحديدية والموانى وتحسين شبكات الطرق.

كما تشمل الجهود تنفيذ مشروعات جديدة لتوسيع شبكات النقل الحديدي، مع التركيز على تطوير خطوط السكك الحديدية الكهربائية التي تسهم في تقليل الانبعاثات والتلوث البيئي.

بالإضافة إلى ذلك، يُعدّ تحسين التنسيق بين الحكومة والقطاع الخاص عاملًا أساسيًا لضمان تنفيذ هذه المشروعات بفعالية، وتحقيق الأهداف المنشودة.

صعوبة التنسيق بين أنماط النقل المختلفة:

على الرغم من تنوّع مشروعات النقل في الجزائر، بما يشمل النقل الجوي والبري والبحري والحديدي، فإن ضعف التنسيق بين هذه الأنماط يحدّ من كفاءة منظومة النقل في البلاد وفعاليتها.

للتغلب على هذا التحدي، لا بد من التركيز على تعزيز التنقل متعدد الوسائط من خلال إنشاء منصات إلكترونية متطورة تسهّل الربط بين وسائل النقل المختلفة.

بالإضافة إلى ذلك، تشمل الجهود تطوير مشروعات تدعم تكامل الأنظمة، مثل تحسين خدمات النقل البري وتعزيز الربط مع السكك الحديدية.

والعمل على تسهيل الربط بين مواني الجزائر والمطارات، بهدف دعم التبادل التجاري وتحسين كفاءة النقل.

التحديات الاقتصادية في تمويل مشروعات النقل:

تواجه الجزائر تحديات كبيرة في تأمين التمويل اللازم لتوسيع وتحسين قطاع النقل، مما يؤثّر في قدرة البلاد على تنفيذ بعض المشروعات الكبرى.

وللتعامل مع هذه المشكلة، ينبغي التركيز على استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مما يسهم في توفير التمويل المطلوب.

بالإضافة إلى ذلك، توجيه جزء من الميزانية الوطنية نحو تنفيذ المشروعات الحيوية، مع البحث عن حلول تمويلية مرنة تضمن تحقيق التوازن بين التكاليف والأهداف البيئية.

كما يُعدّ التعاون مع المنظمات الدولية خيارًا استراتيجيًا لتأمين منح أو قروض ميسّرة لدعم المشروعات التنموية والبيئية المرتبطة بقطاع النقل.

وتسعى الجزائر لتحقيق توازن بين النمو السكاني والاقتصادي وبين الحفاظ على بيئة صحية ومستدامة.

من خلال الاستثمار في البنية التحتية وتطوير أنظمة النقل المتنوعة، تعمل البلاد على تقليل انبعاثات غازات الدفيئة وتعزيز الاستدامة البيئية.

ولكن، تبقى التحديات التي يواجهها قطاع النقل كبيرة، تتطلب تكاتف الجهود الوطنية والدولية، مع التركيز على الابتكار والشراكات المستدامة، من أجل ضمان نجاح التحول الطاقي وضمان مستقبل نظيف وأكثر كفاءة للقطاع.

* د. منال سخري، أستاذة وخبيرة في السياسات البيئية والتنمية المستدامة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
السعيد أبو العلا

أخبار ذات صلة

0 تعليق