الاستخلاص المعزز.. تقنية فعالة لزيادة إنتاج حقول النفط في سوريا

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

يمثّل الاستخلاص المعزز إحدى التقنيات المتقدمة التي تعتمدها الدول لتحسين استخراج النفط من الحقول الناضبة وزيادة كفاءة الإنتاج، ما يسهم في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة وتعزيز العوائد الاقتصادية.

وفي سوريا، التي تعتمد بشكل كبير على إنتاج النفط لتلبية احتياجاتها المحلية ودعم الاقتصاد الوطني، تبرز أهمية استعمال تقنيات الاستخلاص المُحسّن من أجل تجاوز التحديات التي تواجه القطاع النفطي في ظل التراجع الطبيعي للإنتاج في الحقول التقليدية.

ووفقًا لبيانات قطاع النفط السوري لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تشهد حقول النفط في سوريا تراجعًا حادًا في الإنتاج بسبب استنزاف الموارد التقليدية والتحديات التقنية التي تعوق استخراج الاحتياطيات المتبقية.

ودفع هذا الوضع إلى النظر في استعمال تقنيات الاستخلاص المعزز بصفتها حلًا فعّالًا لزيادة إنتاج تلك الحقول، وتحقيق الاستدامة في قطاع النفط السوري الذي يشكّل ركيزة حيوية للاقتصاد الوطني، إذ تشمل التقنيات المستعملة في حقول النفط السورية تقنيات حقن المياه والغاز، والحفر الأفقي، واستعمال المضخات المكبسية والغاطسة.

ومع ذلك، فإن تطبيق تقنيات الاستخلاص المحسن في سوريا ما يزال محدودًا مقارنة بدول عربية أخرى، إذ تستثمر هذه الدول بشكل كبير في تكنولوجيا النفط المتقدمة، وفي المقابل، تتّسم الجهود السورية بالتواضع نتيجة للقيود المالية والبنية التحتية غير المكتملة، ما يجعل التحول نحو الاستخلاص المحسن بطيئًا رغم أهميته.

ويسلّط التقرير الضوء على الجهود المبذولة لتطبيق تقنيات الاستخلاص المعزز في حقول النفط في سوريا، مع التركيز على حقلَي التنك والرميلان بصفتهما حالتين دراسيتين رئيستين، ونستعرض مقارنة بين مستويات تبنّي هذه التقنيات في سوريا والدول العربية، مع تحليل تأثيراتها المتوقعة بإنتاج النفط.

الاستخلاص المعزز للنفط

يُعرَّف "الاستخلاص المعزز للنفط" بأنه تقنية تنطوي على استعمال حزمة من التقنيات، مثل الطرق الحرارية أو طرق الامتزاج أو حتى العمليات الكيماوية، التي تهدف إلى رفع مستويات النفط القابلة للاستخراج من حقل نفطي معين، بحسب معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وتشمل أيضًا تقنية حقن المياه، المعروفة أيضًا بـ"غمر المياه"، وهي طريقة استرداد ثانوية معتمدة على نطاق واسع، إذ تتضمن حقن الماء في الخزان للحفاظ على الضغط وإزاحة النفط نحو آبار الإنتاج.

حقل التنك السوري
حقل التنك السوري - الصورة من "سانا"

ويمكن أن تكون التقنية فعالة للغاية، ولا سيما في الخزانات التي تتمتع بنسب جيدة لتنقل الماء/النفط، ومع ذلك، فإن الإدارة الدقيقة أمر بالغ الأهمية لمنع توجيه المياه وضمان النزوح الفعّال.

كما تشمل تقنيات الاستخلاص المعزز للنفط تقنيات حقن الغاز، مثل ثاني أكسيد الكربون والغاز الطبيعي، التي اكتسبت أهمية كبيرة في السنوات الأخيرة، إذ يُطبّق حقن الغاز حاليًا في مختلف أنحاء العالم، ويمكن أن يكون أداة فعّالة للغاية لزيادة استخراج النفط بأساليب متطورة.

وفي أغلب الحالات، يُعزَل الغاز المصاحب خلال إنتاج النفط، ويُعالج، ومن ثم يُضخ إلى التكوينات والطبقات الجيولوجية المعنية لزيادة ضغط المكمن وزيادة الإنتاج، ومن أكثر الطرق فاعلية لتعزيز استخراج النفط بالغاز باستعمال غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يُضخ إلى المكامن النفطية بضغط كافٍ لمزجه تمامًا مع النفط الخام.

مقارنةً بغيرها من الأساليب المستعملة في صناعة النفط، كعملية حقن المياه، لا يؤدي مثل هذا المزج الكامل للغاز مع النفط فقط إلى زيادة الضغط، ولكن أيضًا يمكن وصفه بأنه فعّال لدرجة كبيرة في إزاحة النفط من مسامات الصخور المكمنية بصورة كاملة تقريبًا.

ويتوقف الاختيار بين حقن ثاني أكسيد الكربون أو الغاز الطبيعي على عوامل مختلفة، بما في ذلك خصائص الخزان والمخاوف البيئية.

وفي العموم، فمن الناحية الاقتصادية، تعدّ التكلفة الاستثمارية وتكلفة الإنتاج، بما في ذلك تكلفة الغازات أو المواد الكيماوية المستعملة، لتقنيات الاستخلاص المعزز للنفط، منافسة جدًا مقارنة بتكلفة الاستكشاف والتطوير لحقول جديدة.

الاستخلاص المعزز في حقل التنك

عند دراسة تقنيات الاستخلاص المعزز في حقل التنك، الذي يُعدّ من أهم الحقول النفطية في سوريا، نجد أنه كان يسهم بشكل كبير في تلبية احتياجات السوق المحلية.

إلّا أن حقل التنك، شأنه شأن غيره من حقول النفط في سوريا الناضبة، يعاني من تراجع تدريجي في معدلات الإنتاج، ولتعويض هذا التراجع، بدأ الاهتمام باستعمال تقنيات الاستخلاص المعزز، مثل الحقن بالماء والغاز، لتحسين استخراج النفط المتبقي.

وتشير البيانات الأولية إلى أن تطبيق الحقن بالماء في حقل التنك أسهم في تحسين الإنتاج بنسبة 5%، وهي نسبة متواضعة، لكنها تمثّل خطوة أولى نحو اعتماد أوسع لتقنيات الاستخلاص المتقدمة، حسبما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

ومن تقنيات الاستخلاص المعزز الأخرى التي كانت قيد الدراسة، الحقن بثاني أكسيد الكربون والمواد الكيميائية، والتي قد ترفع من كفاءة الاستخراج بنسبة تتراوح ما بين 10% و30%.

ورغم هذه الجهود، تواجه مشروعات الاستخلاص المعزز في حقل التنك تحديات عدّة، أبرزها ضعف البنية التحتية وقلة الموارد المالية اللازمة لتطوير هذه التقنيات، كما يُعدّ نقص الكوادر الفنية المؤهلة عائقًا إضافيًا يحول دون تنفيذ مشروعات على نطاق أوسع.

الاستخلاص المعزز في حقل الرميلان

أمّا في حقل الرميلان، الذي يُعدّ أحد أكبر حقول النفط في سوريا، فقد نُفِّذَت تجارب باستعمال تقنيات الاستخلاص الحراري لتحسين الإنتاج، إذ تهدف هذه التقنيات إلى تسخين النفط الخام داخل المكامن لتقليل لزوجته وزيادة تدفُّقه نحو الآبار الإنتاجية.

منشأة لاستخراج النفط بمنطقة الرميلان في محافظة الحسكة السورية
جنود أميركيون في منشأة لاستخراج النفط بمنطقة الرميلان بمحافظة الحسكة السورية - الصورة من وكالة الصحافة الفرنسية

وأتت نتائج هذه التجارب مشجعة نسبيًا، إذ زادت معدلات الإنتاج بنسبة تصل إلى 15% خلال السنوات الأولى من التطبيق، ومع ذلك، فإن التكاليف المرتفعة لهذه التقنيات، إلى جانب التحديات اللوجستية، ما تزال تقف عقبة أمام تعميمها في باقي الحقول السورية.

نِسب تطبيق الاستخلاص المعزز في سوريا والدول العربية

عند مقارنة جهود سوريا في تطبيق تقنيات الاستخلاص المعزز مع دول عربية أخرى مثل السعودية والإمارات، يظهر بوضوح الفارق الكبير في مستوى التبني والاستثمار في هذا المجال.

وفي السعودية، على سبيل المثال، تعدّ تقنيات الاستخلاص المعزز جزءًا لا يتجزأ من إستراتيجيات إنتاج النفط، إذ تطبّق شركة أرامكو تقنيات متطورة تشمل الحقن بالغازات الذكية في حقل الغوار، وهو الأكبر عالميًا، ما أدى إلى زيادة معدل استخراج النفط بنسبة تصل إلى 70%.

أيضًا، قطعت الإمارات شوطًا كبيرًا في هذا المجال، إذ اعتمدت على تقنيات مبتكرة مثل الاستخلاص بالبوليمرات في الحقول البحرية، ما رفع إنتاج بعض الحقول بنسبة 50%.

في المقابل، لا تتجاوز نسبة تطبيق تقنيات الاستخلاص المحسن في الحقول السورية 10% في أحسن الأحوال، وهو ما يُبرز الحاجة إلى استثمارات أكبر ودعم دولي لتطوير هذا القطاع.

تأثير الاستخلاص المعزز بإنتاج حقول النفط في سوريا

على الرغم من التحديات، تُظهر التجارب الميدانية أن تقنيات الاستخلاص المعزز قادرة على إحداث فرق كبير بإنتاج الحقول النفط في سوريا.

حقل العمر النفطي في سوريا
حقل العمر النفطي في سوريا

ويُتوقع أن يؤدي توسيع نطاق تطبيق هذه التقنيات إلى زيادة إنتاج النفط في سوريا بنسبة تصل إلى 20% على مدى السنوات الخمس القادمة، وهو ما يشكّل دفعة كبيرة لاقتصاد البلاد.

ويعكس تبنّي تقنيات الاستخلاص المعزز في حقول النفط السورية خطوة نحو تطوير قطاع النفط وضمان استدامته، لكنه يتطلب رؤية إستراتيجية طويلة الأمد، وشراكات مع الجهات الدولية، واستثمارات مستدامة، لتضييق الفجوة مع الدول الرائدة في هذا المجال.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر..

  1. الاستخلاص المعزز للنفط من موقع ساينس دايركت.
  2. الاستخلاص المحسن للنفط من موقع وزارة الطاقة الأميركية.
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
السعيد أبو العلا

أخبار ذات صلة

0 تعليق