علماء يحذرون من تزايد سرطان الرئة بين غير المدخنين

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
علماء يحذرون من تزايد سرطان الرئة بين غير المدخنين, اليوم السبت 7 يونيو 2025 10:00 صباحاً

تتزايد حالات سرطان الرئة بين من لم يسبق لهم التدخين. وهو نوع من السرطان يختلف عن السرطان الذي يصيب الرئة نتيجة التدخين، فما سببه؟أدركت مارثا أن هناك أمر ما، عندما أحست بتغير في سعالها وأصبح المخاط في مجراها التنفسي أكثر لزوجة. وأرجع الأطباء ذلك إلى اضطراب نادر كان قد أصابها وتسبب في التهاب مزمن في الرئتين. وقيل لها: "لا تقلقي، لا بد أن هذا هو السبب".

وعندما خضعت لفحص بالأشعة السينية، ظهر ظل على رئتها.

تتذكر مارثا: "هذا ما دفع الحالة إلى التقدم. أولاً، خضعت لفحص بالأشعة المقطعية، ثم لفحص بمنظار القصبة الهوائية [إجراء يتضمن استخدام أنبوب طويل لفحص مجاري التنفس في رئتي الشخص] لأخذ عينات من الأنسجة".

وبعد استئصال الورم بنحو أربعة أشهر من إبلاغها بتلك الأعراض من الطبيب العام، شُخصت حالتها بسرطان الرئة من الدرجة الثالثة (أ). وتسلل الورم إلى العقد اللمفاوية المحيطة، لكنه لم ينتشر بعد إلى أعضاء أخرى في جسمها. كانت مارثا تبلغ من العمر 59 سنة في ذلك الوقت.
وقالت مارثا: "كانت صدمة حقيقية". ورغم أنها كانت أحياناً تشعل سيجارة في الحفلات، إلا أنها لم تعتبر نفسها مدخنة يوماً ما.

ويُعد سرطان الرئة أكثر أنواع السرطان انتشاراً على مستوى العالم والسبب الرئيسي للوفيات جراء هذا المرض الذي يصيب أعضاء مختلفة في جسم الإنسان.
في 2022، شُخص نحو 2.5 مليون شخصاً بهذا المرض بينما توفي أكثر من 1.8 مليون شخصاً بسببه.

وعلى الرغم من أن سرطانات الرئة المرتبطة بالتبغ لا تزال تُمثل أغلبية الحالات المشخصة عالمياً، إلا أن معدلات التدخين آخذة في الانخفاض منذ عقود. لكن ومع استمرار انخفاض عدد المدخنين في العديد من دول العالم، تستمر نسبة الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين في الزيادة. وتتراوح نسبة من يشخصون بالإصابة بسرطان الرئة ممن لم يسبق لهم التدخين بين 10 في المئة و20 في المئة من حالات سرطان الرئة بصفة عامة.


يقول أندرياس ويكي، أخصائي الأورام في مستشفى زيورخ الجامعي في سويسرا: "يظهر سرطان الرئة لدى غير المدخنين ككيان مرضي منفصل ذو خصائص جزيئية مميزة تؤثر بشكل مباشر على قرارات العلاج ونتائجه". وبينما يتشابه متوسط ​​العمر عند التشخيص مع متوسط ​​عمر مرضى سرطان الرئة المرتبط بالتدخين، فإن المرضى الأصغر سناً المصابين بسرطان الرئة هم في الغالب ممن لم يدخنوا أبداً.

ويضيف: "عندما نفحص مرضى سرطان الرئة في الثلاثين أو الخامسة والثلاثين من العمر، نجد أنهم عادةً ما يكونون من غير المدخنين".

يشار إلى وجود فرق آخر يتمثل في نوع السرطان المشخص. وحتى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كان أكثر أنواع سرطان الرئة شيوعاً هو سرطان الخلايا الحرشفية؛ وهو نوع يبدأ في الخلايا التي تبطن الرئتين. في المقابل فإن سرطان الرئة لدى غير المدخنين يكون في الغالب من نوع السرطان الغدي، وهو نوع يبدأ في الخلايا التي تُنتج المخاط. وقد أصبح هذا النوع الآن الشكل الأكثر شيوعاً من سرطان الرئة سواء بين المدخنين أو غير المدخنين.

كما هو الحال مع أنواع سرطان الرئة الأخرى، عادةً ما يُشخص السرطان الغدي في مرحلة متقدمة. وقال ويكي: "إذا كان هناك ورم بحجم سنتيمتر واحد (0.4 بوصة) مخفي في مكان ما في رئتيك، فلن تلاحظه". وغالباً ما تظهر الأعراض المبكرة، التي تتضمن السعال المستمر، وألم الصدر، وضيق التنفس، أو الصفير، فقط عندما يكبر الورم أو ينتشر.

إضافةً إلى ذلك، قد يدفع الارتباط التاريخي القوي بين التدخين وسرطان الرئة، دون قصد، غير المدخنين إلى ربط الأعراض بأسباب أخرى، كما يقول ويكي. "لذلك، تُشخَّص معظم حالات غير المدخنين فقط في المرحلة الثالثة أو الرابعة".

امرأة ترتدي منديلاً أسود عليه نقط بيضاء وتربطه للخلف، ولباس أسود. تعجن أمام فرن في مكان مغلق.صدر الصورة،GETTY IMAGES
التعليق على الصورة،النساء أكثر تعرضاً للدخان وعوادم المواقد لبقائهن في الأماكن المغلقة فترات طويلة
يشار أيضاً إلى أن سرطان الرئة لدى غير المدخنين أكثر شيوعاً بين النساء. فالنساء اللاتي لم يسبق لهن التدخين أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة بأكثر من الضعف مقارنة بالرجال غير المدخنين. وإلى جانب الاختلافات في تركيبة الرئة والتعرض للعوامل البيئية، قد يكون جزء من التفسير مرتبطاً بطفرات جينية شائعة بشكل أكبر لدى النساء، وخاصة النساء الآسيويات. ومن بين هذه الطفرات، الطفرة المعروفة باسم EGFR، واحدة من أكثرها انتشاراً.

وعادةً ما تحتوي خلايا سرطان الرئة لدى الأشخاص الذين لم يسبق لهم التدخين على عدد من الطفرات التي قد تُسبب المرض، وفقاً لويكي.

وتُسمى هذه الطفرات بالطفرات المُحفِزة، إذ تُحفز هذه التغيرات الجينية نمو الورم، مثل جين EGFR الذي يُشفر بروتيناً على سطح الخلايا.

ولا تزال أسباب وجود هذه الطفرات المُحفزة وانتشارها بشكل ملحوظ لدى المريضات، خاصة ذوات الأصول الآسيوية، غير مفهومة على الإطلاق. وهناك بعض الأدلة على أن هرمونات الأنوثة قد تلعب دوراً في الإصابة، إذ تكون بعض المتغيرات الجينية التي تؤثر على التمثيل العضوي لهرمون الإستروجين أكثر شيوعاً بين سكان شرق آسيا. وقد يفسر هذا ارتفاع معدل الإصابة بسرطان الرئة المُحفِز بطفرات EGFR لدى النساء الآسيويات، على الرغم من أن البيانات لا تزال أولية للغاية.

وبعد اكتشاف الطفرات التي قد تؤدي إلى سرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين، بدأ تطوير عقاقير تُعيق نشاط هذه البروتينات تحديداً. على سبيل المثال، طُرحت أول مثبطات مستقبل عامل نمو البشرة (EGFR) قبل نحو 20 سنة، وأظهر معظم المرضى استجابةً رائعةً. مع ذلك، غالباً ما يؤدي العلاج إلى ظهور خلايا سرطانية مقاومة، مما يؤدي إلى انتكاس الورم. وفي السنوات الأخيرة، بُذلت جهود كبيرة للتغلب على هذه المشكلة، مع ظهور أنواع جديدة من الأدوية في السوق.

ونتيجةً لذلك، تحسنت توقعات تشخيص الحالات المصابة بخطى ثابتة.

وأوضح ويكي: "يبلغ متوسط معدل البقاء على قيد الحياة للمرضى الحاملين لهذه الطفرات المحفزة عدة سنوات. لدينا مرضى يتلقون علاجاً موجهاً لأكثر من عشر سنوات. وهذه خطوة كبيرة إلى الأمام، بالنظر إلى أن متوسط معدل البقاء على قيد الحياة كان أقل من 12 شهراً قبل نحو 20 سنة".

ومع تزايد نسبة الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين، يؤكد الخبراء على أهمية وضع استراتيجيات وقائية لهذه الفئة. كما ارتبطت عوامل خطر عديدة بهذا الأمر. على سبيل المثال، كشفت دراسات أن غاز الرادون والتدخين السلبي يزيدان من خطر الإصابة بسرطان الرئة لدى غير المدخنين. كما أن التعرض لأبخرة الطهي أو مواقد حرق الخشب أو الفحم في غرف سيئة التهوية قد يزيد من هذا الخطر. ولأن النساء يقضين عادةً وقتاً أطول في الأماكن المغلقة، فإنهن أكثر عرضة لهذا النوع من تلوث الهواء. ومع ذلك، يُعد تلوث الهواء في الأماكن المفتوحة عاملاً أكثر أهمية في الإصابة بسرطان الرئة.

ويعد تلوث الهواء الخارجي ثاني أكبر سبب للإصابة بسرطان الرئة بعد التدخين. وكشفت دراسات أن سكان المناطق شديدة التلوث هم أكثر عرضة للوفاة بسرطان الرئة مقارنةً بمن يعيشون في مناطق أقل تلوثاً. ويبدو أن الجسيمات الدقيقة (PM2.5) التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرون (نحو ثلث عرض شعرة الإنسان)، وتوجد عادةً في عوادم السيارات ودخان الوقود الأحفوري، تلعب دوراً هاماً في حدوث الإصابة. ومن المثير للاهتمام أن أبحاثاً أخرى أظهرت وجود صلة قوية بين ارتفاع مستويات هذه الأجسام الدقيقة وسرطان الرئة لدى الأشخاص الذين لم يدخنوا قط، ممن يحملون طفرة مستقبل عامل نمو البشرة.

وكان تركيز الأبحاث في معهد فرانسيس كريك في لندن على كيفية تأثير تلوث الهواء في الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يدخنوا أبداً من الحاملين لطفرة مستقبل عامل نمو البشرة.

وقال ويليام هيل، باحث ما بعد الدكتوراه في مختبر تطور السرطان وعدم استقرار الجينات بمعهد فرانسيس كريك: "عندما نفكر في العوامل البيئية المسببة للسرطان، عادةً ما نفكر فيها على أنها تُسبب طفرات في الحمض النووي". فعلى سبيل المثال، يلحق دخان السجائر الضرر بحمضنا النووي، مما يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة.

وأضاف: "مع ذلك، تقترح دراستنا [2023] أن الجسيمات الدقيقة (PM2.5) لا تُحدث طفرة في الحمض النووي مباشرةً، بل تُنبه خلايا طافرة كامنة في رئتينا وتُحفزها على بدء مراحل مبكرة من سرطان الرئة".

وأشار باحثون إلى أن ملوثات الهواء تمتصها الخلايا المناعية المعروفة باسم الخلايا البلعمية. وتحمي هذه الخلايا الرئة عادةً عن طريق القضاء على الكائنات المُعدية. واستجابةً للتعرض للجسيمات الدقيقة، تُطلق هذه الخلايا رسائل كيميائية تُعرف باسم السيتوكينات، التي تُنبه بدورها الخلايا الحاملة لطفرة EGFR وتدفعها إلى التكاثر.

وقال هيل: "يُعد تلوث الهواء وطفرات EGFR ضروريين لنمو الأورام". لافتاً إلى أن فهم كيفية تأثير الجسيمات الدقيقة (PM2.5) على البيئة التي توجد فيها الخلايا الحاملة لطفرات EGFR لتعزيز نمو الأورام، قد يُمهد الطريق لأساليب جديدة للوقاية من سرطان الرئة.

والعلاقة بين تلوث الهواء وسرطان الرئة ليست جديدة. ففي ورقة بحثية هامة نُشرت عام 1955 – أثبتت العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة – اقترح الباحثون أن الملوثات الخارجية الناتجة عن حرق الوقود قد تكون سبباً محتملاً. وحتى الآن، يقتصر تركيز السياسات على مجرد مكافحة التبغ. ولكن بعد 75 سنة، بدأ التركيز على تلوث الهواء.

انخفضت مستويات تلوث الهواء في أوروبا والولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة، لكن تأثير هذه التغيرات على معدلات الإصابة بسرطان الرئة لم يتضح بعد.

وقالت كريستين بيرغ، أخصائية الأورام المتقاعدة في المعهد الوطني للسرطان في ماريلاند في الولايات المتحدة: "ربما يستغرق الأمر من 15 إلى 20 سنة حتى تنعكس تغيرات التعرض للتلوث على معدلات الإصابة بسرطان الرئة، لكننا لسنا متأكدين من ذلك". كما أن الوضع دائم التغير، فمن المرجح أن يكون لتغير المناخ تأثير في المستقبل.

وأضافت بيرغ: "مع تزايد خطر حرائق الغابات، يرتفع تلوث الهواء ومستويات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) مجدداً في مناطق معينة من الولايات المتحدة".

وأشارت إلى أن دراسة واحدة على الأقل أظهرت وجود علاقة بين التعرض لحرائق الغابات وزيادة حالات الإصابة بسرطان الرئة. لذا، فإن التحول من الفحم والنفط والغاز (إلى مصادر طاقة نظيفة) أمر بالغ الأهمية، ليس فقط لإبطاء الاحتباس الحراري، ولكن أيضاً لتحسين جودة الهواء".

خفضت منظمة الصحة العالمية في عام 2021، إرشادات المتوسط السنوي لجودة الهواء لهذه لجسيمات الدقيقة إلى النصف، مما يعني أنها اعتمدت نهجاً أكثر صرامة تجاه انتشارها.

وقال غانفنغ ليو، باحث ما بعد الدكتوراه في الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) في ليون في فرنسا: "لكن 99 في المئة من سكان العالم يعيشون في مناطق تتجاوز فيها مستويات تلوث الهواء الحدود [المُحدثة] لإرشادات منظمة الصحة العالمية".

وفي دراسة حديثة، قدر باحثو الوكالة الدولية لبحوث السرطان أن حوالي 194 ألف حالة من سرطان الرئة الغدي في جميع أنحاء العالم يمكن أن تُعزى إلى الجسيمات الدقيقة (PM2.5) في 2022. ورجح ليو أنه "من المتوقع أن يقع العبء الأكبر على كاهل منطقة شرق آسيا، خاصة في الصين".

وقد يزداد عدد وفيات سرطان الرئة الناجمة عن تلوث الهواء في دول مثل الهند، التي تُعد حالياً من بين أعلى مستويات تلوث الهواء، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. ففي دلهي، يتجاوز متوسط مستويات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) ميكروغرام لكل متر مربع، وهو ما يزيد بعشرين ضعفاً عن إرشادات منظمة الصحة العالمية لجودة الهواء.

وفي المملكة المتحدة، أُصيب 1100 شخصاً بسرطان غدي في الرئة نتيجةً لتلوث الهواء في 2022، وفقاً لدراسة الوكالة الدولية لبحوث السرطان. وتقول هارييت رومغاي، عالمة الأوبئة والمشاركة في الدراسة: "لكن لن تكون جميع هذه الحالات ممن لم يدخنوا من قبل".

ويصيب سرطان الرئة الغدي المدخنين أيضاً، خاصةً مدخني السجائر المفلترة. وأضافت رومغاي: "لا يزال هناك الكثير مما لا نعلمه. وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لفك تشابك العوامل المختلفة، وكذلك للتعرف على الكثير من الأشياء مثل مدة التعرض لتلوث الهواء التي قد تؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة".

ومع استمرار تحسن العلاج، أصبحت فرص النجاة من سرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين أكثر. ومن المرجح أن يكون هذا النوع من سرطان الرئة يوماً ما هو الشكل الأكثر انتشاراً لهذا المرض الذي ارتبط تاريخياً بالمدخنين الذكور الأكبر سناً، مما قد يغير نظرتنا إلى هذا المرض في الثقافة الشعبية. وبحسب ويكي: "للأسف، لا تزال فكرة أن المرضى مسؤولون جزئياً على الأقل عن مرضهم شائعة".

واكتشف الأطباء أن مارثا تعاني من طفرة مستقبل عامل نمو البشرة (EGFR)، وتتناول مثبطاً منذ تشخيص حالتها قبل نحو ثلاث سنوات. وقالت مارثا: "إنه ليس قرصاً من الفيتامينات بالتأكيد". وللدواء آثار جانبية سيئة مثل الإرهاق المزمن، وآلام العضلات، ومشاكل جلدية.

وأضافت أن الموازنة بين مخاطر وفوائد العلاج الدوائي والحفاظ على جودة حياة معقولة ليس بالأمر السهل دائماً. لكن الدواء يُجدي نفعاً. "والنظرة السلبية للمرض تتغير، وهذا أمر جيد".

قد يهمك أيضــــــــــــــا

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق